نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمرسلها عبدي لطيف ظاهر، بعد أن أمضى بعض الوقت في مركز آلية العبور في حالات الطوارئ في غاشورا، برواندا، لإجراء مقابلات مع اللاجئين، قال فيه إن مئات الأفارقة وجدوا هنا ما لم يتمكنوا أن يحصلوا عليه في أي مكان آخر؛ الملاذ بعد تحمل العبودية والتعذيب في ليبيا. في هذا المجمع مترامي الأطراف من المنازل المبنية من الطوب والمباني السكنية الجديدة البراقة في هذه المدينة المحصورة بين بحيرتين صغيرتين.
المنشأة المسيجة في غاشورا، على بعد حوالي 40 ميلا جنوب العاصمة الرواندية، كيغالي، تقدم غرفا نظيفة وواضحة مع أسرّة مزدوجة، وهي محطة طريق للاجئين الذين ينتظرون اللجوء أو إعادة التوطين في مكان آخر. وهو رمز لجهود الحكومة لتقديم رواندا كدولة لديها حل لأزمة الهجرة العالمية.
في الوقت الذي تتبنى فيه الدول الغربية مواقف متشددة بشكل متزايد ضد المهاجرين، فتحت دولة رواندا الصغيرة حدودها أمام اللاجئين، وأبرمت صفقات مع دول أوروبية مثل بريطانيا والدنمارك لإيواء طالبي اللجوء المرحلين.
قال رئيس رواندا، بول كاغامي، إن حكومته مدفوعة بالإيثار والمسؤولية الأخلاقية لتوفير حل "لمشكلة معقدة للغاية في جميع أنحاء العالم".
لكن المنتقدين يقولون إن الدولة تسعى للاستفادة ماليا وجيوسياسيا من الترتيبات، وتعرض نفسها كملاذ لصرف الانتباه عن سجلها الإشكالي في مجال حقوق الإنسان.
قال توني هاستروب، أستاذ السياسة الدولية في جامعة ستيرلنغ في بريطانيا، إن صفقات الهجرة مع الغرب هي جزء من "حملة رواندا لتلميع صورتها في الخارج".
تُعدّ رواندا، وهي دولة غير ساحلية ذات تضاريس خصبة ومتموجة، واحدة من أصغر البلدان وأكثرها كثافة سكانية في أفريقيا. كان كاغامي الزعيم الفعلي لهذه الأمة، التي يبلغ تعداد سكانها 13 مليون نسمة منذ نهاية الإبادة الجماعية عام 1994، والتي قتل فيها ما يصل إلى مليون شخص في 100 يوم. منذ ذلك الحين، حول الأمة إلى دولة طموحة تتصرف أكبر من حجمها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
كما وضع كاغامي رواندا كمضيف رئيسي للاجئين الأفارقة. تستضيف البلاد عشرات الآلاف من اللاجئين من دول مثل بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا والصومال والسودان. واستقبلت المئات من اللاجئين الأفارقة الآخرين الذين طردوا من إسرائيل، ورحبت بطالبات المدارس الأفغانيات الهاربات من طالبان. الآن، تريد رواندا أن تكون شريكا وثيقا للدول الغربية اليائسة في كبح الهجرة غير الشرعية.
يأتي ذلك على الرغم من حقيقة أن رواندا سجنت لاجئين وهددت بطردهم. رفضت الدولة اللجوء لطالبي اللجوء المثليين. يقول النشطاء إن شراكات اللجوء تهدف ببساطة إلى تعزيز سمعة كاغامي، الذي تعرض حكمه الذي استمر لثلاثة عقود لتدقيق متزايد لقمعه للمعارضة السياسية وحرية التعبير.
في نيسان/ أبريل، أعلنت حكومة بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، عن صفقة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، على أمل تقليل عدد الأشخاص الذين يعبرون القنال الإنجليزي. في المقابل، ستحصل رواندا على 120 مليون جنيه في برامج التنمية الاقتصادية. كما وقعت الدنمارك العام الماضي اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع رواندا لتعزيز التعاون في مجال الهجرة، وفي آب/ أغسطس وقعت اتفاقية تهدف إلى إنشاء مركز لجوء في كيغالي.
