آبي
أحمد، ناور كعادته بدعوة مصر والسودان لمواصلة المفاوضات المتوقفة منذ نحو عام، ومؤكدا
أن الملء الثالث لم يسبب نقصا بحصة دولتَي المصب، لكنه أثار غضب المصريين بقوله:
"النيل هبة أعطاها الرب لنا نحن الإثيوبيين"، متمثلا المقولة التاريخية للمؤرخ
"هيرودوت": "مصر هبة النيل".
مصر
التي تعتمد على مياه النيل بنسبة 97 بالمئة، تتخوف من أضرار وتبعات السد الإثيوبي على
نحو 110 ملايين مصري، وتقدمت في تموز/ يوليو الماضي، باحتجاج رسمي لمجلس الأمن الدولي
ضد التصرفات الإثيوبية الأحادية، خاصة أنها المرة الثالثة التي تنفرد إثيوبيا فيها بقرار
الملء (2020، و2021، و2022).
وترغب
القاهرة والخرطوم في عقد اتفاق نهائي مع إثيوبيا يتعلق بملء وتشغيل السد الذي تبنيه
منذ 10 سنوات على النيل الأزرق، وضمان حصتيهما التاريخية (55 و18 مليار متر مكعب سنويا)،
إلا أن أديس أبابا نجحت في الوصول بالمفاوضات إلى طريق مسدود عبر مراوغات دبلوماسية حتى
إكمال البناء والملء.
إعلان
انتهاء الملء الثالث دون تحرك مصري مؤثر وغموض ردود فعل النظام وصمته على الانفراد
الإثيوبي بالقرار، أثار مخاوف المصريين من مستقبل غامض، ومن تحول مشكلة المياه إلى
أزمة مزمنة تهدد مصير أكثر من 140 مليون مصري وسوداني.
"القادم
أخطر"
ومن
وجهة نظر علمية متخصصة بالملف قال الخبير المصري في المياه والسدود الدكتور محمد حافظ،
إن "مصر لن تتضرر من الملء الثالث ووصول المياه لـ22 مليار متر مكعب، ولكن المشكلة
الآن سوء إدارة التخزين ببحيرة السد العالي ذات المنسوب العالي جدا عند 179.8 متر".
أستاذ
هندسة السدود بجامعة "Uniten" بماليزيا،
أشار بحديثه لـ"عربي21" إلى خطأ "تقليص وزارة الري حصص المصريين وتراكم
حصص السنوات السابقة حتى امتلأ السد العالي بشكل كبير يصعب إضافة مياه جديدة عليه من
فيضان النيل الأزرق، بعد نهاية الملء".
ولفت
إلى أن "إثيوبيا حجزت 14 مليار متر مكعب من المياه، وعندما يصل الفيضان لمصر فإنه لن
يجد مكانا خلف السد العالي، ولذا تلقي وزارة الري ومنذ 15 حزيران/ يونيو الماضي
350 مليون متر مكعب يوميا من بحيرة ناصر، بمفيض توشكى (جنوبا)".
على
المستوى الإثيوبي، يرى حافظ، أن "الملء الثالث وصل بحيرة سد السرج الكبيرة جدا
والتي كانت فارغة وقت الملء الثاني، ولذلك أصبح لدى إثيوبيا سهولة لصب الخرسانات على
الممر الأوسط والكتلة الشرقية والغربية دون استعجال لأن البحيرة واسعة".
وأكد
أنه "لذلك وبداية من الملء الرابع فستتخذ إثيوبيا استعدادات كبيرة لصب الخرسانات
بالكتلة الشرقية والغربية والممر الأوسط بسهولة ولن تتكرر مشاكل الملء الثاني والثالث
لديها، ومتوقع مثل هذه الأيام أن يصل منسوب الممر الأوسط إلى 625 مترا فوق منسوب سطح
البحر".
