في مطار اللد، وعلى أرض فلسطين التاريخية المحتلة من الصهاينة، جدد الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد على أنه صهيوني، وذَكَرَ له مستقبلوه أنه قال: "ليس على المرء أن يكون يهودياً كي يكون صهيونياً.. وأنه صهيوني بامتياز.". لم يكن هذا مجرد مجاملات بل هو موقف عقائدي متجذر في إيمان الرجل وتفكيره ومسيرته، وعلى أساسه لعب أدواراً سابقة لصالح كيان الإرهاب والعنصرية "إسرائيل"، واستمراراً لهذا النهج قدم دعماً كبيراً للصهاينة في مجال التسلح وتطوير "القبة الحديدية وسلاح الليزر"، وتعهداً أمريكياً بتقديم 38 مليار دولار خلال السنوات القادمة، اتفاقيات أخرى.
ووقع مع يائير لابيد بتاريخ 14/7/2022 ما سُمي بـ "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية" الذي جاء فيه بالنص:" تماشياً مع العلاقة الأمنية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل ـ ولا سيما الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي ـ تؤكد الولايات المتحدة التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات.
وتؤكد الولايات المتحدة مجدداً أن هذه الالتزامات مقدسة من الحزبين، وأنها ليست التزامات أخلاقية فحسب، بل أيضا التزامات إستراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها. وتؤكد الولايات المتحدة أن جزءاً لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة. كما تؤكد الولايات المتحدة التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة العدوان الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله اللبناني وحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين.".
ومن فلسطين المحتلة سافر بايدن إلى جدة برحلة مباشرة هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي، ليلتقي بالملك سلمان، ويعقد اجتماعاً مع وفد سعودي برئاسة ولي العهد، ويحصل على وعد برفع إنتاج النفط السعودي من 11 إلى 13 مليون برميل يومياً، وليحضر قمة "الأمن والتنمية" مع دول مجلس التعاون الخليجي وثلاث دول عربية أخرى هي مصر والأردن والعراق.. وفي أجندته وهواجسه الرئيسة " دمج إسرائيل في المنطقة"، أي تطبيع و" بَرْهَمَة وتكامل وقيادة و.. و..
في البند الثالث من البيان الختامي لقمة "الأمن والتنمية" في جدة جاء النص الآتي:
3 ـ أكد القادة رؤيتهم المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة فى سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها، والتصدى المشترك للتحديات التى تواجهها، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية.".
فمن هي الدول المعنية بهذه الفقرة؟! أليست "إسرائيل" على رأسها؟! لم يجئ بايدن إلى قمة مع دول عربية ليلتزم أمامها تجاه دولة في المنطقة مثل إيران، والقمة كما خطط لها هو وحليفه الإسرائيلي تستهدفها.. لقد جاء لمصالح أمريكية على رأسها الطاقة، ولدمج "إسرائيل" في تكامل وتعاون وتحالف مع الدول العربية المجتمعة في جدة ووضعها في مواجهة إيران ليخوض العرب حرباً بالأصالة والوكالة ضد إيران يدفعون وحدهم تكاليفها دماً ومالاً، دفاعاً عن "إسرائيل" والمصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة بالدرجة الأولى.
إن حقيقة التوجه الأمريكي صارخة في وضوحها في هذا المجال، ويعززها تاريخ الولايات المتحدة الذي يغص بهذا النوع من الأفعال.
. لقد جاء لمصالح أمريكية على رأسها الطاقة، ولدمج "إسرائيل" في تكامل وتعاون وتحالف مع الدول العربية المجتمعة في جدة ووضعها في مواجهة إيران ليخوض العرب حرباً بالأصالة والوكالة ضد إيران يدفعون وحدهم تكاليفها دماً ومالاً، دفاعاً عن "إسرائيل" والمصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة بالدرجة الأولى.
لقد جاء بايدن إلى جدة، بعد أن وقع مع لابيد إعلان القدس الذي أشرنا إلى بعض ما جاء فيه من سياسات واستراتيجيات ومواقف وأهداف، لليحقق فيما يحقق الهدف الصهيو ـ أمريكي المنشود "دمج إسرائيل في المنطقة". وسعي بايدن إلى التقدم باتجاه هذا الهدف في قمة جدة، ومتابعة البناء على ما سبق وحققته الإدارات الأميركية "لإسرائيل" من خطوات على طريق التكامل والاندماج والقيادة والهيمنة.. ومتابعة العمل بهذا الاتجاه حتى بلوغه هو ما أكد عليه إعلان القدس، فقد ورد فيه بالنص: "تؤكد الدولتان أن اتفاقيات السلام والتطبيع التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب تشكل إضافة مهمة لمعاهدات السلام الإستراتيجية بين إسرائيل ومصر والأردن، وكلها مهمة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط ولقضية الأمن الإقليمي والازدهار والسلام.
