قال الخبير الأمريكي في شؤون مصر والشرق الأوسط، روبرت سبرنغبورغ، إن رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يبيع أصول مصر بثمن بخس، مؤكدا أن الدعم الخليجي لنظامه لم يعد شيكا على بياض كما كان عليه الحال في العام 2013.
وأضاف سبرنغبورغ، في مقابلة مطولة مع الإعلامي أسامة جاويش في برنامج "آخر كلام" وبثته فضائية مكملين، أن ثمة ثمنا ستدفعه مصر مقابل اعتمادها على الخليج، لافتا إلى أنه على الرغم من أن السعودية والإمارات مولتا وصول السيسي إلى السلطة وتمكنه منها، إلا أنه توجد الآن بعض الخلافات بينهم، وقدر معين من عدم الثقة، جعل الرياض وأبو ظبي أكثر تشددا فيما تقدمان من دعم للسيسي.
ويعد سبرنغبورغ أحد أهم الخبراء العالميين البارزين في الشأن المصري وله العديد من المؤلفات عن مصر، وعمل مديرا لمركز الأبحاث الأمريكي في مصر حتى 2013 وأستاذا لشؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية ومديراً لبرنامج الشرق الأوسط بمركز العلاقات المدنية العسكرية.
اقرأ أيضا: ابن سلمان يعد السيسي بضخ استثمارات تبلغ 30 مليار دولار
ومطلع العام الجاري، نشر سبرنغبورغ، وهو أستاذ الدراسات الدولية المرموق في جامعة سيمون فريزر، والباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، دراسة تحت عنوان "تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي" خلص فيها إلى أن مصر أصبحت دولة متسولة في عهد السيسي، بعد أن غدت واحدة من أكثر الدول مديونية في العالم، من حيث الكم الإجمالي، والذي يبلغ 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما تشهده من تراجع شديد في الدخل من العملات الأجنبية وفي تحويلات المصريين بالخارج دفعها لتسول العملات الأجنبية من صندوق النقد الدولي ودول خليجية.
وتابع بالقول إن "المال الساخن الذي تدفق إلى داخل مصر قد عاد وخرج منها عشرون ملياراً خرجت مع بداية فترة الكوفيد وعشرون ملياراً خرجت الآن بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وكما قال تقرير مودي الذي صدر قبل ثلاثة أسابيع من المستبعد أن نرى كميات كبيرة من العملات الأجنبية تدخل تارة أخرى".
"احتمالات سقوط السيسي"
وحول توقعه لمستقبل السيسي في حكم مصر، وإمكانية اندلاع ثورة جديدة بالبلاد احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أوضح سبرنغبورغ، أن دول الخليج لا ترغب في رؤية السيسي ينهار بالكامل، ولكنها في نفس الوقت لا تريد له أن يكون مستقلا، مستطردا: "هم يسيرون على خط رفيع اقتصاديا وسياسيا".
وتابع: "وقعت الدول الخليجية على اتفاقات كثيرة على شكل استثمارات ومشتريات أصول الدولة في مصر. فمحمد بن زايد على سبيل المثال جدد وديعة من قبل الحكومة الإماراتية مودعة في مصرف مصر المركزي، ولكن في نفس الوقت قام بشراء أسهم حكومية بما قدره 25 بالمئة من مجمل الأسهم التي أصدرها البنك التجاري الدولي أكبر بنك في مصر، وتكرر الأمر مع مصنع أسمدة أبو قير أكثر الشركات ربحا في مصر، وكذلك شركة فوري، الرائدة في تقديم الخدمات المالية الإلكترونية للمواطنين والشركات".
وأردف: "مثل الإماراتيين، قرر حكام الخليج الآخرون، شراء بعض الأصول المصرية بأسعار زهيدة نسبيا، مع الوضع في الاعتبار أنهم لن يتركوا للسيسي العنان من خلال إيداع الأموال في البنك المركزي حتى يتصرف بها كيف يشاء كما كان يحدث سابقا، بل سوف يجلسون في مقعد القيادة يقررون أين ستذهب الأموال للتأكد من أنهم بالفعل سوف يستفيدون منها".
وفي رؤيته لدور الجيش المصري لمنع انهيار نظام السيسي على المستويين الاقتصادي والسياسي، قال سبرنغبورغ، إن "الجيش المصري مجرد رمز لقوة الدولة أكثر من كونه قوة عسكرية فاعلة، وهذا مفهوم لدى أصدقاء مصر بأن السيسي يعتمد على العسكر لأجل دعم نظامه السياسي، وهذا يعني أن الجيش هو مفتاح بقاء نظام السيسي في الحكم، ومن يريد ذلك فعليه دعم هذا النظام العسكري، وبعض هذا الدعم يأتي من المنظومة الاقتصادية في مصر، وبعضه يأتي في شكل عقود للتسليح حتى تبقى ضمن القوى العسكرية الأكبر في العالم، ولذلك مصر الآن في قائمة الخمس الأولى في سوق التسلح العالمي، وهذا أمر عجيب في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي بالبلاد"، وأضاف أن "هذه ظاهرة تستحق الملاحظة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن مصر من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى..حيث لم يوجد في التاريخ على الإطلاق بلد آخر ذو دخل متوسط منخفض أنفق مثل هذا الكم الهائل من المال على الأسلحة كنسبة من أصوله الإجمالية".
