يعتبر موسم جني البلح موسما تراثيا بامتياز بالنسبة للشعب الفلسطيني يعزز تمسكه بهويته وأرضه المهددة بالمصادرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويقوي كل أواصر المحبة والتعاضد والتكاتف بين الفلسطينيين بكافة أعمارهم وفئاتهم.
ويأمل الفلسطينيون أن يكون موسم البلح هذا العام موسما خصبا قياسا على بقية المواسم التي كانت ذات جودة وكثافة عالية في الإنتاج، حيث رجحت وزارة الزراعة في غزة أن يزيد إنتاج البلح لهذا العام على الـ10 آلاف طن.
وتجتمع العائلات الفلسطينية مطلع شهر تشرين أول/ أكتوبر من كل عام ويتكاتف الجيران والأصدقاء من أجل جني ثمار النخيل من البلح بكافة أنواعه وأصنافه، في حين تنتظر الأسواق تلك الثمرة المفيدة جدا والتي يطلق عليها الغزيون اسم "الذهب الأحمر" نظرا لأن قطاع غزة يشتهر بهذا النوع من البلح.
ويقول المزارع جهاد بركة لـ "عربي21": "موسم جني البلح هو عبارة عن مهرجان تراثي كبير يستنفر كل العائلة من أجل عملية القطف في ظل أجواء جميلة فيها نوع من التعاون والتكاتف والجد والاجتهاد، يعزز التمسك بالهوية والأرض التي رواها أباؤنا وأجدادنا حتى وصلت إلينا".
وأضاف بركة الذي يمتلك 60 نخلة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة والتي تشتهر بالبلح وتحمل اسمه: "موسم جني البلح هو من أجمل المواسم في العام وهو يستمر من 20 إلى 30 يوما نشعر خلاله بمعنى الأخوة والتعاضد وكذلك التمسك بالأرض والهوية لأن هذه الأرض رويت بدماء أجددنا وآبائنا حتى وصلت إلينا هكذا، فيجب الحفاظ عليها مثمرة".
وشدد على أن النخلة هي شجرة مباركة وردت في القرآن في أكثر من موضع والشعب الفلسطيني من أول شعوب الأرض التي زرعتها وكانت طعام السيدة مريم خلال عملية ميلاد سيدنا المسيح قبل أكثر من 2000 عام، وهي تعطي دلالة على أهمية العمل والجد والاجتهاد حينما نادى ربنا السيدة مريم من سابع سماء وقال لها "وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" (مريم 25).
وقال بركة: "نقوم بعملية هز للنخيل من أجل الحصول على الرطب الجاهز للأكل وهو الذي يكون قد استوى على أمه ليتساقط".
وأشار إلى أن النوع الثاني من الرطب وهو الذي يتم تخزينه في الثلاجات ويأخذ ما يقارب الـ90 يوما فيتم قصه بالقطف كم هو وبطريقة تخزين علمية".
وتابع: "أما بقية البلح فيكون ثمرا جاهزا للبيع يتم من خلال الصعود إلى النخلة وهي مهمة صعبة لا يقوم بها إلا عدد قليل من المهرة المتسلقين لأنها تحمل الكثير من المخاطر".
وأشار إلى أن عملية التسويق بالنسبة لهم تتم إما بالقُطف أو بالنخلة، منوها إلى أنهم يقومون بعمل العجوة والدبس من الرطب الذي يحصدونه.
ونوه بركة إلى أن المزارعين تمكنوا من القضاء على أهم مرض يصيب النخيل وهو سوسة النخيل بنسبة 70 في المائة وذلك بعد الخبرة الكبيرة التي أصبحت لديهم في مكافحة الأمراض.
ومن جهته رجح مدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة المهندس محمد أبو عودة أن ينتج قطاع غزة 10 آلاف طن من البلح بكافة أنواعه هذا العام، في واحد من أفضل المواسم الزراعية منذ سنوات.
محمد أبو عودة.. مدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة
وقال أبو عودة لـ "عربي21": "نتوقع أن تكون كمية إنتاج محصول البلح في قطاع غزة الموسم الحالي 10 آلاف طن بلح".
