"غدوة".. مغامرة سينمائية وقعت بـ"التمطيط وغياب الحبكة"
عربي21- شكري الباصومي01-Jun-2207:17 AM
شارك
فيلم غدوة
"غدوة" (غدا باللهجة التونسية)، جاء بعد نجاحات كبيرة لظافر العابدين في مسيرة امتدت
على مدى ربع قرن. في "غدوة" حديث عن زمن قريب، بل عن مجهول، في علم الغيب،
يعيشنا الشريط بعنوانه لحظات شغف وتأمل وانتظار، أي غد؟ هل هو غد ليل الصب؟ أم الغد
الذي لا تدري النفس فيه ماذا تكسب، أو بأي أرض تموت؟
"غدوة"،
هو أول فيلم من إخراج التونسي ظافر العابدين، الذي حاول الإفلات من سطوة الأعمال التجارية
مراهنا على تجربة هي بمثابة المغامرة. لم يشتغل العابدين "في السليم" كما
يقال، فلم يكن الفيلم على مقاسه، معروضا لجمهور معلوم، مضمون نجاحه تجاريا، في حاضنة
تعشق الوسامة. سيكون الضغط عاليا على ظافر العابدين، ليضع كل خبرته في هذه التجربة
الاستثنائية، إذ ارتبطت أغلب أدواره بالوسامة.
والغريب
أن شريط "غدوة" رفضته لجنة انتقاء أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج
السينمائية ضمن الدورة الأخيرة لسنة 2021، شارك في فعاليات الدورة 43 لمهرجان القاهرة
الدولي، ونال جائزة النّقاد، كما لاقى التنويه والاستحسان من الصحافة العربية، وتابعه
جمهور تونسي بشغف، بل شكل عرضه في تونس حدثا رغم اختلاف التقييمات حوله إذ اعتبر البعض
أن "فيلم "غدوة" لظافر العابدين الذي أخرجه وساهم في إنتاجه مع درّة
بوشوشة ولعب فيه دور البطولة، لا يرتقي سينمائيا إلى الأفلام الكبرى، في مستوى التقنيات
المستعملة والتصوير وحتى الإخراج نفسه مع البطء والتمطيط في بعض الأحيان".
هذا
الفيلم أزعج البعض وهو في طور الإنجاز، وكأن هناك جهة تريد قبر كل ما هو حقوقي، أو
كل ما له علاقة بالتجاوزات أو الجرائم التي استهدفت الإنسان في تونس وضربت حقوقه وداستها.
وقد
ذكرت الصحفية عواطف البلدي في صحيفة الشارع المغاربي (الثلاثاء 5 أبريل العدد
305): "أن رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي عزله الرئيس التونسي قيس سعيد،
مكن الممثل ظافر العابدين رخصة تصوير فيلمه "غدوة" بتدخل من المنتجة درة
بوشوشة، مؤكدة أن وزارة الثقافة رفضت تمكين العابدين من الرخصة باعتباره لا يملك بطاقة
احتراف خاصة بالإخراج السينمائي".
العابدين
لم يتقدم بملفه إلى وزارة الثقافة، ولم يطلب الرخصة والدعم منها كما تنص على ذلك القوانين
المعمول بها.
وأضافت
الصحيفة أنه تم رفض برمجة فيلم "غدوة" خلال أيام قرطاج السينمائية الأخيرة،
لا لكونه أنتج خارج المنظومة القانونية والرسمية فحسب، بل لأنه "هزيل ولا يستحق
أن يكون ضمن المسابقة الرسمية".
ومن
المفارقات أن وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي استقبلت الممثل والمخرج
التونسي ظافر العابدين والمنتجة والمخرجة درّة بوشوشة احتفاء بنجاحات فيلم "غدوة".
ورد الخبر في الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة مع إضافة: "فيلم "غدوة"
هو التجربة الإخراجية الأولى لظافر العابدين الذي شارك في تأليفه إلى جانب السيناريست
أحمد عامر في بطولته مع الممثلة رباب السرايري والممثل البحري الرحالي والممثلة نجلاء
بن عبد الله، وهو من إنتاج الفنانة درّة بوشوشة."
