لم تحقق القمم الإقليمية التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسابيع القليلة الماضية أهدافها؛ في حشد الجهود لمواجهة العملية الروسية في أوكرانيا أو في احتواء ومحاصرة الصين، أو حتى في تجديد الزعامة والقيادة الأمريكية في الأقاليم المضطربة.
وسواء كانت تلك القمم في طوكيو بحضور زعماء مجموعة "كواد" (Quad) للحوار الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا والهند والولايات المتحدة واليابان في 24 أيار/ مايو الفائت، أو قمة لوس أنجلوس في الولايات المتحدة لدول الأمريكتين في السادس من حزيران/ يونيو الحالي؛ فإن القمم المعلنة لم تحقق غاياتها بدعم جهود حصار روسيا والصين عبر إحياء تجمعات وشراكات إقليمية تتزعمها واشنطن.
النتيجة ذاتها المتوقعة لقمة جدة في السعودية التي ستضم الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعماء تسع دول عربية تمثل دول مجلس التعاون الخليجي + 3 (الأردن والعراق ومصر)، وهو تجمع إقليمي يضم دولا تحوي ثروات نفطية واتفاقات سياسية مع الكيان الإسرائيلي الذي تسعى أمريكا لتسويقه كقوة ووكيل إقليمي لمصالحها.
القمم الأمريكية خلال الأسابيع القليلة الفائتة لإحياء التجمعات الإقليمية والتحالفات والشراكات تقدم نموذجا قابلا للتطبيق في جدة الشهر المقبل؛ إذ شهدت قمة طوكيو ولوس أنجلوس مساومات معقدة وسقوفا مرتفعة على غير العادة. فالهند العضو الفاعل في مجموعة كواد؛ رفضت وقف واردتها من النفط الروسي، بل ضاعفت من حجم واردتها واتجهت لملء الفراغ الناجم عن انسحاب الشركات الأوروبية والأمريكية من السوق الروسية، مستفيدة من أسعار النفط والغاز المنخفض ومن العروض المغرية للاستثمار في قطاع الطاقة الروسي.
القمم الأمريكية خلال الأسابيع القليلة الفائتة لإحياء التجمعات الإقليمية والتحالفات والشراكات تقدم نموذجا قابلا للتطبيق في جدة الشهر المقبل؛ إذ شهدت قمة طوكيو ولوس أنجلوس مساومات معقدة وسقوفا مرتفعة على غير العا
أما في أمريكا اللاتينية، فقد رفع الرئيس المكسيكي أندريس أوبرادور سقف بلاده في التعامل مع واشنطن وأجندتها الإقليمية بتغيبه عن قمة الأمريكتين؛ ومناداته عبر وزير خارجيته بتعديل سياسات الهجرة الأمريكية، ووقف صادرات شركات السلاح الأمريكي الخفيفة والآلية التي تستخدمها العصابات على طرفي الحدود؛ معيقة عمل الشرطة والجيش المكسيكي في مكافحة الجريمة وعصابات الإجرام وتهريب المخدرات والبشر، ومتسببة بوفاة الألف من المكسيكيين.
تغيّب عن القمة الأمريكية رؤساء دول المثلث الذهبي (الدول المصدرة للمهاجرين) السلفادور وغواتيمالا وهندوراس؛ بحجة حرمان فنزويلا وكوبا وغواتيمالا من حضور قمة الأمريكيتين، واحتجاجا على السياسات العدائية تجاه المهاجرين من أمريكا اللاتينية؛ فأمريكا تفقد السيطرة على ما كانت تسميه في أدبياتها السياسية "حديقتها الخلفية" بحسب "مبدأ مونرو" المعلن في العام 1823.