وأفاد أن إجمالي المساحة المزروعة بالنخيل في قطاع غزة بلغت 11 ألفا و300 دونم؛ فيما بلغت المساحة المثمرة منها نحو ثمانية آلاف و200 دونم، وغير المثمرة 3 آلاف دون دونم.
وقال: "نتوقع أن ينتج الدونم الواحد طنا و200 كيلوغرام من البلح، ونرجح أن يكون إنتاج البلح لهذا العام 10 آلاف طن بلح".
وحول نوعيات البلح أكد أبو عودة أن هناك نوعين من البلح ويندرج تحتهما عدة أصناف النوع الأول هو "البلح الأحمر" والذي يمثل منه الصنف "الحياني" 90 في المائة، ومنه صنف "بنت العيش" بكميات قليلة.
وأشار إلى أن النوع الثاني هو "البلح الأصفر"، وينتج منه صنف "البرحي" والذي يمثل 5 في المائة من نسبة النخيل، وصنفا "الجود" و"العامري" بكميات قليلة جدا.
ودعا المسؤول في وزارة الزراعة الفلسطينية المزارعين إلى قطف ثمار البلح مطلع شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري وعدم التسرع لضمان نضوج الثمرة بشكل جيد، مشيرا إلى أن عملية القطف تحتاج من 15 إلى 20 يوما وأحيانا تزيد على ذلك نظرا لعمليات الفرز التي يقوم بها المزارعين للبلح.
وعزا التأخير في عملية قطف الثمار هذا العام هو التأخر في عملية التزهير في كل الأصناف بسبب درجات الحرارة المنخفضة التي جاءت في فصل الربيع، مناشدا المزارعين أن يتم تأخير القطف قليلا لضمان أن يكون هناك نضج حقيقي لثمار البلح.
وتطرق مدير البستنة التشجير في وزارة الزراعة إلى الأمراض التي تضرب النخيل والتي من أشهرها "سوسة النخيل"، مؤكدا أن هذا المرض "سوسة النخيل" أصبح مستوطنا وأن المزارعين أصبح لديهم خبرة كبيرة في التعامل معه ومكافحته بالشكل المطلوب بتوجيه مستمر من الزراعة.
وأشار أبو عودة إلى أن المنطقة الوسطى من قطاع غزة لا سيما مدينة دير البلح تشتهر في زراعة النخيل، وكذلك مدينة وخان يونس جنوبي القطاع.
وعن عملية تسويق البلح قال أبو عودة: "إن البلح يسوق من خلال 3 طرق، الأولى ثمار طازجة، والثانية رطب قليل من الاستواء، والثالثة يخزن في الثلاجات كبلح أحمر بحيث يتم طرحه في الأسواق بعد 3 اشهر أو أكثر كنوع ثاني من الرطب".
وأوضح أن هناك فرص تسويقية للتبادل التجاري بين غزة والضفة الغربية لتصدير الرطب إلى الضفة الغربية واستيراد البلح البرحي الأصفر لحين طرح البلح الأحمر المحلي في الأسواق الغزية ليتم إيقافه فورا حتى يسوق البلح الأحمر المحلي لضمان حماية المنتج المحلي.
وقال أبو عودة: "لدينا في غزة اكتفاء ذاتي في محصول البلح ومشتقاته، ونأمل أن يكون هناك استثمار بشكل أفضل لهذا المحصول مستقبلا".
وحول موضوع بعض الصناعات التحويلة مثل صناعة "العجوة" و"الدبس" أكد أنه حتى الآن هذه الصناعات مقتصرة على الصناعات النسوية والعمل البيتي والتي لم تأخذ طابع الاستثمار بشكل كبير كمصانع تنتج هذا الأمر.
وقال: "هذا العام لدينا محصول جيد من البلح وهناك حمل جيد، والإشكالية التي واجهتنا هي التغيرات المناخية وانخفاض درجات الحرارة وتأخير عملية الإزهار والتي أثرت بشكل جزئي على كفاءة التلقيح ونتج عنها كفاءة العقد".
وأضاف: "لاحظنا هذا العام أن هناك نسبة من البلح الشيص (غير الناضج) داخل القطف بسبب الإشكاليات التي ذكرتها".
