كتاب عربي 21

الحوار الوطني.. قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان!

1300x600

قطعت جهيزة قول كل خطيب؛ فقد أكد عمرو أديب أنه لا حوار مع الإخوان، وهو هنا مسيّر لا مخيّر، وقد تكلم باعتباره بوقاً للنظام الحاكم، وإن بدا صاحب وجهة نظر، وبلسان أهل أصحاب الدعوة، حيث لا اجتهاد مع النص.. قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان!

فقد اعتبر كثيرون من التجمع المناهض للانقلاب العسكري، أن دعوة السيسي للحوار تشمل الجميع، ولهذا فقد اندفعوا يعلنون موقفهم من "الحوار الوطني"، وهو موقف الترحيب بالدعوة، فلا يجوز لسياسي أن يرد دعوة الداعي إذا دعاه. وخطاب السيسي مطاطي دائماً ويفتقد للتحديد، مما جعل البعض يفهمونه على قاعدة عموم اللفظ لا خصوص السبب، حتى يصبح المتحفظون على الدعوة -إزاء هذا الزحف المقدس- كما لو كانوا يرفضون دعوة حقيقية سيستفيد المعتقلون منها.

ولا شك بأن المتتبع لتاريخ عبد الفتاح السيسي يدرك على الفور أنه ليس جاداً في الدعوة للحوار، ليس فقط في شمولية الحوار، ولكن أيضا في جدية العرض على من شملتهم الدعوة، وتصرفوا على أنهم "أصحاب الفرح"، وتكلموا نيابة عن صاحبه في ما يختص بكون المعتقلين الإسلاميين خارج دائرة العفو الرئاسي، وأن الحوار لن يشملهم، إذ يصورون أنفسهم على أنهم شركاء في الحكم وأن "عقدة النكاح" لا تزال بأيديهم ولم يتم تسريحهم بغير إحسان!

المتتبع لتاريخ عبد الفتاح السيسي يدرك على الفور أنه ليس جاداً في الدعوة للحوار، ليس فقط في شمولية الحوار، ولكن أيضا في جدية العرض على من شملتهم الدعوة، وتصرفوا على أنهم "أصحاب الفرح"، وتكلموا نيابة عن صاحبه فيما يختص بكون المعتقلين الإسلاميين خارج دائرة العفو الرئاسي، وأن الحوار لن يشملهم

فلم تكن هناك دولة واحدة بعد 30 حزيران/ يونيو، ولكن دولتان؛ الأولى قبل تولي السيسي الحكم بشكل رسمي، ويمكن القول إنها دولة هذا التجمع البشري المتنوع الذي مثّل مظلة للانقلاب. وكان دستور 2014 يخص دولة الانقلاب الأولى، ومن هنا فقد تم النص على المصالحة الوطنية، والتي لم تكن تعني سوى المصالحة مع الطرف الحاكم قبل الانقلاب. وظل الحديث يتردد كثيراً عن المصالحة كاستحقاق دستوري، ولم يكن آخر من تحدثوا على هذا النحو في برنامج تلفزيوني وزيراً مسؤولاً، هو وزير الإعلام السابق واللاحق ووكيل البرلمان، أسامة هيكل، وكتب عن ذلك ياسر رزق، الصحفي المقرب من المجلس العسكري!

وكان تشكيل الحكومة برئاسة حازم الببلاوي كاشفاً من حيث تمثيل عدد من الوزراء السياسيين فيها عن كيان هذه الدولة، وكذلك بالنسبة لتشكيل الهيئات الأخرى، من المجلس الأعلى للصحافة، إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان، ناهيك عن لجنة الدستور برئاسة عمرو موسى!

وكنت دائماً ما أذكر رموز هذه الدولة بأنهم ضيوف على 30 يونيو، وهو ما تحقق فعلاً بخوض عبد الفتاح السيسي الانتخابات، ومن ثم فقد أطاح بهذه الحكومة وجاء بحكومته هو، وقام بتعديل الدستور لتلغى مادة المصالحة، وإن ظلت جيوب تخص الدولة القديمة لم تتم تصفيتها، فاستمر تشكيل الأعلى للصحافة ومجلس حقوق الإنسان لسنوات، قبل أن يؤسس السيسي دولته الخاصة، وهي دولة الانقلاب الثانية!