سلط كلا الاتفاقين الضوء على التعامل مع طلبات المهاجرين في الخارج، وأثارا تساؤلات حول المسؤولية التي تتحملها الدول الغنية تجاه اللاجئين الفارين من الاضطهاد أو الجوع. في الولايات المتحدة، قام حكام الولايات الجمهوريون المستاؤون من تعامل إدارة بايدن مع الهجرة غير الشرعية بنقل آلاف المهاجرين بالحافلات أو الطائرات إلى مناطق ذات ميول ليبرالية. أعلن عمدة مدينة نيويورك يوم الجمعة حالة الطوارئ وسط تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية.
أثارت خطة بريطانيا تحديات قانونية، حيث أشار النقاد إلى أدلة قضائية تظهر أنه حتى الدبلوماسيين البريطانيين في كيغالي أوصوا بعدم استخدام رواندا؛ بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وجهودها في "تجنيد لاجئين للقيام بعمليات مسلحة في البلدان المجاورة"، ويزعمون أنها نفذت عمليات قتل خارج نطاق القضاء واختفاء قسري وتعذيب.
وقالت كلير موزلي، مؤسسة Care4Calais، إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية التي ذهبت للقضاء لوقف عمليات الترحيل، في مقابلة: "حكومتنا تكذب ببساطة عندما يقولون إن رواندا آمنة للاجئين". وقالت إن الأدلة تظهر أنه "ما من شك على الإطلاق في أن هذه السياسة كانت وحشية وخاطئة جدا من الناحية الأخلاقية".
وأوقف حكم أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أول رحلة بريطانية لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا في حزيران/ يونيو. (على الرغم من أن بريطانيا لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تقبل الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان). في أيلول/ سبتمبر، تم الطعن في الخطة في المحكمة العليا في لندن من قبل طالبي اللجوء، وجماعات حقوق المهاجرين، والنقابة العمالية التي تمثل موظفي الحدود المطلوب منهم تنفيذ هذه السياسة.
انتقد الأكاديميون والجماعات الحقوقية الخطة لإعطاء الأولوية للحوافز المالية قصيرة الأجل بدلا من استكشاف حلول طويلة الأجل ومستدامة لأزمة الهجرة. استنكرت جماعات الدفاع مذكرة التفاهم بين بريطانيا ورواندا، قائلة إنها لم يوافق عليها البرلمان.
ويقول منتقدون، بمن فيهم وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن سياسة الترحيل البريطانية تنتهك القانون الدولي ولن تردع أولئك الذين يخاطرون برحلة خطيرة عبر القناة الإنجليزية. عبر أكثر من 30 ألف شخص القناة حتى الآن هذا العام، مقارنة بأكثر من 28 ألفا في عام 2021 بالكامل، وما يزيد قليلا على 8400 في عام 2020، وفقا لوزارة الداخلية البريطانية.
على الرغم من جوقة المنتقدين، تعهدت الحكومة البريطانية التي يقودها المحافظون بالمضي قدما، حيث تعهدت رئيسة الوزراء الجديدة، ليز تروس، بتوسيع الخطة. وقالت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، الأسبوع الماضي، إنه سيكون "حلمها" أن تسافر رحلة مع طالبي اللجوء إلى رواندا قبل عيد الميلاد، وهي خطوة غير مرجحة؛ بسبب الطعون المتوقعة على حكم المحكمة العليا.
في مركز العبور في غاشورا، يحصل اللاجئون على ثلاث وجبات في اليوم، ويتعاونون على صنع الطعام التقليدي مثل خبز إنجيرا المسطح أو دورو وات (دجاج أثيوبي متبل). كما يتلقون المشورة المهنية، يجتمعون قبل غروب الشمس للعب الكرة الطائرة وكرة القدم، ويتجمعون تحت شجرة لأداء الصلوات اليومية.
لكن خلال المقابلات الأخيرة مع زوار، ظل ضباط الأمن الروانديون معهم، لم يقل أي من اللاجئين إنه يريد البقاء هناك. كان يأمل الجميع تقريبا في الوصول إلى أوروبا.
قال أبو بكر إسحاق، 35 عاما، الذي فر من الاضطرابات في إقليم دارفور بالسودان: "لدي هدف، وهو الذهاب إلى دولة أوروبية.. لا يمكنني التخلي عن ذلك".
