قضايا وآراء

لبنان ذكرى الحرب الأهلية.. الكلام شامي والخوف أرجنتيني

1300x600

على وقع كلام نائب رئيس الحكومة الدكتور سعادة الشامي بكل ما فيه من فجاجة وصراحة لا متناهية، حيث أعلن ثم صحح فكرة إفلاس الدولة والبنك المركزي ثم أكد الفجوة المالية ذات الـ73 مليار دولار لكنه لم يقل لنا من سيتحمل هذه الخسائر. وكأننا في بداية منطق جديد قديم لتحميل الناس فشل الدولة وسياساتها وتواطؤ المصارف معها.. فأي دولة مفلسة ما زالت تمتلك الكثير من الأصول وما زالت تنعم باحتياطيات الناس التي بددت خلال عامين منصرمين.. ربما نحن في زمن الإفلاس الاحتيالي أو التحضير لفيلم أمريكي طويل على حساب الناس لجرهم من لبنان عبر سفن الإفلاس إلى التجربة الأرجنتينية أو ربما لميني (مصغرة) حرب أهلية نتيجة الفقر والجوع والظروف الاقتصادية والاجتماعية وما أشبه البارحة 1975 باليوم 2022 أو ربما البارحة كانت أفضل!.

إذا أردت أن تعرف ما هو القادم في لبنان اقتصاديا واجتماعيا فعليك أن تعرف ماذا جرى ويجري بين صندوق النقد الدولي والأرجنتين. 

إن العلاقة بين الأرجنتين الخاوية على عروشها في أمريكا الجنوبية وصندوق النقد قد تمثل نقطة ارتكاز لما هو قادم في العلاقة بين لبنان والصندوق وذلك الكلام ليس لرمي الكرة في ملعب الاتفاق الذي لم ينجز وربما لن ينجز حتى تضع الانتخابات في 16/5/2022 أوزارها.

وهنا نسأل كيف لدولة تكافح لتقول إنها ما زالت على قيد الحياة وتكاد تلفظ أنفاسها القدرة على إبرام اتفاق مع صندوق النقد بعد الانتخابات، علما "أن الحالة الاجتماعية والتربوية والصحية وصلت إلى الحضيض بفعل العملة الخضراء المحلقة عاليا" في رحلتها الجوية المتجهة نحو 30 ألف للدولار الواحد وربما أكثر ولا من يشعر مع الناس التي تموت في الليلة آلاف المرات على ما غنى القيصر الساهر فأصبحوا يعيشون على أمل أقوال وتوقعات العرافات. 

لقد شرعت الأرجنتين بالاتفاق مع صندوق النقد في وقت مبكر مقارنة بمعظم دول العالم، حيث استنجدت بوينس آيرس بالصندوق قبل أكثر من 60 سنة ولكن الحصيلة مظاهرات عمت العاصمة في 12/12/2021 مؤذنة بخراب كبير وربما يكون ذلك القادم على لبنان.

لقد حصلت الأرجنتين على أول قرض في عام 1958، ومنذ ذلك الوقت ربطت الأرجنتين مستقبلها واقتصادها وعملتها وموازنتها بمطالب الصندوق الذي أبرمت معه 22 اتفاقية حصلت من خلالها على قروض ضخمة، وعلى مدى سنوات طويلة اندفعت حكومات الأرجنتين المتعاقبة على الصندوق للاستحواذ على الأموال السهلة منه ظناً منها أن قروضه ستنقذ البلاد وعملتها من الانهيار، وتضع الاقتصاد المأزوم دوماً "على الطريق الصحيح وتمنحه التعافي وتبعد عنه خطر الإفلاس، وتعيد الاستثمارات الأجنبية الهاربة، وتحل المشاكل الاجتماعية الملحة ومنها البطالة والفقر والركود وقفزات الأسعار والتضخم، وغيرها من الكوارث المالية، وتعيد كذلك الهدوء إلى سوق الصرف المضطربة والعملة "البيزو" التي شكل انهيارها المتواصل حرجا شديدا للحكومات، وتحدياً للاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، بل والسياسي وكذلك هو الحال اللبناني يسير بنفس الاتجاه وربما طريق جهنم اللبنانية أشد وعورة للأسف.

وعلى نقيض ذلك الاستقرار الموعود، شهدت الأرجنتين مجموعة إفلاسات متواصلة وحالات تعثر متعددة، منها مثلاً ما حدث في العام 1999 حيث انفجرت الأوضاع الاقتصادية عقب وصول متوسط الدين إلى مستويات غير مسبوقة (132 مليار دولار)، وكذا في عام 2001 حيث عجزت عن سداد قروض بقيمة 132 مليار دولار عقب تراجع الناتج المحلي بنسبة 28% وزيادة معدل البطالة إلى أكثر من 20%. وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية شهدت البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي حيث تعاقب على حكم الأرجنتين مجموعة كبيرة من الرؤساء في الفترة من 1999 ـ حتى تاريخه.

