نشر موقع هيئة
الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريرا تحدثت فيه كاث باوند عن تأثير
التصميم الإسلامي على مختلف الفنون الأوروبية على مر التاريخ، متخذةً من معرض
"كارتييه والفن الإسلامي: البحث عن الحداثة" الذي يُقام حاليًا في متحف
دالاس للفنون نقطة انطلاق.
وقالت
الكاتبة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا المعرض يكشف كيف
ألهمت التصميمات الهندسية للفن الإسلامي كارتييه لصناعة مجوهرات تمزج بين الرقي
والحداثة في بداية القرن العشرين. وتعتبر تصاميم كارتييه جزءًا من علاقة امتدت
لقرون بين الإبداع الفني الأوروبي والفن الإسلامي.
على مدى قرون،
كان التجار والدبلوماسيون الأوروبيون الوحيدين المسموح لهم بزيارة إمبراطوريات
الشرق الأوسط، فقد خلق ظهور الحقبة الاستعمارية والنفوذ الغربي المتزايد في
المنطقة فرصًا للسفر في القرن التاسع عشر. تدفق الفنانون من أمريكا الشمالية
وأوروبا على القسطنطينية والقدس والقاهرة ومراكش. ودمجت اللوحات التي رسموها
الخيال بالواقع، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتصوير "الحريم". ورغم
الانتقادات المبتذلة لهذه الأعمال، إلا أنها قدمت لجمهور أوسع لمحة أولى عن جمال
الحِرف الإسلامية، وهو مجال لم يكن في ذلك الوقت مهما بالنسبة للمتاحف والعلماء
الغربيين.
وذكرت الكاتبة
أن المشاهد التي صورها هؤلاء الفنانون قد تخلو من الدقة، لكن التحف والقطع الأثرية
التي تضمنتها قُدمت بدقة متناهية. وقد أذهلت تصاميم البلاط الزهرية المنمقة،
والخصائص المعمارية الهندسية، والقطع المعدنية المزخرفة، والمجوهرات الرائعة
والأقمشة والسجاد المنسوج بشكل معقد، هواة جمع التحف الغربيين.
أثّر الخزف
العثماني على الجميع من ويليام دي مورغان إلى فيليراي وبوش، بينما ألهمت مزهريات
قصر الحمراء الرقيقة صناعة الخزف المصقول مثل صانع الخزف والأواني الزجاجية المجري
زولناي.
وفي مقال نشر
سنة 1992 بعنوان "وضع الفن الإسلامي في القرن العشرين"، قالت مؤرخة الفن
الأردنية وجدان علي إن الاستعمار الغربي والتسلل الاقتصادي والثقافي إلى الأراضي
غير المحتلة أدى إلى "فترة من الخمول الفني والركود الثقافي". وسرعان ما
طغت "الجماليات الغربية على التقاليد الفنية المحلية". ولم يُنظم أول
معرض علمي حقيقي حتى سنة 1903 وكان من قبل أمين متحف اللوفر غاستون ميجون حيث لاقى
معرضه للفنون الإسلامية ترحيبا حارا.
مفردات مرئية
أشارت الكاتبة
إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان لويس كارتييه (الأخ الأكبر لكارتييه) قد زار
المعرض، إلا أن الكتالوغ موجود في أرشيف كارتييه ما يعني أنه كان على دراية
بمحتوياته. في ذلك الوقت، كان الصاغة عالقين في إعادة التدوير اللانهائي للأنماط
الأوروبية التاريخية. وقد كان كارتييه مهتمًا بإيجاد أسلوب جديد ولكنه لم يكن
مهتمًا بالجمالية الحديثة في ذلك الوقت التي كانت تمثل الانتقال إلى الفن الحديث،
وذلك حسب ما قالته سارة شليونينغ، أمينة الفنون الزخرفية والتصميم في متحف دالاس
للفنون، مضيفة أن معرض 1903 منحه المفردات المرئية التي كان يبحث عنها.
بعد معرض
باريس لسنة 1903، نُظّم معرض رائد بنفس الأهمية في ميونيخ سنة 1910 حيث تم تجميع
الأعمال بعناية وفقًا للتقنية والأصل الجغرافي بهدف محدد وهو إلهام الإبداع
المعاصر. ويُعتقد أن هذا المعرض كان حافزًا للويس كارتييه لتطوير مجموعته الخاصة.
