نشرت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" الثلاثاء الماضي، المجموعة الكاملة من الصور الأولى التي التقطها التلسكوب جيمس ويب الذي يعد الأقوى من نوعه على الإطلاق.
وفي لقطات تكرس بداية حقبة جديدة في علم الفلك انتظرها العلماء سنوات طويلة تضمن البرنامج بثا مباشرا مدته ساعة من الوقت تخلله نشر الصور الواحدة تلو الأخرى والتي تظهر سديمين (هما مجموعتان من الأجرام السماوية) يبينان دورة حياة النجوم، وكوكبا خارج النظام الشمسي، ومجموعة متراصة من المجرات.
وقدّمت ناسا الصور للعالم، للتدليل على جاهزية التلسكوب للبدء في مشاريع علمية.
وتتمثل إحدى المهام الرئيسية لتلكسوب جيمس ويب، تحفة الهندسة الفضائية بتكلفة بلغت 10 مليارات دولار، في استكشاف العصور المبكرة للكون.
وفي علم الفلك، يوازي الغوص في الفضاء عودة في الزمن إلى الوراء، فالضوء المرصود قد سافر لمليارات السنين قبل أن يصل إلينا.
ووجّه تلسكوب ويب بحيث يرصد السماء في طيف الأشعة تحت الحمراء - وذلك الضوءَ الكامن على مسافات لا تدركها العين المجردة.
وعلق عالم الفلك في جامعة كورنيل جوناثان لونين لوكالة "فرانس برس" قائلا: "لقد بدأت حقبة جديدة في علم الفلك"، واصفا الصورة بأنها "رائعة".
وأضاف: "رغم أن (هذه الصورة) ليست بأي حال من الأحوال أبعد ما يمكن أن يراه (التلسكوب جيمس) ويب... فإنها تظهر قوة هذا التلسكوب الرائع: حساسية هائلة، ونطاق واسع من الأطوال الموجية، ووضوح كبير للصورة".
وسيمكن نشر المجموعة الكاملة من الصور الخبراء من البدء في تفسير البيانات التي جُمعت باستخدام برامج مخصصة، ما يعطي إشارة البدء لمغامرة علمية رائعة.
وسيتمكن تلسكوب ويب بذلك من سبر أعماق الكون بدرجة أكبر مما كان يستطيع تلسكوب هابل السابق. ومن ثمّ الوقوف على أحداث وقعت في أزمنة غابرة - قبل نحو 13.5 مليار عام.
ويعوّل الفلكيون على قدرات تلسكوب ويب التقنية الحديثة في دراسة الأغلفة الجوية للكواكب التابعة لمجرة درب التبانة أملا في الكشف عن آثار للحياة، بحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية.
وتعدّ هذه الدفعة من الصور بمثابة قطرة أولى من غيث قادم، بحسب الباحثة البريطانية جيليان رايت التي تقول إنك "متى نظرتَ إلى السماء بطريقة جديدة، شاهدتَ أشياء لم تكن تتوقع مشاهدتها".
وتضيف رايت، التي تعمل مديرة لمركز تكنولوجيا الفضاء بالمملكة المتحدة، لـ"بي بي سي": "حقيقة أن هذه المعلومات الجديدة مبشرّة، وأنها ذات جودة عالية، وأن التلسكوب رصدها في غضون ساعات معدودة - تقول هذه الحقيقة ببساطة إن ثمة مزيدا من الاكتشافات تنتظر الإعلان عنها".
سديم كارينا (سحابة القاعدة)
كان سديم كارينا هدفا كلاسيكيا لتلسكوب هابل - السابق لويب- لكننا عبر التلسكوب الأخير وصلنا إلى نتيجة مغايرة تماما.
وتعدّ سحابة كارينا إحدى أكبر السُدم في السماء وأكثرها لمعانا. ويقع سديم كارينا على مسافة 7,600 سنة ضوئية من كوكب الأرض.
والسديم على ما يعرفه الفلكيون عبارة عن حاضنة للنجوم تبدو كسحائب هائلة من الغاز والغبار تتشكّل فيها نجوم جديدة.
ولا يمكننا في غير هذه الصورة، التي رصدها تلسكوب ويب، أن نرى النجوم. وليس هذا فحسب؛ بل إننا نرى سحائب الغاز والغبار.
ويشير الفلكيون هنا إلى ما يمكن وصفه بأنه حواجز من تلال كونية تفصل بين غبار قابع في النصف السفلي، وغاز في النصف العلوي.
ويتمثّل أحد الأهداف التي ينشد تلسكوب ويب تحقيقها في دراسة كيف تتكوّن النجوم. ويعدّ سديم كارينا مكانا مثاليا لتحقيق هذا الهدف.
سماكس 0723
ضوء قادم من مجرات يستغرق مليارات السنين حتى يصل إلينا
سماكس 0723 هي كوكبة هائلة من المجرات. ويصفها الفلكيون بأنها "عدسات جاذبة"، وسبب ذلك أنها تجمّع الضوء المنبعث عن الأجرام البعيدة وتضخّمه.