وفي الحالة اللبنانية إفلاس مقنع ودين بما يقارب 100 مليار دولار واقتصاد متهالك يحتضر ولا طبيب مداويا وناتج محلي سقط من 55 مليار الى 18 مليار؟! وبطالة قرابة 48% وفقراء وصلوا إلى قرابة 80 بالمائة. 

والحقيقة تقول إنه مع كل حالة تعثر جديد تندفع الأرجنتين أكثر نحو صندوق النقد الدولي لتحصل كما في العام 2018 على أكبر قرض في تاريخ المؤسسة المالية الدولية بقيمة 57 مليار دولار، ساعتها ظنت الحكومة أن هذا القرض السخي كاف لطمأنة الأسواق المحلية والأجنبية على حد سواء، خاصة وأنها ستمكنها من سداد الديون الخارجية ومستحقات أصحاب السندات الدولية. 

 

على أهل الحل والعقد في لبنان أن يأخذوا العظة والعبرة من تجربة الأرجنتين في صوغ مقاربة مقبولة ضمن الوقائع اللبنانية، فلا الصندوق أنقذ الأرجنتين من مخاطر التعثر والفقر وتهاوي العملة كما زعم، ولا البلاد باتت قادرة على إعادة التعافي لاقتصادها أو سداد الديون المستحقة عليها،

 



لكن بعد أقل من عامين لعمر أكبر قرض في تاريخ الصندوق، عاودت الأرجنتين اللجوء إلى المؤسسة الدولية للخلاص من حصار المقرضين الذي يهدد أكبر اقتصادات أمريكا الجنوبية بالإفلاس، وطلبت الحكومة رسميا، بدء مفاوضات مع الصندوق للحصول على قروض جديدة. 

وعليه فإن أقصى التوقعات اللبنانية تتحدث عن 3 مليارات يقدمها صندوق النقد وربما تصعد أرقامها مع الأيام علما بأننا دفعنا لدعم السلع والتجار منذ 2019 إلى اليوم ما يفوق الـ20 مليار دولار! فأي مليارات ثلاثة تكفي لقيامة لبنان في زمن القيامة؟! 

وعليه الحالة لا تبشر بالخير حيث بعد عامين لا أحد يعرف حجم الفجوة المالية ورقمها الفعلي فربما 50 أو 55 أو 61 او 73 مليار دولار ولكل طرف مقاربته والطاسة ضايعة بانتظار ما سيحسمه صندوق النقد القوي صاحب اليد الطولى في فرض شروطه عندما يحين وقت رزنامة المجتمع الدولي لبلورة حل للبنان وفقا لأجندات مرسومة سلفا. 

ببساطة ما يحدث في الأرجنتين هو درس قاس لكل دول العالم التي تستسهل الحصول على قروض من صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية الدولية دون الاعتماد على الموارد الذاتية، وترشيد الإنفاق العام، وعدم الإساءة لموارد الدولة، وإهمال ملفات مكافحة الفساد ووقف نهب المال العام وضرب حقوق المودعين كبارا كانوا أم صغارا. 

وعليه على أهل الحل والعقد في لبنان أن يأخذوا العظة والعبرة من تجربة الأرجنتين في صوغ مقاربة مقبولة ضمن الوقائع اللبنانية، فلا الصندوق أنقذ الأرجنتين من مخاطر التعثر والفقر وتهاوي العملة كما زعم، ولا البلاد باتت قادرة على إعادة التعافي لاقتصادها أو سداد الديون المستحقة عليها، وكما يقولون فإنه نادرا ما ينتهي الالتزام الأعمى بوصفات صندوق النقد نهاية سعيدة، وهو ما رأيناه من قبل في العديد من الدول، وربما ما سنشهده في لبنان مع حالة التخبط المستمرة، حيث الإصلاحات المفقودة التي تعد كلمة السر مع الفرنسيين والعرب وكل المعنيين بالملف اللبناني.

إن الحقيقة تقول إن كثيرا من مشاهد الحرب الأهلية عادت كطوابير الخبز والبنزين ورحلة البحث عن الدواء والأحداث المتنقلة من منطقة إلى أخرى، وللأسف أيضا فإن كثيرين يحنون للحرب الأهلية وأيامها، وربما منهم من يذكرك بأنه إبان الحرب الأهلية لم نجع ولم نعطش ولم تقفل المصارف أبوابها وتأكل أموال المودعين ولم نتبهدل كما هذه الأيام البائسة.. تنذكر وما تنعاد.