وقد شيد حكمه على دعائم الاستبداد، فلديه يقين لا يتزعزع بأن السبب في ثورة يناير هو هامش الحرية، الذي بدأ في 2003، لذا فهو يعتمد الحكمة الخالدة التي تقول: "الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح"!

لكنه أنتج حالة من الفشل غير مسبوقة، وهناك غضب يعتمل في قلوب المصريين غير مسبوق، وضغوط إقليمية من أجل انفراجة سياسية، لأن انفجار الأوضاع قد يتسبب في خسارة هذه الدول للجلد والسقط، ولا بد من إحداث حالة من التنفيس، حتى لا تكون فتنة، فكل القراءات تقول إن الأمر لا يحتاج أكثر من شرارة إذا انطلقت فلن تكون مآلات الأمور على قواعد ثورة يناير.. فكانت هذه الضغوط!
حالة من الفشل غير مسبوقة، وهناك غضب يعتمل في قلوب المصريين غير مسبوق، وضغوط إقليمية من أجل انفراجة سياسية، لأن انفجار الأوضاع قد يتسبب في خسارة هذه الدول للجلد والسقط، ولا بد من إحداث حالة من التنفيس، حتى لا تكون فتنة، فكل القراءات تقول إن الأمر لا يحتاج أكثر من شرارة إذا انطلقت فلن تكون مآلات الأمور على قواعد ثورة يناير

ما جرى في البيت الأبيض:

وقبل الضغوط الإقليمية فإن التغيير الذي حدث في البيت الأبيض، يجعل السيسي يستشعر أن الأمور قد لا تكون على ما يرام، صحيح أن بايدن خيّب الآمال في ممارسته ضغوطاً على ديكتاتور ترامب المفضل، لكنه إلى الآن لم يسمح للسيسي بالحج السنوي للبيت الأبيض، ولم يتحدث معه هاتفياً إلا من أجل القضية الفلسطينية، وباعتباره يملك نفوذاً على سكان غزة باعتباره حارس المعبر، وليس لقيمة أخرى. والبدء في علاقة طبيعية مع البيت الأبيض يلزمه تبيض وجهه، لذا فإنه يتعامل مع الأمر كله على أنه الضرورة التي تقدر بقدرها، وفي الدعاية وتعظيم ما يحدث ما يؤدي الغرض!

فيكفي أن يستدعي حمدين صباحي من مرقده، فيصافحه على الهواء فيبدو كما لو كان قد بدأ في إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وهو يدرك أن طموح حمدين تضاءل إلى حد المطالبة بالإفراج عن معتقل أو أكثر. ثم يشكل لجنة العفو الرئاسي، وهي كانت قائمة قبل ذلك لحسابات خارجية، وكل ما فعله هو إعادة تشكيلها من يساريين يجيدون البروباجندا، ولا يجيدون شيئاً آخر، وقد صاروا نموذجاً للكفاح الفاشل في كل العالم العربي فأعطوا الدنية لكل مستبد!

وإذا كان عضو لجنة العفو السابق محمد عصمت السادات، يتصرف في هدوء، فكان لا بد من استبداله بأصحاب الصوت العالي لزوم المرحلة، فإذا تم الإفراج عن شخص واحد، صوروا الأمر كما لو كان إفراجاً عن عموم المعتقلين.

ويعتبر العنصر من هؤلاء أن مجرد دعوته للحوار هو الإنجاز الكبير، وأنه بمقابلة تلفزيونية معه تحققت كل مطالب الإصلاح في المنطقة، والمناطق المجاورة!

ولنا أن نعرف أنه إلى الآن لم يُحدد موعد انطلاق هذا الحوار، مع أنه لن يكون أكثر من "مكلمة"، فهؤلاء المدعوون لن يطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة مثلاً، ولن يقفوا أمام طموح السيسي في البقاء رئيساً للأبد، وها هو يتحدث عن أمور المفروض أنها ستقع بعد ولايته الأخيرة بنص دستوره، والتي ستنتهي بعد أقل من ثماني سنوات من الآن في 2030، لكنه مع هذا يقول إنه يستهدف إنهاء التأمين الصحي الشامل خلال عشر سنوات، والأصل أن الحاكم يضع برنامج أعماله في حدود دورة حكمة لا يتعداها!