وعلى الرغم من أهمية الجيش لبقاء السيسي، إلا أن سبرنغبورغ يعتقد أن من المهم ملاحظة أن هذا الجيش لم يفعل شيئا مؤثرا خارجيا أو داخليا، "فلم يتدخل في اليمن أو في ليبيا ولم يفلح في إخماد التمرد في سيناء ولم يتمكن من الاستقلال ذاتياً عن موردي السلاح الذي يحصل عليه من الخارج".
وأضاف الباحث في الشؤون المصرية أن مصر "بدأت في الحصول على طائرات إف 16 في الثمانينيات
ومازالت عالة على المقاولين الأمريكيين في صيانة تلك الطائرات على الرغم من اتفاق تم التوصل إليه في الثمانينيات يقضي بأن تقود مصر وتنفذ برامج التدريب اللازمة لصيانة هذه الطائرات ولكنها مازالت غير قادرة على القيام بذلك". وتابع: "ومثلما هو الحال في الاعتماد على الفنيين العسكريين الأمريكيين
فإن هذا هو الحال أيضا مع طائرات رافائيل، من حيث الاعتماد على الفنيين الفرنسيين، وكذلك الأمر مع الإيطاليين في حالة اثنتين من سفنهم، وكذلك مع الروس في حالة طائرات السوخوي .. وهكذا"، معتبرا أن هذا يدل على أن "الجيش المصري لم يزل عالة على العالم الخارجي في عملياته، وهذا يجعل من المستحيل على القيام بأي عمليات عسكرية مهمة بدون دعم من أولئك الشركاء الأجانب
وهو ما يفرض قيوداً صارمة على ما قد ترجو مصر فعله بجيشها".
وأشار سبرنغبورغ، إلى أن مؤشرات تدهور الوضع المعيشي في مصر لا تقتصر فقط على تلاشي الدخل، بل تراجع الخدمات العامة أيضا، سواء كانت الخدمات الصحية أو التعليم أو المواصلات العامة وتوفير المياه، وجميع متطلبات الحياة الأساسية للمصريين التي باتت أعلى تكلفة وأصعب منالا.
وحول توقعه بحدوث ثورة شعبية ضد السيسي احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية، قال: "لا توجد منطقة محايدة بين نظام السيسي وما قد يحدث في الشارع، ولذلك فالمواجهة إن حدثت ستكون أشد بكثير، وستكون لا محالة أشد عنفا عما كانت عليه في 2011"، مستبعدا تكرار حالة الثورات السلمية في مصر أو أي دولة عربية على غرار "الربيع العربي".
فرص الخروج من الأزمة
وأكد الخبير الأمريكي، أن مصر تواجه انهيارا اقتصاديا وأزمة اقتصادية خانقة، وفرص الخروج من هذه الأزمة هي فرص محدودة، والذي رأيناه خلال الأسابيع الماضية يعكس فشل المنظومة الفكرية للسيسي، وهذا ما وجدناه في خصخصة عشرات القطاعات المصرية الحكومية، ما يؤكد أنه لا يوجد في مصر اقتصادي يمكنه تقديم بديل للنموذج الاقتصادي الحالي وذلك لأن الاقتصاديين العاملين للحكومة هم صيارفة وليسوا اقتصاديين في الحقيقة، ووظيفتهم هي السعي للحصول على عملات أجنبية".
ولفت إلى أن "فكرة الخصخصة القائمة على بيع كل ما يتسنى لك من أجل الحصول على عملات أجنبية ليست استراتيجية اقتصادية، والعالم يعرف ذلك وتعرفه وكالات التصنيف، وهذه المقاربة هي بالضبط مثلما حدث في لبنان في عام 2018، وضعوا استراتيجية سياسية وليست اقتصادية".
اقرأ أيضا: لماذا أغضب تشكيل هيئة "الحوار الوطني" المعارضة في مصر؟
وقال الخبير الأمريكي إن الحوار الوطني الذي أعلن عنه السيسي مؤخرا "هو أكثر حوار وطني بائس رأيته في حياتي"، مضيفا أنه مجرد لقطات لإظهاره وكأنما يقوم بشيء من أجل إخراج مصر من أزمتها الماحقة، وهي محاولات تفتقد إلى المصداقية، أو القدرة على إقناع المستثمرين والسوق في قدرته على إدارة مصر وإخراجها من الأزمة الحالية.
