قضايا وآراء

أنور إبراهيم سياسي لا يعرف اليأس أو الهزيمة

1300x600
قصة السياسي الماليزي أنور إبراهيم ملهمة تمزج الفرح بالحزن والتميز بالإقصاء، فمنذ فترة الشباب لوحظ تميزه فاختاره رئيس الوزراء عبد الرزاق عام 1973 ممثلا للشباب الماليزي في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن ثم أسس إبراهيم حركة الشباب المسلم ليبرز خلالها مدافعا عن الفقراء ويلفت نظر مهاتير محمد فيضمه لحزب آمنو عام 1982 ومن ثم ينتقل إبراهيم بين عدة وزارات الى أن يصبح نائبا لرئيس الوزراء وزير المالية.

خلال الأزمة المالية التي عصفت بدول النمور الآسيوية عام 1997 بدأ التباين بين إبراهيم الطالب المرشح للقيادة والأستاذ مهاتير الراغب بالتقاعد من طريقة معالجة الأزمة المالية والتعامل مع قضايا الفساد.

تطور الخلاف بينهما الى أن وصل الى الاتهام بالفساد والشذوذ والحكم بحرمان إبراهيم  من ممارسة السياسة لقرابة ربع قرن الى أن تقلد  بعدها منصب رئيسا للوزراء.

عانى إبراهيم من عشرين سنة عجاف سجن خلالها عدة مرات كان لزوجته الدكتورة عزيزة إسماعيل دورا بارزا في الدفاع عنه أمام المحاكم وأيضا في أعين المجتمع لم تكتف بذلك بل مارست السياسة لتكون واجهة لزوجها حتى تمنع خبو اسمه وتأثيره لدى الماليزيين.

بعد استفحال الفساد في ماليزيا وشعور مهاتير محمد الذي تجاوز التسعين عاما بالخطر الذي يتهدد بلده قرر العودة لممارسة السياسة لكن انجاز الأمر كان يحتاج الى حليف قوي فاضطر الى وصل ما انقطع مع أنور إبراهيم فتحالف معه عام 2018 في الانتخابات البرلمانية ليحققا فوزا مستحقا كان أحد شروط الاتفاق أن يكون مهاتير رئيسا لعام واحد وأن تكون زوجة إبراهيم نائبة ومن ثم يستقيل ليستلم إبراهيم الرئاسة الا أن المحسوبين على الدولة العميقة في حزب آمنو انقلبوا على مهاتير لتسقط الحكومة بعدها.

خلال الانتخابات الأخيرة فاز تحالف الأمل بقيادة إبراهيم على التحالف الوطني بقيادة محي الدين ياسين وخرج مهاتير نهائيا من المشهد السياسي.

هذا الفوز جعل الملك الماليزي يعين أنور إبراهيم رئيسا بعد صراع مرير على السلطة دفع ثمنها اعتقالا واتهامات بذمته المالية وحتى أخلاقية.

دروس مسـتفادة :

1 ـ العزيمة والاصرار أهم أسباب النجاح وبلوغ الأهداف، فلولا عزيمته لكان مجرد تاريخ وحدث عابر.

2 ـ السياسة فن يحتاج لمهارات خاصة فأعداء الأمس قد يتحولون الى حلفاء والعكس صحيح فالتحولات كثيرة لكنها تحتاج الى كاريزما مقنعة للجمهور.

3 ـ العائلة أحد أهم أسباب النجاح فقد لعبت الدكتورة عزيزة إسماعيل دورا رئيسا في بقاءه في ذاكرة الماليزيين عبر تأسيس حزب العدالة الوطني وزعامتها له ودفاعها المستميت  عنه لتبرأته من التهم.