وهو يضمن فضلاً عن هذا أن المدعوين للحوار لن يطلبوا ما دون ذلك، من حيث انتخابات نيابية مبكرة، بضمانات تكفل نزاهتها!
إنها الضرورة التي تقدر بقدرها، والسيسي في أموره كلها يعمل على تمرير هذه المرحلة، انتظاراً لعودة ترامب بعد عامين من الآن

في انتظار ترامب:

إنها الضرورة التي تقدر بقدرها، والسيسي في أموره كلها يعمل على تمرير هذه المرحلة، انتظاراً لعودة ترامب بعد عامين من الآن. وإذا كان تابعاً فيما يختص بالملف القطري عداء ومصالحة، فإنه حريص على ألا تذهب المصالحة إلى آفاق أبعد، ونفس الأمر ينطبق على المصالحة مع تركيا، فقد حقق ما يريد من خلال التعامل مع العلاقة بين البلدين باعتبارها ملفاً أمنياً لا أكثر، مع اختزال الجانب الأمني فيما يختص بوقف هذا المذيع أو إغلاق هذه القناة!

فإذا عاد ترامب، فليس لديه ما يخسره ليعود بالعلاقات إلى المربع صفر، وإن لم يحالفه الحظ، فهناك مصالحة بدأت تعالوا نستكمل إجراءاتها!

فهو يعيش أربع سنوات من تسيير الأعمال، ويأتي تشكيل لجنة العفو أو إعادة تشكيلها والدعوة للحوار، في إطار إجراءات هذه المرحلة، وليس في نيته التوسع ليشمل الإخوان المسلمين. ويُلاحظ هنا أن المستثنى من الحوار ليسوا الإخوان فقط، ولكن كل من رفضوا الانقلاب العسكري، ولو استقاموا على الطريقة.. طريقته!
ما يملأ النفس حسرة، هو هذا الهوان والعجز عن حلحلة قضية المعتقلين، إلا بالهرولة إلى تأييد الحوار الذي لم توجه الدعوة للمهرولين للمشاركة فيه، مع أن المعتقلين دفعوا ثمن الدفاع عن الشرعية ورفض الانقلاب العسكري، ومرة أخرى يثبت من تصدروا المشهد السياسي بعد الثورة وبعد الانقلاب أنهم كانوا يتحركون بشكل ارتجالي، وبدون برنامج

فلم يعد في أداء القوم والمحسوبين عليهم ما يجعله يقدم على التقرب إليهم، فقد توقف الحراك قبل سنوات، واستطاع وقف الأذى الذي تسببه قنوات تركيا. وإذا كان كانت "مكملين" ستبث من خارج تركيا، فهو يدرك أنها ليست تابعة للجماعة، دعك من دعايتهم بأن قنوات تركيا جميعها إخوان، فهم يعلمون أن القناة المملوكة للتنظيم ليس عليها ملاحظة أو عتاب، ولم تطلب اللجنة الأمنية وقف هذا البرنامج فيها أو ذاك، كما لو كانت تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، فضلاً عن أن الأكثر إيلاماً الآن لا يقوله صحفي مسؤول أو سياسي محترف، ولكن من يملكون القدرة على التشهير دون أن يكون لأدائهم معايير تضبط هذا الأداء!

وفضلاً عن ذلك، فإنه حوار لا مصالحة ليتم استدعاء الخصوم له، وليس من بين المدعوين للحوار من يتبنى دعوة الخصوم، فالنظام الذي سيتقارب مع الإخوان لن يكون بحاجة إلى القوى المدنية، تماماً كما فعل السادات. وما هي القيمة الدفترية للسيسي كحاكم، إن بدد قضية الإرهاب الذي يستهدفه، وتقارب مع خصومه؟!

إن ما يملأ النفس حسرة، هو هذا الهوان والعجز عن حلحلة قضية المعتقلين، إلا بالهرولة إلى تأييد الحوار الذي لم توجه الدعوة للمهرولين للمشاركة فيه، مع أن المعتقلين دفعوا ثمن الدفاع عن الشرعية ورفض الانقلاب العسكري، ومرة أخرى يثبت من تصدروا المشهد السياسي بعد الثورة وبعد الانقلاب أنهم كانوا يتحركون بشكل ارتجالي، وبدون برنامج، الأمر الذي لا يجوز للتاريخ أن يغفره أبداً.

لا شيء هناك، أكثر من سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!

 

twitter.com/selimazouz1