من أهم الكتب التي تحدثت عن كرة القدم،
"كرة القدم بين الشمس والظل" للروائي الأورغوياني الراحل إدواردو
غاليانو الذي حلم في بداية كتابه بأن يكون لاعبا لكرة القدم، لكن كان ذلك أثناء
نومه فقط، أما في النهار فكانت قدمه أسوأ قدم متخشبة في الملاعب.
يقول الكاتب إدواردو غاليانو:
"حين كتبت "كرة القدم في الشمس والظل" أردت أن يفقد محبو القراءة
خوفهم من كرة القدم وأن يفقد محبو كرة القدم خوفهم من الكتب. لم يخطر ببالي البتة
شيء غير هذا، لكن عضوا سابقا في الكونغرس المكسيكي فيكتور كوينتانا قال لي: إن
الكتاب أنقذ حياته. وقصة ذلك أنه في منتصف العام 1997م تم اختطافه من قبل قتلة
مأجورين استؤجروا لمعاقبته على كشفه بعض الأعمال القذرة فكان أن طرحوه أرضا
وأوثقوا رباطه، وراحوا يركلونه حتى شارف على الموت، وقبل أن يجهزوا عليه برصاصة،
بدأوا النقاش حول كرة القدم. ورغم أن فيكتور كان أقرب إلى الموت منه إلى الحياة،
أدلى بدلوه في النقاش. روى لهم قصصا من كتابي ومع كل حكاية من تلك الصفحات كان ثمة
دقائق تضاف إلى حياته. تركه القتلة، مضروبا ومحطما لكنه حي".
"أردت أن يفقد محبو القراءة خوفهم
من كرة القدم وأن يفقد محبو كرة القدم خوفهم من الكتب"، هنا لب الحكاية.
الكاتب البلجيكي جان فيليب توسان قال إن الكتابة في كرة القدم يتيمة، لن يحبها
أحد، فالمثقفون لا يحبون الكرة، ومحبو الكرة سوف يجدون هذه الكتابة ثقافية أكثر من
اللازم..
استعلاء
وعندمـا اسـتحضر جورج أورويـل كـرة
القـدم فـي نص نشره سنة 1945 بعنوان "الروح الرياضية"، وصفها ب
"ينبوع عــداوة لا ينضــب"، خلال إحدى مباريات فريق الخدمـات الأمنية
لسـتالين، دينامـو موسـكو. "لا علاقة بين الرياضة الجادة واللعب النظيف. إنها
مرتبطة بالكراهية، والحسد، والتبجح، وتجاهل جميع القوانين، والمتعة السادية المكتسبة
من مشاهدة العنف: إنها حرب بغير طلقات."
وعلى هذا النهج سار كتاب ومفكرون
كثيرون، فقد كانت الاسـتعلائية تجاه الحشود واضحة، امبرتو إيكو مثلا، يشبه لاعبي
كرة القدم ببعض الكائنات الوحشية، هم في نظره "أبطال بلا روح تحيط بهــم
جماهيــر مبتهجــة تتفرج عليهم وهذا نوع الاســتبداد المعنــوي، الــذي يعكس إعجاب
أغلبية تنسى أجسادها لتهتم بأجساد أقلية. هي شعوذة وأفيون للشعوب". إيكو قال
إنه لا يكره كرة القدم، وربما يستمتع بمباراة جيدة في التليفزيون تجعله يدرك ويقدر
هذه اللعبة النبيلة. ولكنه يكره مشجعي كرة القدم. إيكو يكره الأماكن المزدحمة مثل
الحانات والأندية ومدرجات التشجيع، كراهية مشجعي كرة القدم الذين لا يستطيعون فهم
ألا تكون مشجعًا مثلهم، ولا تشاركهم ذات الاهتمام.
