نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا عن حكم المحافظين الذي مضى عليه 12 عاما في بريطانيا. وفي المؤتمر الأخير للحزب يبدو أن الوقت قد نفد من يدهم.
فالفوضى التي شهدها المؤتمر الذي عقد ببرمنجهام، أدت إلى تهشم رئاسة ليز تراس التي لم يمض عليها سوى عدة أسابيع. وجاء فيه أن تراس قدمت نفسها على أنها الوريثة لبوريس جونسون، الذي كانت موالية له ولبيانه الانتخابي والذي فاز عليه في عام 2019 ومنح الحزب أغلبية لم يحصل عليها منذ سنين. وشاركته تفاؤله حول بريطانيا.
والفرق الوحيد هو الأمل بأنها ستدير الأمور بطريقة أفضل. وأنها ستمنح نوعا من الانضباط بدلا من الفضائح والانحرافات التي قدمها، أي رؤية جونسونية بدون جونسون. وأعجب أعضاء الحزب بما رأوا وانتخبوها زعيمة لهم. ولكنها فعلت عكس وعودها عندما وصلت إلى مقر الحكومة، ورفضت المعالم الرئيسية لحكومة جونسون التي جمعت ما بين النجاح الانتخابي والانضباط المالي وتدخل الدولة.
ولكنها تبنت الكثير من ميزات جونسون المدمرة في الحكم. وكانت النتيجة هي العودة الحاسمة إلى الحرب الداخلية المرة التي رافقت المحافظين منذ وصولهم إلى السلطة في العقد الماضي. وتراجعت حظوظ حزب المحافظين في استطلاعات الرأي. وبشكل بارز في مؤتمر المحافظين ببرمنجهام في الفترة ما بين 2- 5 تشرين الأول/أكتوبر. وقالت المجلة إن عمليات إعادة التجديد أسهمت في ديمومة حزب المحافظين وتغيير القادة والعقيدة وتغيير الحكومة قبل أن يحقق الناخب التغيير في صناديق الاقتراع.
ولكن العملية وجدت محدوديتها في أثناء فترة تراس القصيرة، الزعيمة الرابعة للحزب منذ وصوله إلى السلطة قبل 12 عاما، حيث انفجرت حكومتها سريعا. ففي 23 أيلول/سبتمبر أعلن وزير الخزانة كواسي كوارتينغ عن أكبر حزمة لتخفيض الضريبة وهي الأكبر منذ خمسين عاما، بما في ذلك إلغاء المعدل الأعلى للضريبة لـ 45 بالمئة لمن يحصلون على 150.000 جنيه (170.000 دولار). وبالتزاوج مع قرار كوراتينغ عزل سير توم سكولار، أكبر مسؤول مدني في الخزانة ورفض توقعات الهيئة من مكتب مسؤولية الميزانية.
اقرأ أيضا: موقع بريطاني: تراس هي رئيسة وزراء "الأوليغارشية"
وهي مؤسسة رقابية يرد السوق بشكل حاد على بيع الحكومة السندات. وسيزيد بنك إنكلترا معدلات الفائدة بطريقة حادة أكثر من المتوقع. ونتيجة لهذا، تخلت تراس عن أهم رصيدين انتخابيين، فقد شعر الناخبون أنهم قادرون على الاستفادة من سياسات جونسون لإعادة التوزيع وتدخل الدولة، لأنه كان منضبطا من خلال وزير الخزانة ريشي سوناك والضابط للمالية.
ونظرا لتبني تراس سياسة ضريبية واسعة وخفض الضريبة للأغنياء فقد ضيعت سمعة حزب المحافظين للكفاءة والإنصاف. وقالت راشيل وولف، مؤلفة مانفيستو حزب المحافظين عام 2019: "هذه حكومة رفضت كل شيء فاز عبره جونسون في الانتخابات الأخيرة. وقالت للحزب في بيرمنجهام إن حزب العمال ملأ الفراغ من خلال دعوته للملكية العامة والميزانيات المتوازنة. كل هذا أدى إلى انهيار شعبية حزب المحافظين في استطلاعات الرأي، وأظهرت استطلاعات الرأي في الأسبوع الماضي تقدما لحزب العمال بمعدل 23.7 بالمئة.
