لا صوت يعلو على صوت الرياضة هذه الأيام، أصبحت الأنظار متوجهة إليها بعيدًا عن صخب المعارك وآلامها وتصريحات السياسيين وصراعاتهم.. كيف لا وقد خطفت مباريات كأس العالم الأضواء من الجميع وتعلقت العيون والقلوب بدوحة قطر التي تزينت بأحلى الزينات وأروع الحلل القشيبة وأصبحت أجواء الرياضة طاغية عربيا وعالميا وموضوع حديث الرجال والنساء، شيوخا وشبابا وأطفالا، حتى رجال السياسة أصبحت تصريحاتهم تصب في ذلك المنحى خاصة بعد فشل كل محاولات التسييس والضغوط التي حاولت بعض الدول ممارستها تجاه قطر لأسباب سياسية وثقافية واقتصادية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نرى دولا تتفوق في مجال الرياضة
ودولا أخرى لا تزال تحبو في حين تراوح ثالثة في محلها محرزة تطورا لا يكاد يذكر؟
للإجابة على ذلك علينا معرفة كنه الرياضة ومقومات نجاحها والسبل اللازمة
لتحقيق ذلك.
مقومات نجـاح الرياضة:
1
ـ نظام فصل السلطات بحيث لا تتدخل السياسة بالرياضة بل تتعهد بتقديم الدعم
والتسهيلات بدون تهليل أو تعظيم للزعيم، فعلى سبيل المثال، كان لتدخل السلطات
الروسية آثارًا مباشرة على الرياضة الروسية مما جعلها تخضع للعقوبات الدولية بسبب
تناول الرياضيين المنشطات الأمر الذي جعل فرقها تخضع لتجميد مشاركتهم تحت علم
روسيا خلال بطولة الألعاب الأولمبية الأخيرة في طوكيو بسبب عمل ممنهج بتعاطي
الرياضيين للمنشطات تحت إشراف الكادر التدريبي والطبي و قيادة رئيس اللجنة
الأولمبية الروسية الكسندر جوكوف الصدبق المقرب من بوتين.
2
ـ تعداد سكاني يلبي احتياجات الممارسة ضمن هرم سكاني صحيح، حيث لاتستطيع الدول
الصغيرة سكانيا ان تبرع كثيرا في أنواع عديدة للرياضة وكذلك في الرياضات الجماعية
فتعداد ممارسي الرياضة يتناسب طردا مع عدد السكان.
3
ـ ضرورة الاهتمام بالتخصصات الرياضية ذات الشعبية في البلد ككرة السلة في أمريكا
والكاراتيه في اليابان وكرة الطاولة في الصين والسباحة في أمريكا واستراليا أو
الرياضات الشتوية من قبل الدول الباردة مثل النرويج وفنلندة وكندا.
4
ـ بنية تحتية رياضية مناسبة حسب التخصصات وإمكانيات البلد.
5
ـ دراسات أكاديمية وتدريبية تدعم الرياضة بكافة المجالات اللازمة، فلم تعد الرياضة
مجرد هواية يمكن تطويرها بالاعتماد على الذات فتحطيم الأرقام أصبحت قضية صعبة جدا
تتطلب تكاملا بين عدة مجالات تتداخل مع بعضها البعض، التقنية بالطبية بالتجهيزات
بالإضافة للموهبة واكتشافها المبكر من قبل الكشافين المتخصصين.
6
ـ أندية رياضية محترفة متخصصة تمتلك مصادر تمويل مناسبة للتخصصات، فمثلا نادي ريال
مدريد الشهير لا يمارس سوى لعبتين، كرة القدم وكرة السلة ونادي لوس انجلوس ليكرز
كرة السلة فقط، بينما ناديي الأهلي المصري والحلبي يمارسان تقريبا كافة الرياضات
الممارسة في سورية ومصر مما ينهكهما ماديا وإداريا.
7
ـ علاقة متميزة بين قطاع التعليم والرياضة بحيث تكون مصدرا أساسيا ومنبعا لانتقاء
الرياضيين المناسبين حسب التخصصات، فالجامعات الأميركية هي الخزان الرئيسي لرياضة
كرة السلة وعبرها يتم انتقاء اللاعبين المميزين وترشيحهم لدوري المحترفين.