وفي كل وجهة يمكن رؤية تكوين يشبه القوس - وهذا التكوين أو القوس هو في حقيقة أمره مجرّة بعيدة جدًا سواء في المكان أو الزمان. نعم؛ فالضوء القادم من بعض تلك الأقواس يستغرق أكثر من 13 مليار سنة حتى يصل إلينا.
وثمة شيء غريب بعض الشيء هنا - هو أن بعضا من تلك الأقواس المنتثرة على جانبي الصورة هي في الحقيقة نفس الأجرام غير أن ضوءها تم اجتذابه من قِبل عدسات سماكس 0723 من أكثر من اتجاه.
سديم الحلقة الجنوبي (الانفجارات الثمانية)
سديم الحلقة الجنوبي، أو سديم الانفجارات الثمانية، هو غلاف عملاق مترامي الأطراف من الغاز والغبار الناجم عن احتراقٍ قديمٍ لنجم هو الآن منطفئ في القلب من هذا السديم.
وعندما تتقدم النجوم في العمر، تلجأ إلى تغيير الطريقة التي تُنتج عبرها الطاقة، كما تنفض عن نفسها أغلفتها الخارجية. لكن ما أنْ تعود الحرارة إلى قلب النجم، حتى يمدّ بالطاقة كل تلك الأغلفة التي سبق ولفَظها.
ويبلغ طول قطر سديم الحلقة الجنوبي حوالي نصف سنة ضوئية. ويقع السديم على مسافة تناهز 2000 سنة ضوئية من كوكب الأرض.
ويسمى هذا النوع من الأجرام السماوية بـ"السديم الكوكبي"، وإنْ كان في واقع الأمر، لا علاقة له بالكواكب، وإنما أُطلق عليه هذا الاسم بالخطأ، إبان العهود الأولى للتلسكوبات، التي لم تكن لها قدرة الرصد التي تحظى بها نظائرها اليوم.
وكما ينشد القائمون على تلسكوب ويب معرفة كيف تولد النجوم، فإنهم ينشدون أيضا معرفة كيف تموت.
خماسية ستيفان
هناك على مسافة 290 مليون سنة ضوئية، تقع خماسية ستيفان في السماء الشمالية، حيث كوكبة من خمس مجرات تُعرف باسم الحصان المجنّح.
وكانت خماسية ستيفان أولى المجرات المجتمِعة التي يتم اكتشافها على الإطلاق. ومن هذه المجرات الخمس، ثمة أربع تتخذ حركة راقصة متكررة في مدارٍ مغلق ضيق.
وللوهلة الأولى، لا تبدو هذه الصورة التي التقطها تلسكوب ويب مختلفة عن صورة سابقة التقطها تلسكوب هابل، غير أن حساسية الصورة الجديدة المأخوذة في ضوء الأشعة تحت الحمراء تُبرز معالم جديدة للفلكيين.
وكان ذلك هو المأمول: أن يتكامل تلسكوب جيمس ويب مع سابقه - هابل؛ فلكل منهما نقاط قوته، ومن شأن المقابلة بين الصور التي يلتقطها كل منهما أن تفيد الباحثين في دراساتهم الفلكية.
ولسنا نعرف إلى متى سيظل العلماء يستخدمون تلسكوب هابل البالغ من العمر 32 عاما والذي بدأ يعاني مشكلات تقنية. لكن المسؤولين في ناسا عن هابل قد رصدوا له خطة ميزانية لا يزيد عمرها على خمس سنوات. ومع ذلك لا يجب أن نفقد الأمل.
واسب - 96 بي
وهذه ليست مجرد صورة جميلة. إنها طيف. ويتمثل نصْف ما يفعله تلسكوب ويب في عمل دراسات بالمجهر الطيفي.
ويشمل ذلك تفتيت الضوء إلى عناصره التكوينية من "ألوان"، وذلك للكشف عن أشياء تتعلق بخصائص الجُرم المستهدف - مِمَّ يتكون؟ وما مدى السرعة التي يتحرك بها؟ وما درجة حرارته؟ وغير ذلك.
وما في هذه الصورة هو طيف التقطه تلسكوب ويب للغلاف الجوي لكوكب عملاق يُدعى "واسب-96بي" ويقع خارج نظامنا الشمسي على مسافة نحو 1,150 سنة ضوئية من كوكب الأرض.
ويشبه "واسب-96بي" كوكب المشتري بعض الشيء؛ بما عليه من غلاف كبير من الغاز.
ويتمتع تلسكوب جيمس ويب بالقدرة على تمييز الجزيئات في الغلاف الجوي بدقة مدهشة. وتظهر في الصورة بوضوح علامات تدلّ على بخار الماء.
ولا يعدّ "واسب-96بي" كوكبا صالحا للحياة؛ فهو قريب جدا من النجم الذي يتبع مجموعته، ومن ثمّ فهو شديد الحرارة.
لكن تلسكوب ويب سيوجَّه صوب الكواكب ذات الأغلفة الجوية الشبيهة بغلاف كوكب الأرض. وعندها نتساءل عن إمكانية تعمير الإنسان لتلك الكواكب.