وكان معدل شعبية تراس 59 بالمئة أسوأ من جونسون في أدنى مستوياته، حسب يوغف في 5 تشرين الأول/أكتوبر.
ويقول جيمس جونسون، مسؤول الاستطلاعات السابق في داونينغ ستريت إن خسارة المحافظين الهامش التاريخي بسبب معالجة الاقتصاد يعني أنه ليس من الصعب رؤية سيناريو يشكل فيه حزب العمال الحكومة المقبلة.
والمهمة الرئيسية لتراس هي استعادة ثقة المقرضين البريطانيين من خلال سد الثغرة المالية الكبيرة التي تركتها الميزانية. والخيارات الصعبة أمام تراس المترافقة مع انهيار شعبية الحزب وأطلق لها العنان في التمرد بمؤتمر الحزب ببرمنجهام تقتضي التنازلات، ففي 2 تشرين الأول/أكتوبر تنازلت تراس للنواب الذين عبروا عن عدم دعمهم للميزانية وتخلت عن نسبة 45 بالمئة من التخفيضات الضريبية. وقال أحد النواب المتمردين "لقد فقدوا السيطرة على السياسات وذهبت سلطتهم". ولديها فرصة لاستعادة الثقة عندما يعود البرلمان للانعقاد في 11 تشرين الأول/أكتوبر. ويعطيها ساخط نسبة نجاح بواحد من بين كل خمسة، ويقول الساخطون إنها ستجبر على التخلي عن السلطة بنهاية العام.
وترى المجلة أن الأزمة هذه هي من صناعة تراس وهي تردد لصدى السنوات الـ 12 الماضية، وهي نتاج لأسلوب جونسون، التفاؤل البطولي حول السرعة التي يجب فيها على الحكومة توجيه النشاطات الاقتصادية ورفض الشاكين بشكل واضح باعتبارهم نقادا.
وفي خطابها أمام مؤتمر المحافظين في 5 تشرين الأول/أكتوبر هاجمت من أسمتهم المعارضين للنمو الذين يركبون السيارات من بيوت شمال لندن إلى استديوهات بي بي سي.
وفي الحقيقة فإن محاور الاستثمار ليست إلا صورة عن "تعديل المستوى" الذي رفعه جونسون. وقال ناقد: "تعتقد أنها تستطيع فرض الأمور وجعلها حقيقة واضحة". وهي قصة معروفة بعد كارثتها من خلال تهميش مكتب مسؤولية الميزانيات والخزانة واتبعت نهجا مضى به جونسون.
وحذرت شركة التصنيفات الائتمانية موديز في عام 2020 أن المفاوضات بشأن البريكسيت المتقلبة في عهد جونسون هي إشارة عن ضعف المؤسسات. وزاد انهيار الحكومة التي بدأت في أثناء المفاوضات بشأن البريكسيت أثناء فترة تريزا مي بدت في مؤتمر بيرمنجهام.
وغابت فكرة مدارسة الحكومة في السر والوحدة في العلن. وليس لدى تراس خيارات كبيرة لملء الثغرات التي تركتها الميزانية.
وتقول المجلة إن التمرد في بيرمنجهام كان سريعا وفعالا لأن الكفاح في سنوات البريكسيت وسقوط جونسون منح المتآمرين الكثير من الممارسة. وفي الأيام السعيدة يكون قادة الحزب مصدرا للاستقرار، ومتآمرين في الزمن غير السعيد.
وقاد الثورة الشباب وكذا مايكل غوف، الذي عمل في ثلاث حكومات. واتهمت وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان عصابته بمحاولة الانقلاب. ويبدو أن تراس لم تتعلم من دروس سابقيها، ولم تبذل جهدا لكسب الثائرين في الحزب، وموقعها ضعيف. ولم تقم بمحاولات لضم أي من الموالين لمنافسها سوناك. وتبدو فرصها في النجاح حيث فشل جونسون وإقناع النواب للتصويت دعما لخطة النمو ضئيلة.
"فورين بوليسي": لماذا تدهور الاقتصاد البريطاني؟
مؤرخ: نقل تراس سفارة بريطانيا إلى القدس سيكون كارثة
تزايد الاعتداءات ضد المسلمين ببريطانيا منذ وصول الهندوس