ويرى
الخبير المصري أن التأثير الحقيقي على دولتي المصب "يبدأ من العام القادم مع الملء
المحتمل، لأن فيضان هذا العام بدا جيدا وهذه معالم نهاية السنوات السبع وقمة الفيضان،
والتي تتبعها سنوات عجاف، وأي اختصار أو تخزين مياه بسد النهضة يؤثر مباشرة على مصر
والسد العالي".
وتوقع
أنه "لو كان العام القادم أول أعوام الجفاف فستحدث مشاكل كثيرة، وستقلص الدولة
حصة المصريين لـ35 مليار متر مكعب مياه بالسنة، للحفاظ على المياه بالسد العالي لأطول
فترة، وهذا يعني تبوير أراض ووقف زراعات، وتوجه لشراء الطعام من الخارج وارتفاع فاتورة
الاستيراد، والحاجة للعملة الصعبة".
وعن
الخيارات التي فقدتها مصر والسودان من اكتمال الملء الثالث، أكد حافظ، أنه "الخيار
العسكري الذي كان ممكنا حتى 20 حزيران/ يونيو الماضي، مع بدء الملء الثالث، ولذلك من
حينها فقدت القوة العسكرية المصرية هذا الحل نهائيا لأن المساس بسد السرج يعني فناء
السودان".
وبشأن
ما يجب على مصر والسودان فعله، قال إنهما "سيضطران للسير بمسار خطط أبوظبي بشراء
مصر للمياه، ولكن السودان لن تشتري غير الكهرباء واقترضت 400 مليون دولار من البنك
الدولي لعمل ربط كهربائي مع إثيوبيا".
"الاستهانة
بمصر"
مساعد
وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل دعا إلى تشكيل لجنة من الخبراء
لتقييم موقف الحكومة المصرية من السد وتقديم توصيات لها، مع انتهاء الملء الثالث وما
وصفه بتلاعب آبي أحمد المتواصل.
وعن
غضب المصريين من النظام المصري، قال الأشعل لـ"عربي21": "لا أعتقد أن
هناك خيانة من السلطة بشأن إعلان المبادئ بالخرطوم عام 2015، خاصة أنه مجرد خطوط عريضة
تحكم المفاوضين للخروج بمعاهدة ملزمة مثل اتفاق (أوسلو) الذي لا يعد معاهدة دولية مثل
(كامب ديفيد) و(وادي عربة)".
وأكد
أن "الأساس هنا ليس قضية السد والمياه وحدها؛ ولكن الاستهانة بمصر، ولقد قالها
السيسي: (لو دولة ضعفت الدول التانية تأكل عشاها)، ومصر اليوم في أضعف أحوالها، وآبي
أحمد أكمل الملء الثالث بسهولة وأمان وزعم أن السد لصالح مصر والسودان".
ويرى
الأشعل أن العجز المصري بالملف جاء لأحد سببين "إما عدم إدراك مخاطر السد، أو عدم
القدرة على إدارة ملف السد، رغم أن مصر تزخر بالكفاءات"، مشيرا لاستعانة
"حسني مبارك بالخبراء بمفاوضات (طابا) مع إسرائيل".
وختم
بالقول: "إننا في معركة، ومصر معرضة لهلاك أكبر من عدوان إسرائيل عليها".
اقرأ أيضا: إثيوبيا تعلن اكتمال المرحلة الثالثة من ملء سد النهضة
"حرقت
أوراق الضغط"
من جانبه،
قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير: "باكتمال
الملء الثالث أصبح السد الإثيوبي حقيقة واقعية، ومن المستحيل التعامل معه عسكريا لخطورة
ذلك على مصر والسودان".
الأكاديمي
المصري يعتقد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "يجب محاكمة النظام في مصر بتهمة
الخيانة العظمى، لأنه تواطأ مع إثيوبيا على بناء السد والإضرار الجسيم بالأمن القومي
المصري".