قمة الأمريكتين تحولت إلى فشل أمريكي واضح بعد عجزها عن ترميم العلاقة مع دول أمريكا اللاتينية، إثر العطب الذي أصابها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب؛ كما فشلت في حشد دول القارة لوقف التغلغل الصيني والروسي في القارة الأمريكية، سواء غبر الاستثمارات أو التعاون العسكري. فالصين وروسيا باتت الشريك الأساسي لعدد كبير من دول القارة وعلى رأسها البرازيل، عبر انضوائها تحت لواء دول "بريكس" الذي يضم كلا من جنوب أفريقيا والهند والبرازيل والصين وروسيا، واستحواذها على أحد أكبر مناجم الليثيوم (المرتبط بصناعة البطاريات) في الأرجنتين من الشركات الكندية.
مشهد سيتكرر في جدة منتصف الشهر المقبل (تموز/ يوليو) خلال لقاء بايدن بقادة الدول العربية التسع، وخصوصا الدول النفطية الخليجية والعراق التي تقارب احتياطاتها 40 في المئة من احتياطات العالم من النفط، إلى جانب إمكانات واعدة فيما بتعلق بالطاقة الخضراء
وأخيرا فشل أمريكي في الحد من التمدد العسكري الروسي في القارة اللاتينية عبر المستشارين العسكريين الروس في كل من فنزويلا وكوبا، مع توقعات بانضمام غواتيملا بعد فوز الزعيم التاريخي للبلاد أورتيغا برئاسة البلاد؛ حضور عسكري لم تغب عنه طهران التي أرسلت وفدا عسكرية ومستشارين إلى فنزويلا، فضلا عن خبراء ومختصين في قطاع الطاقة.
القمم الأمريكية في لوس أنجلوس وطوكيو لم تنجح في تحقيق أهدافها بعد أن رفعت الدول المشاركة سقوفها السياسية والاقتصادية، مستفيدة من هامش المناورة الناجم عن حاجة واشنطن لتعاون الدول المشاركة في محاصرة الصين وروسيا بالانضمام لجهود الحرب في أوكرانيا، سواء عبر إدانة روسيا ومحاصرتها أو عبر تقديم الدعم لأوكرانيا.
مشهد سيتكرر في جدة منتصف الشهر المقبل (تموز/ يوليو) خلال لقاء بايدن بقادة الدول العربية التسع، وخصوصا الدول النفطية الخليجية والعراق التي تقارب احتياطاتها 40 في المئة من احتياطات العالم من النفط، إلى جانب إمكانات واعدة فيما بتعلق بالطاقة الخضراء (الهيدروجين) والطاقة الشمسية المتجددة.
سقوف يصعب تحقيقها إن تمكن الكيان الإسرائيلي المأزوم داخليا وإقليميا من فرض أجندته على قمة جدة عبر الشريك الأمريكي أو عبر الاتفاقات التطبيعية الموقعة مع عدد من الدول العربية المشاركة في القمة؛ ما يعني خسارة فرصة تاريخية لتعزيز مكانة القوى الإقليمية العربية
قمة جدة محاولة أمريكية لتجديد الشراكة الاستراتيجية التاريخية التي بدأت بلقاء الرئيس الأمريكي روزفلت بالعاهل السعودي عبد العزيز بن سعود، في البحيرات المرة العام 1945.
قمة تتطلب رفع السقوف العربية أسوة بدول أمريكا اللاتينية ودول "كواد"، لتتناسب مع المتغيرات التي أعقبت الصراع في أوكرانيا وتعاظم الحاجة الأمريكية والأوروبية للنفط والغاز العربي، لمعالجة مشكلة التضخم والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أوروبا وأمريكا.
سقوف يصعب تحقيقها إن تمكن الكيان الإسرائيلي المأزوم داخليا وإقليميا من فرض أجندته على قمة جدة عبر الشريك الأمريكي أو عبر الاتفاقات التطبيعية الموقعة مع عدد من الدول العربية المشاركة في القمة؛ ما يعني خسارة فرصة تاريخية لتعزيز مكانة القوى الإقليمية العربية بإعادة توجيهها لخدمة المشروع الاستعماري الصهيوني وخدمته، فاتحة الباب لعملية استنزف كبيرة لموارد الدول العربية وإمكاناتها في صراعات؛ لا تكاد تنتهي مع روسيا والصين حتى تتجدد.
twitter.com/hma36