وتابع: "هناك بلا ريب أناس داخل النظام نفسه يعتقدون أن هذا الرجل غير قادر على إخراج مصر من الوحل الذي توجد فيه حاليا، ولذا إذا ازدادت الأمور سوءا يصبح السؤال كالتالي: ماذا عساها تكون ردود أولئك الذين يملكون خلعه من الداخل؟ (..) ولا بد أن هذا الأمر يقلق السيسي، وسوف يحتاج لأن يقضي وقتا أطول يتحسب من الانقلاب وفي التأكد من أن أجهزة مخابراته يقومون بما يلزم من أجل حمايته وهذا سيزيد من صعوبة الأمر عليه".
"تدهور غير مسبوق"
وفي حديثه عن مؤشرات التدهور المعيشي والاقتصادي، قال سبرنغبورغ، إن مشاركة المصريين في القوة العاملة لم تزل تتراجع باضطراد، فهي تزيد الآن قليلا عن 40 بالمئة من المنتمين للفئة العمرية المناسبة الذين يعملون فعليا في الوقت الحاضر، وهي واحدة من أدنى معدلات مشاركة القوة العاملة في العالم، ولم تزل تنخفض باضطراد منذ أن استولى السيسي والعسكر على السلطة"، مستطردا: "60 بالمئة من المصريين المؤهلين لا يعملون، ولم يحدث بتاتا من قبل أن اقتربت النسبة من ذلك".
وأضاف: "لم تزل مصر خلال السنوات الثلاث الماضية تدفع ثاني أعلى معدلات فائدة في العالم، ومعدل الفائدة الذي يدفع على ديون مصر المحلية والخارجية يقترب من خمسين بالمئة من إجمالي نفقات الميزانية وما يقرب من 40 بالمئة من الإيرادات الإجمالية".
وأشار الخبير الأمريكي إلى "أن ما يقرب من ثلث المصريين يعيشون الآن في حالة من الفقر أي يعيشون على أقل من 1.6 دولار في اليوم.. وإذا ما أخذنا بالاعتبار التضخم الذي تبلغ نسبته الآن 15 بالمائة
فلا مفر من أن ارتفاعاً كبيراً سيطرأ على مستوى الفقر وهو حادث فعلاً"، بحسب قوله.
ومن مؤشرات التدهور المعيشي، بحسب سبرنغبورغ، انحطاط التعليم الحكومي، وانحطاط خدمات الصحة العامة، لافتا إلى أن جميع القياسات الدولية الرئيسية التي تقدمها الأمم المتحدة والبنك الدولي تثبت أن نظام التعليم الابتدائي الحكومي في مصر يحتل المرتبة 134 من بين 137 بلداً تم القياس فيها، ولا يكاد يوجد أسوأ من ذلك، وهو مؤشر لانحطاط كبير في الجودة الإجمالية لتنمية الموارد البشرية في مصر، التي أصبحت من السمات المميزة لنظام السيسي، تجاوز بها حتى ما كان عليه نظام مبارك".
وأردف: "فقط مرة واحدة في تاريخ مصر الحديث كانت المديونية قريبة مما هي عليه الآن، كان ذلك في عهد مبارك مع انهيار أسعار النفط في الثمانينيات، حيث وصلت نسبة المديونية إلى ما بين 130 و140 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا الأمر تمت معالجته بمشاركة مصر في حرب الخليج في 1990 / 1991، حيث تم تخفيف أعباء معظم ذلك الدين، أما الآن فلا توجد فرصة للتخفيف من أعباء الدين، بالقدر المطلوب لإعادة الاقتصاد إلى نوع من التوازن".
واعتبر الخبير الأمريكي أن تصريح وزير المالية المصري محمد معيط، الذي قال فيه إننا نقترض فقط لنسدد الفوائد، انعكاس لغياب أي استراتيجية اقتصادية للتعامل مع الدين نفسه، وهذه مجرد لفافة يغطى بها جرح غائر، لأن السبب الجوهري في تراكم الديون هو أن الاقتصاد لا يعمل، ولم يلبث طوال الأعوام الأربعة أو الخمسة الماضية في حالة من الانهيار المستمر كما تثبت أي وسيلة للقياس، وهو انهيار تراكمي وليس فقط بسبب أوكرانيا أو فقط بسبب كورونا، ولذا فإن الاقتراض لسداد فوائد الديون إنما هو عبارة عن استراتيجية لشفط مزيد من المال من ذلك الاقتصاد، وللتسريع من وتيرة الانهيار.
هل أعلن السيسي هزيمة مصر أمام إثيوبيا بمعركة سد النهضة؟
محمد ناصر وجاويش يعلنان انضمامها إلى "مكملين" (شاهد)
إطلاق سراح معتقلين جدد في مصر بينهم معارض بارز (شاهد)