بينما كان حزب المحافظين ينفجر الأسبوع الماضي؛ كان كير ستارمر يرحب بالتصفيق في مؤتمر حزب العمال الموحد ظاهريّا، ولكن تحت السطح ظهرت قصة مثيرة للانقسام والقلق من خلال سلسلة من الأفلام الوثائقية المروعة، التي تم بثها على قناة الجزيرة الإخبارية ويوتيوب.
ونشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريرا، ترجمته "عربي21"، للكاتب محمد سهيل، تحدث فيه عن ما يسميه منتجو السلسلة بـ"أكبر تسريب لوثائق سرية في التاريخ السياسي البريطاني"؛ مفصلة التنمر المروع لأعضاء حزب العمال، وبيروقراطية الحزب، وتزوير العمليات الديمقراطية داخله. وكان الأمر الأكثر إثارة؛ هو أن السلسلة كشفت عن تيار من العنصرية المعادية للسود والإسلام في الحزب تحت قيادة ستارمر؛ وفي بعض الأحيان على ما يبدو بتشجيع من كبار مسؤوليها.
وبحسب الكاتب؛ تبدأ القصة التي تُروى في "ملفات حزب العمال" مع كبار مسؤولي الحزب، الذين تم اختيارهم بأغلبية ساحقة من يمين الحزب، وهم مرعوبون جدّا من تولي اليسار القيادة تحت قيادة جيريمي كوربين، لدرجة أنهم استخدموا كل خدعة ممكنة لتقويضه هو وأنصاره، لكن ما تم الكشف عنه ليس تاريخيّا فقط، فقد تبين أن مسؤولي ستارمر، الذين يسيطرون الآن بشكل كامل؛ لديهم الحماسة والهوس نفسه لمهاجمة أعضاء حزبهم. وكانت النتيجة هي خروج ما يقرب من 100,000 من نشطاء الحزب العماليين الذين يعملون بجد، ومعهم كان برنامج السياسة التحويلية بحاجة ماسة لمعالجة عدم المساواة المتفشي داخل الحزب، وأيضا معالجة فشل الخدمات العامة وأزمة المناخ.
وأفاد الكاتب بأن الفضيحة تكشف عن بُعد عنصريٍّ سيئ؛ حيث تظهر رسائل واتساب لكبار المسؤولين الذين يكتبون أن ديان أبوت - وهي أول امرأة سوداء تنتخب في البرلمان - "تجعلني مريضا حرفيّا"، فيما ردت أبوت بأن "حزب العمال ليس مكانا آمنا للنساء السود"، وتتهم الحزب "بالتواطؤ مع هذا النوع من العنصرية".
اقرأ أيضا: تعتيم إعلامي ببريطانيا على ملفات "الجزيرة" عن حزب العمال
ووَفْقَا للكاتب؛ تستكشف السلسلة "التسلسل الهرمي للعنصرية" الموصوف في تقرير فورد الأخير إلى فصائل العمال - وهي وثيقة دامغة ولكن لم يتم الإبلاغ عنها بشكل كاف -؛ حيث تتحدث حليمة خان، وهي ضابطة تحقيقات سابقة في وحدة الحكم في حزب العمال، عن كيف أن تقارير الإسلاموفوبيا "غالبا ما تبقى في صندوق الشكاوى"، في الوقت نفسه الذي يُطلب منها البقاء حتى وقت متأخر للتعامل مع شكاوى معاداة السامية، وتروي كيف تمت "مطاردة" أعضاء حزب العمال المسلمين في نيوهام من قبل رجل محلي، قدَّم ملفا يوضح بالتفصيل المدرسة التي ذهب إليها أطفالهم وأين أوقفوا سيارتهم. وعلى الرغم من أن الملف استَخدم التنميط العنصري وكان من المحتمل أن يكون مبنيّا على خرق للبياناتح، إلا أن الحزب لم يبلغ السلطات بذلك، ولكنه بدلا من ذلك علَّق فروعه في نيوهام، مما حرم 5000 عضو، معظمهم من المسلمين، من أن يكون لهم صوت في الحزب.
ولفت الكاتب إلى أن الفضيحة تكشف كيف تمت معاملة أبسانا بيغوم، أول نائبة ترتدي الحجاب في المملكة المتحدة، التي تحدثت عن الحملة المستمرة من الإساءة والمضايقات التي واجهتها داخل الحزب، وربطت ذلك صراحة بهويتها كامرأة اشتراكية من الطبقة العاملة المسلمة؛ فحين كانت بيغوم قد عادت للتو من أجازة مرضية موقعة من طبيبها العام؛ وبدلا من تقديم الدعم؛ اختار حزب العمال إلغاء انتخابها كنائبة على قوائمه.