إن تجربة أنور إبراهيم جديرة بالمتابعة فهي كما لاحظنا مليئة بالعبر والدروس والتي يجدر الاستفادة منها في أوطاننا حتى نستطيع بناءها وتطويرها، فلا يوجد في العالم شخصيات أو أحزاب قادرة على البقاء في الحكم لذا علينا تمكين الديمقراطية في أوطاننا حتى نضمن بقاءها على سكة النمو والتطور الحضاري،

4 ـ ممارسة السياسة تتطلب الانتباه الشديد من المنافسين الذين قد يستخدمون كافة الوسائل والضرب تحت الحزام لإخراج الخصم من ساحة العمل.

5 ـ عودة أنور إبراهيم للحكم تؤكد على أهمية رسوخ الديموقراطية في ماليزيا، فرغم كل الملاحظات على الحكم الا أنك تستطيع في النهاية الوصول للحكم بالوسائل الديموقراطية وهذا ما نفتقده في بلادنا.

6 ـ لا يوجد حزب يستطيع الاستئثار بالسلطة الى ما لا نهاية، فرغم الستة عقود خرج حزب آمنو من السلطة بالرغم من اعتماده على الغالبية المالوية، احتكار السلطة لفترات طويلة يؤدي للفساد وترهل الأحزاب لذا إن أي حزب لا يجدد نفسه فإن الشعب سيختار البديل المناسب.

7 ـ على السياسي اختيار الوقت المناسب للاعتزال مثل لاعب كرة القدم المشهور، فكل زمان ساسة ورجال وإن لم تعتزل بطريقة لائقة بعد تقديم كل ما لديك من أفكار ورؤى فإن الشعب سيخرجك ويقول لك كفى بطريقة مخجلة لك ولتاريخك.

8 ـ إبعاد الجيوش عن ممارسة السياسة هام لبقاء العملية الديموقراطية فعالة.

إن تجربة أنور إبراهيم جديرة بالمتابعة فهي كما لاحظنا مليئة بالعبر والدروس والتي يجدر الاستفادة منها في أوطاننا حتى نستطيع بناءها وتطويرها، فلا يوجد في العالم شخصيات أو أحزاب قادرة على البقاء في الحكم لذا علينا تمكين الديمقراطية في أوطاننا حتى نضمن بقاءها على سكة النمو والتطور الحضاري، فهل تستفيد بلادنا العربية من هذه التجربة الهامة من بلد كنا نسبقه بأشواط وهذا ما قاله مهاتير محمد عند زيارته دمشق في الستينات من القرن الماضي عندما تمنى أن تشبه ماليزيا سورية فحقق أمنيته بل فاقتها بأشواط، ماليزيا أصبحت في ركب الدول المتقدمة وسورية دمرها سفاح القرن الحادي والعشرين وجعلها قاعا صفصفا تنتظر من يخلصها من محنتها التي طالت كثيرا.

بعد بلوغ أنور إبراهيم هدفه هناك ترقب وأسئلة مطروحة من الماليزيين، هل تساهم عودة إبراهيم في خفض التضخم الذي تعانيه ماليزيا؟، هل يستطيع إبراهيم تطوير الحالة الوطنية بين الماليزيين بكافة انتماءاتهم المالوية والهندية وأيضا الصينية الذين دعموا إبراهيم بقوة في الانتخابات الأخيرة؟، هل ينجح في مكافحة الفساد الذي استشرى كثيرا في الآونة الأخيرة مما يعطي ماليزيا دفعة جديدة للإرتقاء والتطور؟

الإجابة على هذه الأسئلة سوف تكون منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة واختيار الفريق فليس أمام أنور إبراهيم الوقت الطويل لذلك فهناك أحزاب ومنظمات تراقبه وتنتظر ارتكابه الأخطاء كما أن للزمن فعله فقد بلغ إبراهيم الخامسة والسبعين وليس أمامه الوقت الطويل لتنفيذ ماطرحه في شبابه.

هل يصبح أنور إبراهيم رائدا للتصحيح في ماليزيا كما كان مهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة أم يكون مجرد رئيس مر في تاريخها، فالسياسة ليست مجرد أقوال وشعارات بل خطط وأفعال وأرقام فما أكثر من تكلم وما أقل من نفذ.