تشير الدولتان إلى أن قمة النقب التاريخية ـ التي بدأها واستضافها رئيس الوزراء لبيد ـ كانت حدثاً بارزاً في الجهود الأمريكية الإسرائيلية المشتركة لبناء إطار إقليمي جديد يغير وجه الشرق الأوسط..
إن القول بأن بايدن لم ينجح خلال القمة بـ "دمج إسرائيل" في المنطقة أمر يحتاج إلى تدقيق في النهج الأمريكي ـ الإسرائيلي المتبع للوصول إلى ذلك الهدف، عبر خطوات ومراحل وبأساليب متنوعة، وتوسيع دائرة المنضوين العرب إلى ما يسمَّى "اتفاق إبراهام"، وقضم إرادة المترددين في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" والضغط عليهم حتى يطبعوا.
والذين يتابعون العمل لتحقيق هذا الهدف من قادة ورواد وأتباع، متفقون على أنه يحتاج إلى وقت وخطوات وبناء متدرج، وهم يعملون بشكل مستمر في هذا الاتجاه من خلال: شراكات تجارية واقتصادية ـ استثمارات مالية عربية في التقنيات والصناعات الإسرائيلية العسكرية وغير العسكرية ـ تسويق الغاز الذي تستخرجه "إسرائيل" من أرض فلسطين ومياهها الإقليمية في بلدان عربية عبر شركات مصرية وأردنية تُقْبِلُ عليه لضرورات إنتاج الكهرباء، وسيجعلون تلك البلدان لاحقاً مقيدة بقيود "إسرائيلية"، لأنها ستقع تحت رحمة المنتج والمصدر المتحكم ـ فتح أجواء عربية للطيران من تل أبيب وإليها.. ويعملون بالمخفي والمعْلَن من خلال تعاون عسكري "جوي بحري" تشارك فيه إسرائيل مع دول عربية، بعد أن "نُقلت المسؤولية عن التوظيف الإقليمي للجيش الإسرائيلي من "القيادة الأمريكية لأوروبا" المعروفة باسم "يوكوم" وإلحقت " إسرائيل" بالقيادة العسكرية الأمريكية الوسطى "سنتكوم CENTCOM"، وكان ذلك "بقرار أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" في 15 يناير 2021 بأمر من دونالد ترامب قبيل مغادرته البيت الأبيض."
وتم التنفيذ التام في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته. وجاء قرار الجنرال مايكل كوريلا قائد سنتكوم، إنشاء الفرقة 153 التابعة لقيادته لتعمل في البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي ضد إيران وضد الطيران المسيَّر، وتكون " إسرائيل" قائداً فاعلاً ومهيمناً في المنطقة من خلال سنتكوم.
لقد ورد في بيان "قمة جدة للأمن والتنمية" ما يستحق التوقف عنده مما يعزز دور "إسرائيل" وهيمنتها والعمل على التكامل معها. فنص البند الثامن من البيان يقول:
8 ـ جدد القادة دعمهم لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولهدف منع انتشار الأسلحة النووية فى المنطقة. كما جدد القادة دعوتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربى خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.".
ومن المهم التوقف عند استخدام عبارة "منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة"، بدلاً من استخدام عبارة "خلو المنطقة من الأسلحة النووية.." وهو ما دأبت الدول العربية على المطالبة به.. والهدف من استخدام هذه الصيغة في النص عدم المس بامتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي، وتأكيد "عدم انتشار تلك الأسلحة" لمنع آخرين من مجاراة "إسرائيل" في امتلاكها، وقد عززت التوجه نحو هذا الهدف وجعلَته أكثر وضوحاً تتمة نص الفقرة: "..
كما جدد القادة دعوتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربى خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.". فقد خُصَّتْ منطقة الخليج العربي بالخلو من أسلحة الدمار الشامل، ولم يشر إلى خلو المنطقة بكاملها بما فيها "إسرائيل" من تلك الأسلحة. وكأن الحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً لا يتحقق إلا بامتلاك "إسرائيل" وحدها لأسلحة الدمار والشامل ومنها الأسلحة النووية؟ وهو تكريس للهيمنة الإسرائيلية بالقوة النووية وغيرها.
إن القول بأن بايدن لم ينجح خلال القمة بـ "دمج إسرائيل" في المنطقة أمر يحتاج إلى تدقيق في النهج الأمريكي ـ الإسرائيلي المتبع للوصول إلى ذلك الهدف، عبر خطوات ومراحل وبأساليب متنوعة، وتوسيع دائرة المنضوين العرب إلى ما يسمَّى "اتفاق إبراهام"، وقضم إرادة المترددين في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" والضغط عليهم حتى يطبعوا.
