في الوقت الذي احتدم فيه النقاش داخل الولايات المتحدة ومراكز بحوثها حول تداعيات الانتخابات الإسرائيلية والانزياح العميق نحو اليمين على العلاقة التي تجمع إدارة بايدن بحكومة بنيامين نتيناهو؛ انشغل قطاع آخر من الباحثين الصهاينة على الضفة الأخرى من المحيط بالتداعيات الممكنة للانتخابات الأمريكية والتحولات العميقة داخل الساحة السياسية الأمريكية على الكيان ومستقبله.
المخاوف على ضفتي المحيط متبادلة عبر عنها مايكل يونغ مدير تحرير (مركز مالكوم كير ـ كارنيغي للشرق الأوسط) ودينس روس وديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن في مقالات منشورة في أمريكا؛ قابلها تقديرات ومقالات نشرها باحثون إسرائيليون ناقشوا تداعيات الانتخابات الأمريكية والتحولات في الساحة السياسية الأمريكية على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية كان آخرها المقالة المشتركة لكل من إلداد شافيت؛ والباحث روتم أوريغوالبا من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة (تل أبيب) والمنشورة على موقع المعهد باللغة الإنجليزية.
في مقال مايكل يونغ ناقش المدون والباحث نتائج انتخابات الكنيست تحت عنوان "ما النتائج التي سيفضي إليها انزلاق المشهد السياسي الإسرائيلي نحو اليمين المتشدّد؟" والمنشور على موقع مركز كارنيغي؛ انتهي فيها إلى القول: "لم يعد سيناريو الأبرتهايد مجرّد تهديد يلوح في الأفق، بل أضحى واقعًا ملموسًا تتبنّاه الحكومة الإسرائيلية صراحةً أو ضمنًا؛ متسائلا ان كان المجتمع الدولي سيتغافل عن هذا التطور ام انه سيندفع نحو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كرد فعل على هذه العنصرية"؛ وهي نتيحة واستجابة صادمة ناقشها دينس روس المبعوث الأمريكي الخاص في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى جانب الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني (ديفيد ماكوفسكي) بطريقة مختلفة في مقال نشر على موقع معهد واشنطن بعنوان "حكومة ضيقة مع بن غفير وسموتريش تهدد العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، انتهى فيها إلى دعوة نتنياهو لتشكيل حكومة موسعة بالاستعانة ببيني غانتس زعيم ما يسمى بـ (المعسكر الوطني)، في محاولة للحد من تأثير اليمين الإسرائيلي، ومنعا لعزل الكيان وتنامي العداء له في أمريكا وأوروبا.
مناقشة نتائج الانتخابات الأمريكية وتداعياتها على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية لم يختلف من حيث الجوهر عن النقاشات في مراكز البحوث الأمريكية؛ فرجل الاستخبارات الإسرائيلي السابق إلداد شافيت؛ والباحث روتم أوريغوالبا مدير منظمة التحالف الإسرائيلي مع الحزب الديمقراطي في مقالهم التحليلي المنشور على موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي؛ بعنوان (العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: التحديات والاستجابة)؛ خلصا إلى نتيجة مفادها "أن الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعًا ، على الرغم من وجود انتقادات متزايدة للكيان خصوصا في صفوف الشباب من الحزب الديمقراطي".
غير أنهما تداركا النتيجة المبهجة بالتحذير من إن التطورات في الولايات المتحدة تشير إلى اتجاهات طويلة المدى يمكن أن تسبب تآكلًا جوهريًا في دعم إسرائيل؛ فالاتجاهات الجديدة بحسب الباحثان "تنبع من التغيرات الديموغرافية في الولايات المتحدة واستقطابها السياسي، وتضاعف النزعات الشعبوية المتزايدة والميول المناهضة لإسرائيل في الحركة التقدمية التي تتحدى المؤسسة الديمقراطية من اليسار".. لينتهي الباحثان بتوصية تدعو إلى ضرورة أن يفكر الكيان في العواقب المتوقعة لهذه الاتجاهات على الالتزام المستقبلي للرؤساء الأمريكيين والمشرعين بأمنها، وأن تعدل سياساتها مع الواقع الناشئ في مجالات عدة تكنولوجية وصحية وبيئية معتبرين إعلان القدس الموقع مع الرئيس جو بايدن خلال زيارته للأراضي المحتلة يوليو/ تموز الماضي بداية لهذا التحرك .
الجدلية التي طرحتها انتخابات الكنيست الإسرائيلي والانتخابات التكميلية الأمريكية على مستقبل العلاقة بينهما لا يمكن عزلها عن شكل وطبيعة الاستجابة الفلسطينية والعربية لهذا التحول..
النقاشات حول مستقبل العلاقة بين أمريكا والكيان الإسرائيلي عميقة جدا؛ وتزداد أهميتها باستعراض نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي والانتخابات الأمريكية النصفية للكونغرس؛ والتي تؤكد عمق الانقسام وقوة الاستقطاب السياسي وصعوبة الحسم فالنتائج متقاربة وعيرحاسمة في الحالتين.
الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية كرست وأكدت عمق التحولات والمتغيرات الديموغرافية والسياسية والفكرية التي تطور في لبها استقطاب سياسي وعلى ضفافها خطاب شعبوي عمق الانقسام وهدد الفاعلية السياسية والأمنية للعلاقة التي تجمع الكيان الإسرائيلي بالولايات المتحدة الأمريكية وهي فرصة تعرض نفسها للفاعلين في الساحة الفلسطينية والعربية وتحتاج لاستجابة مختلفة وقراءة موازية.
فالنقاش ورغم خطورته إلا أنه لم يخلو من مقترحات ومشاريع قابلة للتنفيذ طرحها الباحثون والخبراء المنخرطون في هذا الحوار وهي حلول تؤكد إدراك الأطراف الفاعلة في المؤسسات الأمريكية والإسرائيلية على أهمية العلاقة التي تجمع الكيان بالولايات المتحدة في إدارة المصالح والحفاظ عليها لأطول وقت ممكن فإما أن تكون موجة عابرة أو أن تكون محطة جديدة ونقطة تحول تضعف ارتباط الكيان الإسرائيلي بأمريكا والعالم الغربي.
ختاما.. الجدلية التي طرحتها انتخابات الكنيست الإسرائيلي والانتخابات التكميلية الأمريكية على مستقبل العلاقة بينهما لا يمكن عزلها عن شكل وطبيعة الاستجابة الفلسطينية والعربية لهذا التحول؛ إذ إنها الغائب الحاضر في جدلية الانتخابات وثنائية العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية ما يجعلها تتطلب قراءة منفصلة ومستقلة واستجابة استثنائية في الآن ذاته تعمق الأزمة وتفتح الباب لأفق جديد في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
hazem ayyad
@hma36
"النصفية الأمريكية" تحدّد مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض
مفارقة الكنيست والمصالحة الفلسطينية
مشاركة أم مقاطعة؟.. الفلسطينيون وانتخابات الكنيست