كتاب عربي 21

المؤسسات العسكرية بين خالد وهرقل

1300x600
لما مات خالد بن الوليد، اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه، فقيل لعمر: "إنهنَّ قد اجْتَمَعْنَ فانْهَهُنَّ"، فقال عُمر: "وما عليهنَّ أن يُرِقْنَ دموعَهُنَّ على أبي سليمان"؟ هذا هو قول الخليفة العادل الحكيم، فخر الإسلام على مدار سِنِيه، في القائد الذي لم تُنجِب النساء مثله، وسيف الله الذي سَلَّه على أعدائه، وكم من أنف رغِمَتْ على يدي سيدنا خالد؟

لم يفخر المسلمون بقائد مثلما افتخروا بسيف الله المسلول، ورغم امتداد تاريخ الإسلام في الحضارة والعسكرية، بقي اسم سيدنا خالد على هرم العسكرية في التاريخ الإسلامي، وقد نال من بركة رسول الله ما نال، حتى أن النبي حلق شعره، فأعطى خالداً ناصية شعره، فثبّته خالد على عمامته، فما لقي أحداً بعدها في قتال إلا وانتصر.

ومِن لَدُنْ خالد ابتدأ صراع أمتنا مع الروم، وعلى يديه أَفَلَتْ شمسُ الروم على الأرض التي أصبحت مُسْلِمَةً حتى يومنا هذا في الشام.

كان البدء في مُؤْتَة، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف، يذهبون لتأديب الغساسنة الذي قتلوا رسولَ رسولِ الله إلى ملك بُصرى في الشام، وهناك وقف جيش من الروم والغساسنة اختُلف في تقديره بين 100 ألف إلى 200 ألف، وولّى رسولُ الله على المسلمين زيد بن حارثة، وجعل الولاية من بعده لجعفر بن أبي طالب، ومن بعدهما لعبد الله بن رواحة، فإن قُتِلوا جميعا، تُرك للمسلمين اختيار قائد عليهم.

كانت الولاية لمولى رسول الله (زيد) قبل ابن عمه (جعفر)، فلم تكن القرابة سببا للتولية في عهد النبي، وكان سيف الله بين الجند لا القادة، ولم يجد غضاضة في نفسه، وهو مَن هو بين العرب وقادتهم العسكريين قبل الإسلام وبعده، فلما التقى الجيشان، وقُتِل القادة الثلاثة، حمل اللواء أحد البَدْرِيِّين، أي الذين شهدوا غزوة بدر، وهو ثابت بن أَقْرَم، وصاح في الناس "يا لَلْأَنْصار" فاجتمعوا إليه، فقال: يا معشر المسلمين اصْطَلِحُوا على رجل منكم، فقالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، ثم نظر إلى خالد بن الوليد فقال: يا أبا سليمان، خذ اللواء، قال: لا آخذه، أنت أحق به مني، لك سِنّ، قد شهدتَ بَدْراً، قال ثابت: خذ أيها الرجل، فوالله ما أخذتُه إلا لك، أنت أعلم بالقتال مني. ثم اصْطَلَحَ المسلمون على خالد.
هذا التاريخ الذي لا يَسَعه مقال، لا نجد له تقديرا بين العسكريين الكبار الذي تلقوا دوراتهم التدريبية في الغرب، وشربوا ثقافة التقدم العسكري الغربي والانهزام أمامه، وفي مقابلهم تجد تقديرا واسعا للحضارة العسكرية العربية والإسلامية بين الضباط الأقل رتبة، وأغلبهم لم يتلقَّ تدريبات تمسخ ثقافتهم

وقد روى النبي ذلك المشهد وهو يراه أثناء وقوعه، فقال للمسلمين: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم"، فكان الوصف من رسول الله هو الذي لازم خالداً بقية حياته، وذلك أنه قاتل يومها وانكسرت تسعة أسياف في يديه، ثم أقام خطة انسحاب ذكية، جعلت خصومه ثابتين في أماكنهم إلى أن نجح في تأمين جيش المسلمين وانسحبوا إلى المدينة.

