نشرت صحيفة 'لاتريبون" الفرنسية تقريرًا، تحدثت فيه عن نية روسيا استخدام جميع الأسلحة الموجودة تحت تصرفها، للدفاع عن أمنها وسلامة أراضيها.
وقالت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يرغب هذه المرة في الرد على تصريحات نظيره الروسي، لكن في شباط/ فبراير الماضي، لم تتجاهل فرنسا التهديدات الروسية الأولى في هذا المجال، حيث أشار وزير الخارجية في ذلك الوقت، جان إيف لودريان، بشدة إلى أن فرنسا تمتلك أيضًا أسلحة ذرية، وتم وضع ما لا يقل عن ثلاث غواصات قاذفة نووية في حالة تأهب، وقد تصاعدت التوترات بالفعل على الجبهة النووية في ذلك الوقت.
المكون النووي للصراع
وتحدثت الصحيفة عن الجانب النووي في الحرب الأوكرانية، والذي على الرغم من أنه لم يتم الحديث عنه من قبل المعلقين والقادة السياسيين؛ تجنبًا لإثارة مخاوف الرأي العام، إلا أنه يظل قضية مركزية في الصراع. وقد تركز الاهتمام، هذا الصيف، على محطة الطاقة النووية زابوريجيا، التي احتلتها القوات الروسية، وتخضع لقصف متكرر، ما يجعل شبح كارثة تشيرنوبيل الجديدة يحوم من جديد، في حين يفضل الكثيرون النظر بعيدًا، والمراهنة على أن الأمر مجرد خدعة روسية كبيرة.
وفي الواقع، ومنذ ضم الروس لشبه جزيرة القرم سنة 2014، ظهرت في أوكرانيا مطالب باستعادة وضع الدولة العسكرية لبلدهم، وهو خط أحمر بالنسبة لفلاديمير بوتين، كما أعرب الأوكرانيون علنًا، في مناسبات عديدة في السنوات الأخيرة، عن أسفهم لأنهم أعادوا إلى موسكو، في منتصف التسعينيات، آلاف الرؤوس الحربية النووية السوفيتية التي كانت موجودة في ذلك الوقت على أراضيهم.
نصب بودابست التذكاري
وأوضحت الصحيفة أنه من خلال مذكرة بودابست، الموقعة سنة 1994، تم إضفاء الطابع الرسمي على هذا الالتزام بين أوكرانيا وروسيا، ولكن أيضًا مع القوى النووية الأخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، اللتين انضمتا لاحقًا إلى الصين وفرنسا.
وتعهدت القوى النووية باحترام وحدة أراضي أوكرانيا، مقابل نقل هذه الأسلحة إلى موسكو، والتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكن لم يُلزم أي بند من الطرفين بتقديم المساعدة لأوكرانيا في حالة وقوع هجوم، ومن هنا جاء الأسف والاستياء الذي يشعر به الأوكرانيون اليوم، بما في ذلك تجاه القوى الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن قيام فلاديمير بوتين بوضع قواته النووية في حالة تأهب منذ بداية الصراع، أو أن بيلاروسيا تخلت عن وضعها كدولة غير نووية في دستورها بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 وفبراير/ شباط 2022، يُظهر أن الوضع الأمني الجماعي في أوروبا لم يعد مضمونًا، فبضم شبه جزيرة القرم سنة 2014، فتح فلاديمير بوتين المجال لعودة الوضع القديم عن طريق الاستهزاء بمذكرة بودابست.
وقد أصدر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، تحذيرًا أوليًّا حينها، عندما قال إن التداعيات عميقة على كل من الأمن وسلامة اتفاق عدم الانتشار النووي، كما صرح وزير الدفاع والشؤون الخارجية البولندي السابق، رادوسلاف سيكورسكي، مؤخرًا، بأن روسيا انتهكت مذكرة بودابست، وبالتالي يمكن للغرب عرض رؤوس حربية نووية على أوكرانيا حتى تتمكن من الدفاع عن استقلالها.
وضع أخطر من الحرب الباردة
وذكرت الصحيفة أن تصريحات بوتين العامة حول أوكرانيا تفتقر إلى الوضوح، لأن الدبلوماسية الفرنسية، والإليزيه على وجه الخصوص، ركزت بشكل أساسي على اتفاقيات مينسك في الأسابيع التي سبقت تاريخ 24 فبراير/ شباط المشؤوم، الذي فشلت فيه فرنسا في تجنب الحرب. ويمكن التساؤل عما إذا كانت فرنسا تمتلك حقًا الوسائل اللازمة للحفاظ على السلام، لكن الواضح أنه لم يكن لديها الحجج ولا التحليلات الصحيحة لثني بوتين عن غزو أوكرانيا.
وأكدت الصحيفة أن الوضع بالنسبة لأوروبا اليوم أكثر خطورة مما كان عليه خلال الحرب الباردة؛ حيث شهد العالم -في السنوات الأخيرة- إضعافًا للآليات الدولية لعدم الانتشار وفعالية الردع بين القوى النووية. ففي عهد دونالد ترامب، تركت الولايات المتحدة ثلاث معاهدات في هذا المجال، وأعاد كل من الروس والأمريكيين إطلاق التسلح النووي، لا سيما من خلال بناء رؤوس حربية منخفضة القوة، والتي يرغب بعض الخبراء أو الجنرالات في الولايات المتحدة وروسيا الآن في استخدامها في ساحات القتال، وهو ما يفتح الطريق لتصعيد محتمل، وهو الأمر الذي عارضه إيمانويل ماكرون بشدة، في فبراير/ شباط 2020، خلال خطاب ألقاه في مدرسة الحرب.
اقرأ أيضا: NYT: بوتين يشرف على الخطط الاستراتيجية بعد الهزائم بأوكرانيا
وبحسب الصحيفة، فقد حذر الإستراتيجي الأمريكي، جون ميرشايمر، زعيم المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، في وقت مبكر من سنة 1993، من احتمال نشوب صراع بين أوكرانيا وروسيا، معتبرًا أن الأسلحة النووية الأوكرانية هي الرادع الوحيد الموثوق به ضد العدوان الروسي، لكن بعد سنة، تم التوقيع على مذكرة بودابست، وبدأ نزع السلاح الأوكراني.
لا أحد يريد المساومة
وفي الختام، أوردت الصحيفة ما جاء في مقالة لجون ميرشايمر، الأستاذ في جامعة شيكاغو، نشرتها مجلة فورين أفيرز، حيث يعتقد أنه يتم التقليل من شأن مخاطر التصعيد الكارثي للحرب في أوكرانيا، إلى حد كبير، خاصة أن الحكومات الروسية والأوكرانية والأمريكية لها أهداف متناقضة، لكنها متزايدة الحدوث بين روسيا اليائسة، وأوكرانيا الراغبة في الانتقام، وجو بايدن المضغوط من قبل رأيه العام قبل أشهر قليلة من الانتخابات النصفية، وحادث محتمل في محطة توليد الكهرباء زابوريجيا، ويقدم ميرشايمر سيناريوهات مختلفة يمكن أن تؤدي إلى حرب كبرى في أوروبا، وربما حتى إبادة نووية، في غضون ذلك، لا أحد من الجانبين مستعد لتقديم تنازلات اليوم.
بلومبيرغ: بوتين قد ينفذ تهديده بهجمات نووية محدودة
واشنطن بوست: بوتين يائس وعلى الغرب مواصلة الضغط
بوليتيكو: أوروبا تخطط لعقوبات جديدة بعد تهديد بوتين بالنووي