قالت بارفاتي ناير، أستاذة الدراسات الإسبانية والثقافية والهجرة بجامعة كوين ماري بلندن، إن نقل طالبي اللجوء يعكس الممارسة الاستعمارية المتمثلة في نقل الأشخاص ضد إرادتهم من أجل تعزيز الأهداف الاقتصادية والسياسية للدول الأكثر ثراء.
قالت البروفيسورة ناير: "لا أعتقد أننا يجب أن نأخذ البشر ونضعهم في قلب صفقة اقتصادية دون موافقة هؤلاء البشر. القضية غير المعلنة هنا هي قضية عرقية وإمبريالية، ومن يملك المزيد من القوة".
ويقول الخبراء إنه يجب أيضا مراعاة الخسائر النفسية التي يتعرض لها اللاجئون. فقالت موزلي إنه قبل إيقاف أول رحلة ترحيل بريطانية، حاول بعض طالبي اللجوء الانتحار. قالت إن أحد الرجال حاول جرح معصميه. وبمجرد وصولهم إلى الطائرة، صرخ الكثيرون وتوسلوا ألا يسافروا إلى رواندا.
يصر المسؤولون الروانديون على أن اتفاقهم مع بريطانيا مثالي، وأن البلاد -وأفريقيا عموما- يجب أن يُنظر إليها على أنها "مكان للحلول".
وقالت يولاندي ماكولو، المتحدثة باسم الحكومة، للصحفيين مؤخرا: "نحن لا نعتبر العيش في رواندا عقوبة".
لكن بعض اللاجئين يقولون إنهم عانوا من تجارب مؤلمة في رواندا.
قال لاجئ كونغولي إن السلطات الرواندية اتهمته بالمشاركة في الاحتجاجات على تخفيض الحصص الغذائية للاجئين في عام 2018. (حيث قُتل ما لا يقل عن 12 لاجئا)؛ لذا فر إلى كينيا، لكنه قال إنه تم اختطافه في عام 2019.
قال: "لقد هربت لأنجو بحياتي، لكنهم وجدوني".
وقال اللاجئ، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام، إنه تم عصب عينيه، وعُذب لمدة 10 أيام على أيدي رجال اتهموه بالتعاون مع المعارضة الرواندية. وقال إن الشرطة الكينية أنقذته على بعد 200 ميل شمال غرب نيروبي. وأكدت جماعات حقوقية قضيته.
قال: "أنا لست في رواندا، لكنني أعلم أنني لست آمنا أبدا".
قال تيسفاي غوش، إريتري، إنه عندما قامت إسرائيل بترحيله إلى رواندا في 2015، جرده المسؤولون الأمنيون في مطار كيغالي من وثائقه، وأجبروه على العمل مع مدنيين يُعتقد أنهم مهربون، على العبور إلى أوغندا.
ما إن وصل إلى كمبالا، العاصمة الأوغندية، سعى غوش، البالغ من العمر الآن 50 عاما، للوصول إلى أوروبا. وقال إنه تعرض للتهديدات والسطو والضرب أثناء سفره عبر جنوب السودان والسودان وليبيا. بعد عبوره البحر الأبيض المتوسط، نزل في إيطاليا ووصل إلى سويسرا.
قال غوش عبر الهاتف من جنيف: "لم تهتم الحكومة الرواندية بنا كأفارقة أو بحقوقنا كبشر".
ونفت ماكولو، المتحدثة باسم الحكومة الرواندية، مزاعمه.
بينما في مركز العبور في قاشورة، يتوق اللاجئون إلى الانتقال إلى بلد آخر. ومن بين هؤلاء نيالادا جاتلواك، وهي مواطنة من جنوب السودان تبلغ من العمر 26 عاما، تمت الموافقة عليها للاستقرار في فنلندا.
قبل مغادرتها بعد ظهر أحد أيام تموز/ يوليو، قالت: "جئت إلى هنا لأتمكن من الذهاب حيث أريد. أقصد أوروبا وليس رواندا."
"بلومبيرغ": مخزونات دول أوروبية من الأسلحة بدأت تنفد
هل يحل ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال أزمة الطاقة بأوروبا؟
NT: أوروبا تنظر إلى ميلوني بحذر وبعض الخوف