ومن المؤكد أن تلك لم تكن تلك غفلة ممن وضعوا النص وإنما كانت ضمن التوجيه والتخطيط والتدبير الأمريكي الذي يكرس "الالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل ـ ولا سيما الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي ـ والاتزام الثابت بالحفاظ على قدرتها على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات."، كما جاء في إعلان القدس.
بناء على هذا وسواه مما سبق في تاريخ وتجارب أقول: لا تثقوا بالولايات المتحدة الأمريكية، فتاريخها منذ نشأتها وحتى اليوم تاريخ أسود، بدأ بالابادة الجماعية للهنود الحمر، وترسخ بالعبودية والتمييز العنصري، واستمر بالعدوان على الشعوب واستخدام القنابل الذرية في الحروب، وتدمير دول خدمة لإسرائيل ولمصالحها، ونهب ثروات شعوب والتآمر عليها والغدر بها.
إن الشراكة الاستراتيجية التي تكلم عنها الرئيس بايدن والممتدة لثمانين سنة مع السعودية ومن ثم مع دول الخليج العربي هي استمرار للاستغلال والنهب والاحتيال وتفتيت الصف العربي واستخدام العرب ضد العرب، والمسلمين ضد المسلمين، لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.. وهو تاريخ من الاستغفال والغدر والتآمر على حركة التحرر العربي، وعلى أشكال الوحدة والتضامن العربيين.. ولن يكون اللاحق في هذه العلاقة أفضل من السابق.
إن على من يبنون على "شراكات استراتيجية" مع الولايات المتحدة الأميركية أن يتذكروا أن ضعفهم الذي يلجئهم للاحتماء بالأمريكيين والغربيين والإسرائيليين سوف يبقى ويتفاقم ما داموا يتنصَّلون من انتمائهم العربي ومسؤولياتهم القومية، ويتخذون أعداء العروبة والإسلام أولياء وحلفاء، يستقوون بهم على شعوبهم وعلى الأمتين العربية والإسلامية.. وما يهتمون بالمنافع ويهجرون المبادئ، وينصرون الباطل ويُضعفون الحق والعدل، وداموا متفرقين متناحرين يتراكضون على الاستظلال بظل من لا أمان له ولا عهد ولا ذمَّة.
إن عليهم أن يستفيدوا من تجاربهم السابقة مع هؤلاء، ومن تجارب دول وحكومات وشعوب أخرى معهم. إن الولايات المتحدة الأمريكية تتبع نهجاً مزدوجاً في شراكاتها وتعاملها مع شركائها وفي اتفاقياتها، واستقراء الحودث والتجارب والتاريخ يفيد بأن لها صنفين من التعامل أو المواقف مع شراكات وشركاء واتفاقيات ومعاهدات:
1 ـ صنف الشراكات والإتفاقيات مع الدول العظمى والأقوياء في العالم.. وهذا الصنف يحكمه توافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي "في مجلسي النواب والشيوخ"، ويتم بتوقيع اتفاقيات ذات نصوص مُحكَمة ومرجعيات قانونية دولية، ولا تستطيع إدارة من الإدارات أن تنقضها أو تغيرها أو تعدلها دون العودة إلى المؤسسات الحاكمة والحوار مع الطرف الشريك. وقد تتعرض هذه الشراكات والاتفاقيات للزعزعة في حالات لكنها لا تتعرض للنقض من إدارة تختلف مع/ عن إدارة، وتبقى محكومة بالمؤسسات والمرجعيات القانونية.. وإذا ما اقتضت الضرورات والمتغيرات والاستراتيجيات تعديلها أو إلغاءها فإن ذلك يتم حسب أصول وتفاوض وتوافق.
2 ـ وصنف الشراكات مع مَن تراهم الإدارات الأمريكية منافع ومراتع وأتباعاً وبائعين ومشترين وهامشيين وخائفين يلوذون بها ويحتاجون إليها ويدفعون لها ثمن حمايتها لهم.. وهؤلاء ترى فيهم مكاب ومنافع ومغانم، وتوظفهم أدوات ومخالب، وتجدهم سوقاً لسلعها وفائض أسلحتها وتقنياتها القديمة فتبيعها لهم مع التحكم باستعمالها، وتحديد من لا يجوز استخدامها ضدهم في أية حرب، و"إسرائيل" مثلاً بصورة مطلقة. وهذه الشراكات والاتفاقيات تنفذ وتستمر ولا يُنْقَلَب عليها ما دامت تجر المنفعة التامة والحصرية للولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" وتعود بالنفع عليهما وعلى من يتعاملون معها في السر والعلن، وقد تتلاعب بالمواقف منها إدارة أكثر من إدارة، حسب المصلح الحزبية والشخصية.. فإذا تغيرت المصلحة والاستراتيجية العميقة للولايات المتحدة الأميركية، أو مصلحة إدارة من الإدارات فإنها تنقضها أو تنقلب عليها أو تعطلها بقرار منها أو تبتز باسم ذلك.. ويختلف الموقف السياسي والقرار والمصلحة من إدارة لإدارة.