8
ـ قابلية تجنيس اللاعبين المتفوقين من بلاد أخرى، فالبطل الرياضي المميز عملة
نادرة لذا ترى بعض الدول تستقطبهم الى فرقها حتى تستفيد منهم وكذلك حتى يستفيد
منهم الناشئة الجدد عبر الاحتكاك خاصة في الدول ذات الخزان البشري الضعيف.
9
ـ تمويل ذاتي مستمر ومستقر للرياضات بشكل عام وللأفراد الممارسين عبر عقود الرعاية
والإعلانات وحتى عقود بيع للاعبين للأندية الأخرى، فالرياضيون في هذا العصر هم من
الفئات الأكثر تأثيرا في الشعوب وعندما يتجاوز عدد متابعي رونالدو على الانستغرام نصف مليون متابع فإن ذلك يجعل
إعلانه يصل الى قرابة 2.5 مليون دولار !!.
لرب قائل يقول إن الرياضة مضيعة للوقت وهدر للطاقات، قد يكون هذا
صحيحا عندما نراه من زاوية محددة فالعالم مبني على التكامل في التخصصات وتعدد
المواهب والبارع من يستغل هذه الإمكانات المتوفرة في الأمم ويوظفها، فعلى سبيل
المثال ماذا لو أن رونالدو لم يمارس كرة القدم، هل سنراه عالم فيزياء أو كيمياء أو
شاعر؟!.
لقد تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحكمة مع قضية
الكفاءات والمواهب فكان يستثمر الطاقات ويوظفها على الوجه الأمثل، فلقد استفاد من
شعر حسان بن ثابت وملازمة أبو هريرة له في المسجد لحفظ الحديث وصوت بلال لجعل
الآذان شجيا وشجاعة خالد بن الوليد لقيادة المعارك.. وكذلك فكر عثمان بن عوف و عبد
الرحمن بن عوف التجاري لتمويل الدعوة والغزوات ومن حكمة ورجاحة عقل أبي بكر الصديق
في الحكم والاستشارة السياسية رضي الله عنهم جميعًا.
لقد تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحكمة مع قضية الكفاءات والمواهب فكان يستثمر الطاقات ويوظفها على الوجه الأمثل، فلقد استفاد من شعر حسان بن ثابت وملازمة أبو هريرة له في المسجد لحفظ الحديث وصوت بلال لجعل الآذان شجيا وشجاعة خالد بن الوليد لقيادة المعارك
أحد جوانب الرياضة الخفية تلك اللمسة الأخلاقية التي إن أحسنت الدول
استعمالها فهي تنمي الحس الأخلاقي القائم على قبول الفوز والخسارة وكذلك عامل
التفوق ولذة الانتصار ومهارة اللعب الجماعي وتعزيز الحس الوطني، تلك العوامل مهمة
أيضًا في البلاد الراغبة بالارتقاء حضاريا.
إن الرياضة تساهم كذلك في اقتصادات الدول المتطورة رياضيا عبر تصدير
اللاعبين وعقود الرعاية والسياحة الرياضية التي تتم عبر استضافة البطولات والتذكارات من قمصان وغيرها وزيارة الملاعب
لأخذ الصور التذكارية بالإضافة الى المنتجات والأدوات الرياضية.
يقدر خبراء الاقتصاد حجم الاقتصاد الرياضي
بستمائة مليار دولار ويعادل بذلك حجم الانفاق العسكري الاميركي، فعلى سبيل المثال
ثمن لاعبي المنتخب البرازيلي والانكليزي والفرنسي يتجاوز كلًا على حدة مليار
دولار.
ما تزال البلاد العربية تعاني من قضية المراوحة في الرياضة أو
التراجع رغم وجود بعض الطفرات التي تأتي بين فترة وأخرى، لأسباب عديدة أهمها عدم
وصولها للفكر الاحترافي ضمن مؤسساتها بشكل عام والرياضية بشكل خاص، وهذا بسبب أن
بلادنا لم تصبح حتى الآن دولًا مؤسساتية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية
والرياضية فهل نشهد ذلك قريبا أم تستمر بلادنا ورياضاتنا خارج المنهجية المطلوبة
للنجاح والتفوق في كافة المجالات خلال الأعوام القادمة؟
بين القمة الفرنكفونية بتونس وكأس العالم بقطر.. توسيع دائرة المقارنة
قطر بين الإنجاز في المونديال وازدواجية الغرب