وكان لديه ميل خاص للمخطوطات واللوحات والقطع المرصعة من إيران والهند من القرنين
السادس عشر والسابع عشر.
من ذلك الحين،
أصبحت العمارة الإسلامية والمخطوطات والمنسوجات مصدر إلهام بارز بشكل متزايد
لمصممي كارتييه. وباتت الحواجز المسننة المعروفة باسم "الشرفات"
والماندورلا ذات الهالات اللوزية - وهي طريقة رسم اختص بها الفن الديني المسيحي
بحيث تحاط الأيقونات الدينية بهالة على شكل حبة لوز- والتيجان والمخطوطات جميعها
زخارف كارتييه المميزة.
اعتبارًا من
العقد الأول من القرن العشرين، كانت المواد والألوان الخاصة بالعالم الإيراني
مؤثرة بشكل خاص، مع ظهور الأزرق اللازورد أو الياقوت والأخضر من اليشم أو الزمرد
في نمط الطاووس الشهير. كما تم الجمع بين الفيروز الإيراني واللازورد الأفغاني
المرقط باللون الأزرق الداكن من أجل إعادة إنتاج مجموعات الألوان التي غالبًا ما
توجد في أعمال الطوب الخزفي المصقول والبلاط في آسيا الوسطى.
وأضافت
الكاتبة أن المرجان والأسود كان مزيجًا آخر مفضلاً من الألوان التي يمكن رؤيتها
في إحدى القطع المفضلة لدى شليونينغ، وهي عبارة عن عصابة رأس مصنوعة من المرجان
والعقيق والماس تعود لسنة 1922.
على غرار لويس
كارتييه، زار هنري ماتيس معرض ميونيخ سنة 1910. بعد ذلك، توجه إلى جنوب إسبانيا
حيث زار قصر الحمراء ومجمع القصور والحصون لملوك غرناطة المغاربيين، المشهور
بزخارفه الرائعة. وبعد هذه الزيارة، أصبحت أوجه التشابه مع أعمال البلاط المكسوة
بالفسيفساء التي شاهدها في قصر الحمراء واضحة في أعماله. كما كان موريتس كورنيليس
إيشر مفتونًا بنفس الدرجة بقصر الحمراء الذي ألهم تناسقه وإبداعه الرياضي أعماله
البصرية المذهلة.
تحدثت الكاتبة
أيضا عن تأثير التصاميم الإسلامية في الفنون المسرحية، إذ أثارت أزياء ليون باكست
الشرقية لفرقة الباليه الروسية ضجة كبيرة، ما أثر على مصمم الأزياء بول بواريه الذي
حوّل شغفه بالشرق إلى تجربة نمط حياة افتراضية تضمنت الأزياء والأثاث والمنسوجات.
كما تأثرت أعمال كارلو بوغاتي، أحد أكثر مصممي الأثاث ابتكارًا في أواخر القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بالتصميم الإسلامي مثل المقرنصات وأقواس حدوة
الحصان.
بطبيعة الحال،
تتغير التأثيرات الأسلوبية عبر الزمن، وبحلول منتصف القرن العشرين لم يعد التصميم
الإسلامي مستساغا في الغرب. مع ذلك، استكشف عدد من المعارض الحديثة تأثير الفن
الإسلامي على الغرب، مثل معرض أوروبا الحديثة وفنون الإسلام بمتحف الفنون الجميلة
في ليون لسنة 2011، ومعرض آخر مستوحى من الشرق بعنوان "كيف أثر العالم
الإسلامي على الفن الغربي" أقيم في المتحف البريطاني سنة 2019 وكان من المقرر
أن يُقام في متحف الفن الإسلامي بماليزيا قبل تفشي الوباء. ومع هذا الوعي
والاهتمام المتزايد، تتساءل شليونينغ عما إذا كان ممكنا لمعرض كارتييه أن يكون
بمثابة حافز لجيل جديد من الفنانين والمصممين.
رحيل الفنان السوري ذياب مشهور بعد صراع مع المرض
انتقادات لمسلسل نتفليكس "دامر" بسبب "رومانسية القاتل"