"ملفات حزب العمال" -كما يذكر الكاتب-، تكشف ملامح حالات العديد من الأعضاء المحليين الذين يتعرضون للتخويف من قبل الحزب الذي كرسوا حياتهم له، ولكن كان الأكثر تخييبا للآمال، هو أن قيادة الحزب أتيحت لها فرصة ذهبية لوضع حد لمثل هذه الانتهاكات، مع نشر تقرير فورد في تموز/ يوليو الماضي، الذي كان بتكليف من ستارمر نفسه؛ حيث كان التقرير الذي أعده مارتن فورد كيو سي انتقاديّا بشكل غير متوقع، وشجب "الفشل في إعطاء الأولوية لاستجابة قوية مناسبة" للعنصرية المناهضة للسود والإسلاموفوبيا، وخلص فوردي إلى أنه في حزب العمال اليوم ،"هناك مشاكل خطيرة في التمييز"، وألمح إلى أن الحزب لم يحاسب كبار المسؤولين الذين شاركوا - في فترة كوربين - في محادثات مجموعة واتساب، التي كشفت عن "مواقف فئوية مؤسفة وغير حساسة، وفي بعض الأحيان تمييزية "بما في ذلك" تعبيرات عن الاشمئزاز العميق حول ديان أبوت، التي استندت إلى استعارات عنصرية".
ويشير الكاتب إلى أنه منذ نشر تقرير فورد، يشعر الأعضاء بعدم الارتياح الشديد إزاء الرد؛ حيث كان الكثير من السود والملونين والأقليات يشعرون بالرفض والقلق من أن يقال لهم إن هذه الروايات تاريخية، بدلا من المشكلة المستمرة التي يعيشونها؛ فردّا على التقرير قال ستارمر: "لم أكن بحاجة إلى التقرير ليخبرني أننا بحاجة إلى اتخاذ إجراء؛ لقد كنت أتخذ إجراء"، ولذلك لا تزال التوصيات العديدة لتقرير فورد على الرف، حتى في الوقت الذي تكشف فيه أفلام الجزيرة الوثائقية عن أن المشاكل أعمق بكثير مما كان يُعتقد، ولهذا لا عجب أن نواب حزب العمال السود قد وصفوا رد ستارمر بأنه "ركلة في الأسنان".
وأوضح الكاتب أن تجاهل هذه القضايا يناسب قيادة حزب العمل؛ فمع معارضة الجمهور بأغلبية ساحقة لميزانية المصرفيين في كواسي كوارتنج وفشل ليز تروس في الاقتصاد؛ يتمتع حزب العمال بفارق 30 نقطة في استطلاعات الرأي، ولهذا يتم التساؤل: لماذا ننفق الوقت والموارد على هذه القضايا؟ مشددا على أن الجواب بسيط: العنصرية والديمقراطية مهمتان للغاية، بحيث لا يمكن جرفهما وتجاهلهما ببساطة.
وأكد الكاتب أن أعضاء الحزب يستحقون - بداية - إجابات حول ما تم الكشف عنه في الفيلم الوثائقي؛ حيث لم يبدِ الحزب أي ردة فعل حتى الآن، ويجب محاسبة المسؤولين عن المخالفات، ويجب أن يواجه أي شخص شارك في محادثات واتساب العنصرية عواقب. وبعد ذلك؛ يجب تنفيذ توصيات تقرير فورد بالكامل، ويجب إنهاء إساءة استخدام النظام التأديبي لحزب العمال لخوض معارك سياسية وإلغاء عمليات الإيقاف والطرد الملوثة فصائليّا؛ بدءا من إعادة السوط إلى جيريمي كوربين والإجراءات المتخذة لدعم أبسانا بيجوم.
واختتم الكاتب التقرير بالتشديد على أن الحزب بحاجة - بشكل أوسع - إلى وضع حد للتسلسل الهرمي للعنصرية الذي وصفه فورد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنفيذ وعد حزب العمال بإنشاء هياكل ديمقراطية؛ حيث إن أفضل حصن ضد العنصرية، هو التمثيل الديمقراطي للأشخاص الملونين ومجتمعات الأقليات الأخرى.
كاتبة: هل يتستر حزب العمال البريطاني على العنصرية داخله؟
"فورين بوليسي": لماذا تدهور الاقتصاد البريطاني؟
مؤرخ: نقل تراس سفارة بريطانيا إلى القدس سيكون كارثة