وأكد
أن "مصر والسودان فقدتا كل أساليب وآليات التفاوض، وحرقا أوراق الضغط على إثيوبيا
عمدا وفرطا عن عمد بكافة آليات الضغط، وما عليهم إلا الخضوع لكافة الشروط والأوامر
الإثيوبية دون قيد أو شرط".
وختم
بالقول: "أعتقد أن هذا الأمر مخطط متفق عليه بين الأنظمة الثلاثة من قبل، وما
كان الانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013، والانقلاب العسكري في السودان في نيسان/ أبريل 2019، إلا تمهيدا لذلك".
"إشكالية
إسرائيل"
الأكاديمي
والمؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، قال إن "نتائج اكتمال الملء الثالث تتلخص
في نقص كمية مياه النيل لمصر، وبالتالي التأثير على زراعة الغلات التي تحتاج إلى مياه
كثيرة مثل الأرز".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "على مصر والسودان رفع مذكرة لمجلس الأمن
ضد إثيوبيا لتجاوزها اتفاقيات تقسيم المياه دوليا".
ويعتقد
أن "الإشكالية أن إسرائيل وراء تشجيع إثيوبيا، لأن الهدف البعيد توصيل مياه نهر
النيل لإسرائيل، وهو ما كانت تطلبه من الرئيس أنور السادات بعد الصلح والاعتراف
1978، تحت اسم "ترعة السلام" لكن الظروف لم تسمح للسادات بذلك".
"السنوات
العجاف"
وفي
رؤية أخرى، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير
إنه "لا يمكن الجزم بأن إثيوبيا أكملت بالفعل بالملء الثالث للسد كما هو مخطط
له، وقد تكون خطوة استباقية إعلامية تفرض بها واقعا على مصر والسودان، بينما تكمل هي
عملية الملء خلال الشهور القادمة في صمت".
الباحث
المصري أضاف لـ"عربي21": "لكن بافتراض أن ما أعلنته هو الحقيقة، فلا
يوجد هامش حركة حقيقي تملكه مصر للتعاطي مع الأزمة التي ستظهر آثارها تباعا خلال السنوات
القادمة".
وأكد
أن "السيسي هو الذي وقع على الاتفاقية التي تعترف بحق إثيوبيا في ملء السد، وأي
حديث آخر ينفي المسؤولية عنه أو عن النظام هو نوع من العبث".
ويرى
أن "كل الحلول التي يطرحها النظام هي داخل الأراضي المصرية، وغالبها غير عملي
ولا توجد موارد مالية لتنفيذها، فمعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر واستخدام
نظام التقطير في الزراعة كلها تحتاج ميزانيات ضخمة، ونظام غير فاسد في شرطين يغيبان
تماما عن الحالة المصرية".
ويضيف:
"التحرك الدبلوماسي بلا معنى أو قيمة؛ فالنظام توجه مرتين لمجلس الأمن، ومرات
لواشنطن والمحصلة صفر، لأن بناء السد مصلحة غربية صهيونية لخنق مصر، وأي تحليلات لا
تذكر هذه الحقيقة فهي خادعة".
المنير،
يعتقد أنه "كان يمكن تغيير المعادلة لولا توقيع السيسي على اتفاق المبادئ، وعدم
استخدام الجيش بشكل غير مباشر لردع إثيوبيا عن بدء الملء دون اتفاق يحفظ حقوق مصر والسودان
وهو الخيار الذي انعدم حاليا بملء السد".
وأكد
أن "أي انهيار في السد أو سوء في إدارته سيؤدي لكارثة وجودية تهدد السودان ومصر،
وبالتالي فلا توجد مصلحة مصرية حاليا في القضاء عليه بعد امتلائه".
ماذا يعني ظهور مسلحي "ولاية سيناء" في محيط قناة السويس؟
أزمة نتائج أبناء عائلات ونواب بالصعيد تثير الرأي العام بمصر
خبير: "لوبي أكاديمي" يهاجم أبحاثا تحذر من مخاطر سد النهضة