إن الشراكة الاستراتيجية التي تكلم عنها الرئيس بايدن والممتدة لثمانين سنة مع السعودية ومن ثم مع دول الخليج العربي هي استمرار للاستغلال والنهب والاحتيال وتفتيت الصف العربي واستخدام العرب ضد العرب، والمسلمين ضد المسلمين، لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني..
ولذا يمكن القول إنه عند التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية يجدر بالمتعامل من الصنف الثاني على الخصوص أن تأخذ بالاعتبار أنه لا تتعامل مع دولة وإنما مع إدارة.. فكثيراً ما تنقض إدارة ما أقرته وأبرمته إدارة أخرى من اتفاقيات وشراكات، وتنقلب على ما تعهدت به ووقعت عليه.. ولذا لا يجوز أن يثق " شركاء الصنف الثاني" على الخصوص بعهود الولايات المتحدة الأمريكية والشراكات معها، لأنها دولةٌ قُلَّب، ومزدوجة المعايير، وتراعي أصول تعامل مع أطراف دولية قوية لا تراعيها مع أطراف أخرى ضعيفة أو تابعة أو مستهدفة بالابتزاز والنهب والعدوان.
وينبغي ملاحظة أن "لإسرائيل" دوراً مؤثراً بل وحاسماً أحياناً فيما يتعلق بالتعامل والشراكات مع الدول العربية خاصة ودول منطقة الشرق الأوسط عامة، وأن "إسرائيل" تدير ملفات أميركية في المنطقة وتحكم القرار والأمثلة على ذلك كثيرة.
وعلى الذين يدْعون اليوم للثقة بإدارة بايدين، ويوقعون معها "شراكات استراتيجية"، وينتقلون من حضن ترامب إلى حضنها، ويرونها إدارة أفضل، ألا تغرهم كثيراً مساحيق التجميل التي تضعها إدارة بايدن على وجهها حين تقابل عرباً عامة وفلسطينيين خاصة أو تناور خصومها بهم.. وعليهم أن يحسنوا القراءة والمقارنة والتذكر والاستنتاج، لا سيما فيما يتعلق " بإسرائيل" وعلاقاتها بالإدارات الأمريكية. فما أقره واتخذه العنصري المضطرب المهووس دونالد ترامب لصالح "إسرائيل" من قرارات مهمة لم ينقضه بايدن بل رواغ بشأنه وتحايل عليه.. فمثلاً لم يعد السفارة من القدس إلى تل أبيب، ولم يفتح قنصلية للفلسطينيين في القدس الشرقية، ولم يرفع منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة الإرهاب الأمريكية، ووافق على حل الدولتين وقال "إنه بعيد المنال".
وفي إعلان القدس وقع بايدن باسم الولايات المتحدة الأمريكية على نص يقول: "تدين الدولتان سلسلة الهجمات الإرهابية المؤسفة ضد المواطنين الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة، وتؤكد على ضرورة مواجهة القوى المتطرفة، مثل (حركة) حماس التي تسعى إلى تأجيج التوتر والتحريض على العنف والإرهاب.".. ولم يذكر في لقائه مع عباس في بيت لحم قتلَ "إسرائيل" لـ 68 فلسطينياً وإيقاع مئات الجرحى الفلسطينيين خلال المدة ذاتها، ولا تدنيس قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى، وضرب المصلين والمعتصمين فيه، والاعتداء على النساء الفلسطينيات في قبة الصخرة، ولا أفعال المستوطنين الوحشية وهمجية شرطة الاحتلال وجيشه ووحشيتهم في عدوانهم على المدنيين الفلسطينيين العُزَّل.. وعليهم أن يتذكروا أيضاً أنه لم يبق في عمر هذه الإدارة المزعزَعة سوى سنتين وبعدها قد يتم انقلاب عليها وقد تنقلب على ما صرحت به ولم توقع عليه إذا ما تم التجديد لها.
فتذكروا واتعظوا يا أولي الألباب.
قمة جدة.. هل خابت التوقعات بتشكيل تحالف أمريكي عربي إسرائيلي؟
جولة بايدن بين الأرقام الصلبة والحقائق الرخوة
الليبرالية العربية والتبعية المفرطة للعقلية الغربية