اقرأ أيضا: "في الطريق إلى أوسكودار".. أغنية تعددت مشاربها
لا يعرف كثيرون ولع الشاعر التونسي آدم
فتحي بكرة القدم، وقدرته على الرصد والتحليل لمجرياتها وفق نظرة شاملة تضعها في
إطارها السياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني أحيانا، مارس هذه اللعبة وبرع فيها،
دون بعض حكايات مع الكرة التي أحب ما أحب فيها، وما خيب ظنه: "كنـت فـي
العشـرينات مـن العمـر علـى عتبـة الجامعـة، وقــد بــدأت أشــارك فــي
المظاهــرات الطالبية والأمســيات الشــعرية دون أن أكــف عــن ممارســة لعبتــي
المفضلة كرة القدم. وفي إحدى المباريات كنت منفردا بالحارس للتسجيل، فجـأة امتـدت
سـاق أحد لاعبـي الفريق المنافس، وحصدتنــي حصــدا مــن علــى ســاحة الملعــب.
وقعــت أرضا واحتكــت مرفقــي اليمنــى بالأرض، ولـم أسـتطع منـع أنفـي مـن
الارتطـام العنيـف. نهضت مترنحا، اقتربـت مـن غريمـي صارخا مهـدًدا فـإذا هـو
يحـدق فـي بدهشـة ويقـول لـي: "لمـاذا أنـت غاضـب؟ أنـا لـم أرتكـب خطـأ
مـادام الحَكـم لم يشر إليه أو لم يتفطن إليه أصلا. بكيـت طويلا وبحرقـة لحظتها،
لا بسـبب الألم بل بسبب تلك الكلمات المعدودات. لقد تربيت على اجتناب الخطأ لأنه
خطأ، وليس خوفا من أن يتفطن له الرقيب. وبات يقينا لدي ألا أمارس هذه اللعبة التي
يكفي أن يغفل الحكم ليصبح الخطأ أمرا طبيعيا."
بول أوستر لم ترق له كرة القدم، إذ رأى
في مبارياتها حروبا معاصرة: "البلدان تخوض حروبها اليوم في ملاعب كرة القدم،
بجنود يرتدون الشورتات". غابت كرة القدم عن أجواء رواياته مفسحة المجال للعبة
البيسبول التي تجدها في أغلب رواياته، خلافا لروايات إرنست همينغواي، التي تعج بكل
أنواع الرياضات من ملاكمة ومصارعة الثيران، وصيد الأسماك.
انتهى عصر القلم
كان توفيق الحكيم من الأوائل التي
تنبهوا لخطورة كرة القدم وأهميتها، وتنبأ بأمجادها القادمة، وانقلاب القيم
وتغيرها، ولما دفع ناد مصري مليوني جنيها من أجل لاعب فقال مقولته الشهيرة
"انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم"
الكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس رأى
"كرة القدم منتشرة لأن الغباء منتشر، إن كرة القدم قبيحة. إنها من أفدح جرائم
إنجلترا". وعلى خطاه سار الكاتب البرازيلي باولو كويلو، الذي انتقد تنظيم
البطولة على الأراضي البرازيلية: "كنت في الوفد الرسمي مع دونجا وروماريو ولولا
دا سيلفا عندما اختيرت البرازيل، لكنني الآن مصاب بخيبة أمل كبيرة من كل شيء حدث
من وقتها حتى الآن، مبالغ مالية كبيرة جدا صُرفت على الملاعب في بلد يحتاج لكل شيء
من المستشفيات إلى المدارس إلى وسائل النقل".