ومن جهته قال المهندس نزار الوحيدي الخبير الزراعي والبيئي إن فلسطين منذ نشأتها ومنذ آلاف السنيين وهي تشتهر بأشجار النخيل.
المهندس نزار الوحيدي.. خبير زراعي وبيئي
وأوضح الوحيدي لـ "عربي21" أنه لاشتهار فلسطين بأشجار النخيل سميت مناطق كثيرة بأسماء النخيل مثل مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
وقال: "شجرة النخيل زرعت في المناطق الجافة، وعندنا أصناف الرطبة والجافة، وغزة تشتهر بالأصناف الرطبة، في حين تشتهر مدينة اريحا بنصف الجافة وهي "التمر".
وأشار إلى أن موسم جني البلح هو موسم تراثي فلسطيني يشتهر فيه أهل فلسطين ويعزز تمسكهم بالهوية والأرض، مؤكدا أنهم منذ صغرهم وهم يرون جداتهم يبشرون البلح ويصنعون منه المربى ويضعوه فيه اللوز والقرفة ويصنعون "رُب التمر" وما يعرف بـ "الدبس"، ويستخدم في المناسبات والأفراح والأطراح وذلك من خلال توزيع التمر.
وأضاف: "هو موسم تراثي وموسم هام وله دور في إجمالي الناتج المحلي، وعليه صناعات تحويلية مثل صناعة الرُب (الدبس) أو صناعة العجوة والمعجنات الكعك والمعمول وهي ثقافة فلسطينية سائدة".
وأكد الوحيدي أن شجرة البلح، من "أهم الأشجار الاقتصادية في فلسطين، والتي تشغل الكثير من المصانع في صنع التمور والعجوة والمنتجات التي تعتمد على العجوة".
وبيّن أن زراعة النخيل ذات كلف مادية قليلة، لعدم حاجتها إلى عدد كبير من الأيدي العاملة، وأن شجرة النخيل تحتاج إلى ثلاث سنوات حتى تثمر، وتصل بعد ست سنوات إلى الذروة.
وأوضح الوحيدي أن زراعة النخيل في فلسطين عرفت منذ آلاف السنين، وحظيت باهتمام المزارع الفلسطيني؛ كونها شجرة ذات قيمة اقتصادية كبيرة، ومنزلة دينية عظيمة، تعيش مئات السنين، ولقدرتها على تحمل العديد من الظروف المناخية، بالإضافة لقدرتها على النمو في التربة المالحة.
وشدد على أن زراعة النخيل تنتشر في كل قطاع غزة وتتركز في مدينة دير البلح وسط القطاع.
وأوضح أن شجرة البلح شجرة معمرة؛ لها ساق غليظة وطويلة، تتوجها أوراق ريشية كبيرة، والنخل نبات ثنائي المسكن فهناك نخل ذكري وآخر أنثوي، كلاهما يخرجان العراجين.
وأكد الوحيدي على أهمية شجرة البلح سواء من الناحية الاقتصادية أو الغذائية أو العلاجية، مشيرا إلى أنها ثمرة يمكن أن تغني الإنسان عن أي طعام آخر.
وقال: "شجرة البلح ذات قيمة غذائية وعلاجية كبيرة، نحن للأسف لا ندرك قيمتها، فهي شجرة اقتصادية لا تكلف المزارع شيئا ويستفيد من كل شيء فيها، من ثمرها وعيدانها".
واضاف: "البلح يحتوي على كم كبير من المعادن خاصة في المناطق الصحراوية ويكون عنصر أمان للوجود البشري، حيث أصبح هناك علاقة ما بين نوع الثمرة والإنسان".
وتابع: "البلح أو التمر منجمًا مليئًا بالفيتامينات، ويسمى التمر بالمنجم لكثرة ما يحتويه من العناصر المعدنية: مثل الفسفور، الكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، الصوديوم، الكبريت، والكلور؛ كما يحتوي التمر أيضاً على فيتامينات: (أ، ب1 ، ب2 ، د)، فضلاً عن السكريات السهلة البسيطة في تركيبها".
نموذجان في الإعلام لترسيخ هوية قضية فلسطين العادلة
باقة الغربية.. تاريخ من المقاومة ضد الانتداب
دعد عبد الحي الكيّالي.. من غربتها صاغت "أغاريد الحنين للوطن"