تحدث جنرال
إسرائيلي عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومدى تأثيرها على اهتمامات دولة
الاحتلال الاستراتيجية، مشيرا إلى أن أحد الدروس هو أنه لا يمكن إهمال القضية الفلسطينية.
وحلت أمس الخميس؛ الذكرى الـ35 لانطلاقة الانتفاضة الأولى، التي اندلعت شرارتها بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 1987م، من مدينة جباليا شمال قطاع عزة، ثم امتدت إلى باقي المدن الفلسطينية المحتلة، لترسم ملامح مرحلة جديدة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني.
وأوضح ميخائيل ميلشتاين، الرئيس السابق لدائرة الشعبة الفلسطينية في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، في مقاله بصحيفة "معاريف"، أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي وقعت قبل 35 عاما، كانت "إحدى الانعطافات الدراماتيكية في تاريخ النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي".
وقال: "إسرائيليون كثر زعموا أن انفجار الغضب هذا سرعان ما سيذوي، لكنه استمر وتعاظم، وانتقل في غضون بضعة أيام إلى
الضفة الغربية ومدينة القدس، وأصبح واقعا ثابتا حتى اتفاق أوسلو، حيث جسدت الانتفاضة الاحتكاك الملموس جدا للجمهور الإسرائيلي مع المناطق منذ 1967، و حتى ذلك الحين أبدى معظم الإسرائيليين اهتماما محدودا بما يجري خلف الخط الأخضر".
الهدوء الأمني
ونوه الجنرال، إلى أنه "بين الحين والآخر، ثار في الخطاب السياسي العام السؤال؛ إذا كان ممكنا مواصلة حكم الفلسطينيين دون أن يؤثر الأمر على طابع إسرائيل وميزانها الديمغرافي"، موضحا أن "اهتمام الجماهير المحدود اختلط بالفكرة التي سادت في القيادة السياسية منذ 1967 وصاغها يغئال ألون كـ "القرار بعدم القرار".
وأضاف: "شعر الكثير من السياسيين من جهة بانعدام الراحة في ضوء الوضع غير المحدد الذي ساد في المناطق منذ 1967، ولكن من الجهة الأخرى، عارضوا تغيير الوضع الراهن، سواء انطلاقا من اعتبارات أمنية – استراتيجية، أو من مبررات أيديولوجية قومية ودينية لمعارضة كل تغيير في وحدة البلاد الإقليمية مثلما تصممت بعد حرب 1967".
ولفت إلى أن "الفرضية بالنسبة للقدرة على مواصلة الواقع القائم على مدى الزمن - والذي تغير عمليا طوال الوقت بعد مشروع الاستيطان والانصهار بين الاقتصاد الفلسطيني والاسرائيلي - رافقت الفكرة التي كانت تقول إنه يمكن شراء الهدوء الأمني بوسائل اقتصادية وعلى رأسها تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين، لكن هذا الاعتقاد الجماعي الذي يعود إلى 20 سنة دفعة واحدة، تفجر، وتسلل الموضوع الفلسطيني عميقا في الحاضر الإسرائيلي عبر شاشات التلفزيون التي جلبت الواقع العاصف في المناطق إلى صالونات البيوت، وفي أعقاب العمليات التي نفذت في قلب إسرائيل وهزت إحساس الأمن العام".
وذكر ميلشتاين، أن "الانتفاضة أثارت نقاشا حادا حول الثمن الذي جبي من إسرائيل لقاء السيطرة على المناطق وكان الموضوع في بؤرة خطاب انتخابات 1992، التي برزت فيها دعوة الراحل اسحق رابين (رئيس وزراء أسبق) "إلى إخراج غزة من تل أبيب"، والعمل على الفصل بين الشعبين بروح الخطة التي عرضها ألون فور حرب 1967".
وأكد أن "الانتفاضة عكست تحولا استراتيجيا من ناحية إسرائيل؛ فبعد عشرات السنين ركزت فيها على التصدي العسكري للدول العربية والمواجهات التي دارت في مناطق الجبهة والحدود، وقف الفلسطينيون في 1987 والذين اعتبروا حتى ذلك الحين كتحدٍ هامشي نسبيا، في جدول الأعمال الأمني وأصبح ميدان المعركة هو ساحة الداخل، ولم يكن هذا صراعا عسكريا آخر من النوع الذي اعتادت عليه إسرائيل بل جولة أخرى في مواجهة طويلة السنين بين مجتمعين كانت قوة الصراع بينهما هي الأعلى منذ 1948".