في المقابل قد تتحول مشاعر الكراهية
إلى محبة. هل الأحكام والمواقف من كرة القدم قاطعة ونهائية أم تقبل التعديل؟
"الشاعر الإيطالي أمبرتو سابا،
الذي كان يستنكر دائما كيف يجري 22 لاعبا حول كرة مطاطية من الجلد لمدة 90 دقيقة،
عندما طلبت منه ابنته أن يذهب معها إلى الملعب لتشجيع فريقها المفضل، رأى هناك
حماس الجماهير وانفعالهم مع المباراة انضم إلى الشاعر والمخرج الإيطالي بيير باولو
بازوليني، الذي يعتقد أن كرة القدم كما يمارسها الأوروبيون، هي لعبة جماعية تشبه
الرواية، بينما الكرة في أميركا اللاتينية مفرطة في فرديتها، لذا رآها أقرب إلى
الشعر. فتغيرت نظرته تماما تجاه اللعبة، وكتب خمس قصائد في كرة القدم".
كرة القدم استهوت عشرات الكتاب ومنهم
من حاز على نوبل وكانوا يتعاطون هذه اللعبة، فصاحب "الحب في زمن
الكوليرا" و"مائة عام من العزلة" كان ككامو لاعباً أيضاً في فريق
أتلتيكو جونيور الكولمبي، قبل أن تحكم عليه إصابة في بطنه وتحوله من لاعب إلى مشجع
للفريق. نجيب محفوظ كان يلعب في مركز الجناح الأيسر، وكان هداف الفريق، ويمتاز
بسرعة نادرة، وأنه لولا الأدب لأصبح أحد نجوم الكرة البارزين، كما صرح في أحد
اللقاءات الصحفية.
الفقر والمرض منعا ألبير كامو من
الاستمرار في ممارسة كرة القدم في خطة حارس للمرمى، إلا أنه لم يفقد قط نظرته لها
عندما ذهب لفرنسا وذاع صيته في عالم الثقافة. وكان يرى أن كرة القدم ثقافة حقيقية
للعالم، لا تقل بأهميتها وضرورتها عن الرواية والشعر والسينما، فهي اللعبة التي
تحمل ثقافة الشعوب ودرجة تحضرها. وقال بشكل حاسم: "أدين لكرة القدم بكل ما
أعرفه عن الأخلاق كرة القدم التي لا يكرهها إلا الأغبياء وحدهم".
سـنة 1930 كان ألبيـر كامـو حـارس
مرمـى فريـق كـرة القـدم بجامعـة الجزائر. وقـد أمكـن لـه بعد ذلك بسنوات أن
ينتقـل مـن ملاعب الكرة إلى سـاحات الثقافـة، وأن يحصـل علـى جائزة نوبـل للآداب.
تعلمـت أن الكـرة لا تأتي من الجهة المتوقعة، وكأنه يستحضر الأديب والكاتب
النمساوي بيتر هاندكه عندما أراد كتابة رواية عن الخوف من خلال طرح كثير من
الأسئلة الوجودية، اختار لحظة فارقة في مباريات كرة القدم وهي ركلة الجزاء، فاختار
لروايته عنوانا لافتا "خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء". قال ألبير
كامو إن كرة القدم سـاعدتني كثيـرا في الحيـاة داخـل المـدن الكبـرى حيـث النـاس
عـادة غيـر مسـتقيمين". تعلمت أن أخسـر دون أن أحـس بأنـي قمامة وأن أكسـب
دون أن أشعر بزهو يرتقي بي إلى مصاف الآلهة".
كان محمود درويش محبا لكرة القدم، كتب
عن مارادونا، حيث اعتبر أن قدم مارادونا، مع كعب ميثولوجي آخر هو كعب أخيل.. هما
أشهر قدمين في تاريخ الأسطورة، يقول درويش "مارادونا، يا بطلي إلى أين نذهب
هذا المساء؟
مارادونا، ساعد أبويك، ساعدنا على تحمل
هذه الحياة، وساعد هذا العصر على الخروج من السأم
والدخول في الحنين إلى البطولة الفردية. مارادونا، متى تحمل اسمك عن شفاهنا لنعود
إلى قراءة هيغل ونيتشه؟"
محمود المسعدي: أدب خالد أم نصوص كتبت لأجيال وانقضت؟