خلال
عرضه في فعاليات الدورة 43 من مهرجان القاهرة السينمائي تحصل الفيلم على جائزة اتحاد
النقاد، كما تحصل خلال عرضه في الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر بالمملكة العربية
السعودية، على جائزة النقاد.
ويطرح
فيلم "غدوة" أزمات المجتمع التونسي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية
ما بعد ثورة 14 جانفي 2011".
بطل
الشريط "سي الحبيب" (ظافر العابدين)، يطرح الفيلم قضية مناضل قضّى فترة في
سجون بن علي، واعتقد أن الثورة سوف تعيد إليه الاعتبار، لكنه ظلّ يطارد الأوهام حتى
اتهموه بالجنون، وعن محام حقوقي توفرت لديه أدلة عن انتهاكات ضد معارضين للنظام السياسي
الذي سحقهم ونكل بهم، ولم تنصفهم الثورة. عجز عن مقابلة وكيل الجمهورية، وحاول مقابلته
خارج مكتبه، ولكنه أغلق في وجهه أبواب سيارته، وتم تعنيفه من قبل أعوان الأمن، واتهموه
بالاعتداء على وكيل الجمهورية، واقتادوه إلى السجن.
الفيلم
يكشف واقعا سيئا عن تونس اعتقد الجميع أنها جديدة، ضحايا الاستبداد ما زالوا يعيشون
الظلم والقهر حتى زمن التخلص من المستبد. كان وحيدا وهو يواجه ملفات التعذيب والتنكيل،
معلنا أنه لا مصالحة من غير محاسبة حقيقية للجناة، وأنه لا مجال للإفلات من العقاب.
وفي الشريط إلحاح على دور المثقف العضوي في المجتمع. نهاية الشريط كانت لحظة أمل: بطل
الفيلم "سي الحبيب" وهو محشور في سيارة الشرطة، لم يخف علامات الارتياح وهو
يتابع ابنه أحمد الذي وعده بأن يحمل المشعل بعده، معلنا أنه لا تهاون في الحريات والحقوق.
لم يكن
له من مناصرين سوى إيمانه بعدالة مطالبه، وابنه "أحمد" (الممثل أحمد بن رحومة)
الذي لفت الانتباه إليه بثراء أدائه وحضوره المتوهج، وجاره العم هاشم (الممثل البحري
الرحالي) وجارته سعدية (الممثلة رباب السرايري).
ويبدو
أن ظافر العابدين قد تأخر في طرح شريطه إلى درجة جعلت بعض النقاد يرون أنه مجرد
"سلفي مع الثورة" قام به ظافر العابدين في الوقت البديل في علاقة بقضية لم
تعد أولوية عند التونسيين.
الشريط
استمد بريقه من حضور ظافر العابدين باعتباره مخرجا لأول مرة، وفي لون خارج لون السوق،
مقتحما ثيمة مزعجة، حساسة تتعلق بحقوق، لا تسقط بالتقادم. الشريط شابته هنات كثيرة
مثل التمطيط والتركيز على شخصية "سي الحبيب" الذي اغتصب الأضواء، واحتكر
الفضاء وغيب دون وعي، الملامح التي تواجه البطل في بعض المشاهد.
وهذا
ما تفطن عليه الصحفي عامر بوعزة الذي رأى أن الفيلم: "كان يمكن أن يكون ممتازا
لو قدم في صيغة فيلم قصير. ضاعت العناصر المهمة فيه في التمطيط والإيقاع الممل وغياب
الحبكة. وأفرط المخرج في استخدام وجهه على طريقة نادية الجندي في سينما الثمانينات،
وهذا (ال وان مان شو) لم يوفق في نقل حالة الشيزوفرانيا التي يعيشها البطل أو تفكيك
أبعادها، فأجمل مشاهد الفيلم وأقواها هي التي كان البطل فيها في مواجهة شخص آخر (الجار،
الزوجة، وكيل الجمهورية، الابن، الجارة) وهكذا أفلام الحالة النفسية تعكس روح البطل
ومأساته عبر المواجهة".