قرار صعب
وفي الجانب العسكري، "دار الحديث عن مواجهة أولى واسعة النطاق تشهدها إسرائيل، وفي إطارها اختلط الحيز العام والتهديدات الأمنية ونشأت معضلات عن الاحتكاك المكثف بين الجنود والسكان، وبالنسبة لمحافل الاستخبارات، قدمت الانتفاضة درسا هاما عن انفجار مفاجئ ينطوي على سياقات أساس نضجت على مدى زمن طويل، مثل تبدل الأجيال وتغيير المفاهيم؛ التي لم يحس بها جساسو جمع المعلومات الذين كانوا يركزون على الأبعاد السياسية والأمنية".
ونبه بأن "انتفاضة الحجارة انطوت على تغيير عميق في الساحة الفلسطينية، وسعى قادة الانتفاضة للدفع قدما بنموذج بديل عن الكفاح المسلح، كفاح يستند إلى مشاركة الجمهور الغفير، ولهذا السبب نال العطف والشرعية الدولية وآثار ضغطا عالميا متزايدا على إسرائيل".
وتابع: "وحتى اليوم يتذكر الفلسطينيون الانتفاضة الأولى بحنين كمثال أعلى للكفاح شارك فيه قسم كبير من الجمهور، ترافق ومظاهر تضامن داخلي، وتمتع بعطف خارجي واسع"، مبينا أن انطلاقة "حماس" بعد أسبوع من بداية الانتفاضة، مثلت للشعب الفلسطيني "تطلعا ثوريا، لخوض كفاح لا هوادة فيه ضد إسرائيل".
وأفاد الجنرال، بأنه "من مسافة ثلاثة عقود ونصف، يمكن أن نشخص أوجه شبه عديدة مع الواقع الذي نشأ عشية
الانتفاضة الأولى، فالمواجهة أدت إلى إقامة السلطة الفلسطينية، والتي مثلت في بدايتها تحقيقا لهدف الانفصال لكنها ولدت لاحقا تهديدات حادة بعد عودة الفلسطينيين إلى الكفاح، وإسرائيل اليائسة من إمكانية الدفع قدما بتسوية في الساحة الفلسطينية، قررت العودة للتمسك بالقرار لعدم القرار".
وبين أن "قيادة إسرائيل السياسية غير معنية أو قادرة، على خوض نقاش معمق حول مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين، لبلورة استراتيجية مرتبة وواعية في الموضوع، وبدلا من ذلك تركز على تحقيق الهدوء في ظل الاستناد إلى السلام الاقتصادي"، مؤكدا أن "انتفاضة 1987 علمتنا منذ الآن أنه لا يمكن الفرار من الموضوع الفلسطيني".
وأشار إلى أن "إسرائيل توجد اليوم أمام عدد من البدائل الاستراتيجية، بعضها سيء وأخرى أسوأ، فلا قدرة عملية على تحقيق حل الدولتين بروح أوسلو، بينما أفكار الحل الوسط التي تطرح بين الحين والآخر مثل إعادة الحكم الأردني في الضفة الغربية؛ تقليص النزاع دون فاصل مادي بين المجتمعين، إقامة كونفدرالية مشتركة؛ وإقامة اتحاد إمارات في الضفة؛ ليست قابلة للتنفيذ عمليا، و بين هذا وذاك، يتحقق بالتدريج انصهار يومي غير واع بين إسرائيل والضفة، وهذا يجد تعبيره في اندماج اقتصادي، شبكات بنى تحتية مدنية وجغرافية".
ورأى ميلشتاين، أنه "بعد إزالة لثام الأوهام، الشعارات ومفاهيم الماضي، تبين أنه لم يتبقَ اليوم سوى بديلين استراتيجيين معقدين يلزمان إسرائيل بأن تختار الأقل سوءاً؛ الأول، استمرار التقدم نحو واقع الدولة الواحدة، والبديل الثاني، فصل مادي بين إسرائيل والضفة الغربية، حتى وإن كان من طرف واحد، في حال لم يتوفر شريك في الجانب الفلسطيني؛ ومن المتوقع للخطوة أن تكون مفعمة بالتحديات والتهديدات الأمنية من جهة الضفة والتعلق الاقتصادي العميق للفلسطينيين بإسرائيل".