كان بدء محاربة خالد للروم في مؤتة، ونهاية حربهم معنا على أرض حدودنا الحديثة بقيادته أيضا، فكانت معركة اليرموك، آية في المعارك العسكرية، وقضى على جيش هرقل في الشام بعدما وحّد الجيوش التي أرسلها الصديق، وكثّر من هيئة الجيش بحسن توزيعه للقوات، وبعدما أحسن التصرف في قضية عزله من قيادة الجيش، وانتظار نهاية المعركة، وبنهاية معركة اليرموك لم يعُد للروم موضع قدم في أرض الشام إلى يومنا هذا.

هذا التاريخ الذي لا يَسَعه مقال، لا نجد له تقديرا بين العسكريين الكبار الذي تلقوا دوراتهم التدريبية في الغرب، وشربوا ثقافة التقدم العسكري الغربي والانهزام أمامه، وفي مقابلهم تجد تقديرا واسعا للحضارة العسكرية العربية والإسلامية بين الضباط الأقل رتبة، وأغلبهم لم يتلقَّ تدريبات تمسخ ثقافتهم، وهذا ما يلمسه أي مصريّ في احتكاكه اليومي بالضباط أو خلال خدمته العسكرية، فقيمة العسكريين العرب والمسلمين قديما وحديثا محل تقدير، ولا تنال منها محاولات انتزاعهم من الوجدان.

ما استدعى ذلك الحديث التاريخي، إعلان المتحدث العسكري المصري بتاريخ 21 آب/ أغسطس عن انطلاق "فعاليات التدريب المشترك (هرقل- 2) في جمهورية مصر العربية، بمشاركة عناصر من القوات الخاصة لكل من السعودية والإمارات واليونان وقبرص، فضلا عن مشاركة كل من الأردن والولايات المتحدة الأمريكية والكونغو الديمقراطية والبحرين بصفة مراقب، وتستمر فعاليات التدريب على مدار عدة أيام".
لا توجد إجابة سوى في خزي قادة العسكريين أمام نظرائهم الغربيين، وانسحاقهم الكامل أمام رؤيتهم التي تمسخ ثقافة ضباطنا وجنودنا؛ المملوءة قلوب كثير منهم بحب أوطانهم وثقافتهم الأصيلة الممتدة عبر القرون

صحيح أن هرقل ليس مسمى لشخص واحد على مدار التاريخ الروماني، لكن آخر ارتباطه بتاريخنا كان هزيمة ساحقة على يد هؤلاء الأفذاذ المؤمنين الذين قدموا من صحراء لا تعرف من فنون العسكرية الكثير، وإذا كانت هناك مجاملات دبلوماسية، فلماذا لا يجاملوننا ونقوم بعمل تدريبات مشتركة مع دول غربية باسم تدريبات "خالد بن الوليد" أو "طارق بن زياد"، أو "محمد الفاتح" أو "سعد الدين الشاذلي"" أو غيرهم من عظماء العسكريين العرب والمسلمين؟

للأسف لا توجد إجابة سوى في خزي قادة العسكريين أمام نظرائهم الغربيين، وانسحاقهم الكامل أمام رؤيتهم التي تمسخ ثقافة ضباطنا وجنودنا؛ المملوءة قلوب كثير منهم بحب أوطانهم وثقافتهم الأصيلة الممتدة عبر القرون.

يقول سيدنا خالد: "دخَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة في عُمرَة القضاء طلبني فلم يَجِدْني، وكتَب إليّ كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أمَّا بعدُ، فإني لم أَرَ أَعجبَ مِن ذِهاب رأيك عن الإسلام وعَقلِكَ، ومِثلُ الإسلامِ يَجهلُه أَحدٌ؟ فلما جاءني كتابُه نَشَطْتُ للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسَرَّني سؤالُه عني، فلما جاء خالدٌ رسولَ الله مُسْلِماً قال له: الحمد لله الذي هداك، قد كنتُ أرى لك عَقلًا رَجَوْتُ أن لا يُسْلِمَكَ إلَّا إلى خيرٍ". رضي الله عن سيف الله.

twitter.com/Sharifayman86