في أعقاب اجتماع في الرباط بين الملك المغربي محمد السادس ورئيس الوزراء الإسباني (بيدرو سانشيز) في 7 نيسان/ أبريل 2022 أعرب الجانبان عن "استعدادهما لبدء مرحلة جديدة تقوم على أساس الاحترام والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص" بحسب بيان صدر عن القصر الملكي في المغرب.
وأوضح البيان أن سانشيز أعاد التأكيد على الموقف الذي أعرب عنه الشهر الماضي واصفاً مقترح المغرب بشأن منح حكم ذاتي للصحراء الغربية بأنه "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل القضية (المقصود طبعا قضية الصحراء التي تشكل معضلة قديمة بين المملكة والجزائر).. وقال سانشيز إن الطرفين اتفقا على "خارطة طريق واضحة تسمح بإدارة الأمور محل الاهتمام بطريقة منسقة بروح طبيعية وحسن جوار دون مجال لأفعال أحادية الجانب".
ودون أن نعلق على نتائج هذا اللقاء المغربي الإسباني كنا نود لو أشير خلاله إلى مشكلة سبتة ومليلة المدينتين الواقعتين في التراب المغربي والمحتلتين من قبل أسبانيا واللتين وقعت فيهما منذ سنة أحداث مواجهة عنيفة بين شباب مغربي مهاجر إلى أوروبا عبر المدينتين وبين الشرطة الأسبانية حين غض الأمن الحدودي المغربي الطرف عنهم إحتجاجا على تواجد زعيم البوليساريو للعلاج في أسبانيا!
ونتذكر أنه في عهد الملك خوان كارلوس منذ 10 سنوات أدى الملك محمد السادس زيارة إلى مدريد ونقلت وسائل الإعلام العالمية أصداء تلك الزيارة الرسمية التي أثارت جدلا واسعا كالتي أثارته زيارة رئيس الحكومة الإسبانية هذه الأيام.
ولذلك فنحن واثقون من أن العاهل المغربي أثار قضية سبتة ومليلة مع الملك الإسباني حينها ومع رئيس الحكومة سانشيز هذه المرة بما يحقق عودتهما للسيادة المغربية ولو على مراحل حتى تصبح صفحة التعاون المغربي الإسباني خالية من إرث هذا الماضي الاستعماري ورواسبه.
وقد صادف أن زار الوزير الأول المغربي تونس في السابق وأجاب بوضوح على أسئلة الإعلام حول تمسك المملكة المغربية بالمدينتين. وأنهما أمانة في عنق الملك محمد السادس الذي يعرف كيف يفاوض وكيف يكسب جولة الحق.
فالمغرب وإسبانيا تربطهما أواصر عريقة حضارية وتاريخية واقتصادية مما يجعل حل قضية كهذه بالغة الحساسية لكننا نعول على حكمة الملك. وهي مناسبة لكي نعرف في عجالة بمجمل المدينتين ونلاحظ أن الرأي العام العربي كأنما يفاجأ حينما تطرح قضية مدينتي سبتة مليلة كأن الأمر يتعلق بقضية منسية أو بملف مغلق محفوظ في أرشيف السياسة الدولية.
إذا تساءلت أيها القارىء: لماذا يصر غلاة الصليبية الإسبان على مواصلة احتلال سبتة المجاهدة وأختها مليلة البطلة؟ فالجواب موجود في تاريخ الإسلام عندما كان ظافرا بأمته فكل الفتوحات الإسلامية للأندلس تمت من مدينة سبتة..
والذي أثار الموضوع أخيرا هو ممارسات السلطة الإسبانية المحلية المتمسكة بالمدينتين، حيث أقامت الاحتفالات ونظمت المهرجانات إحياء لذكرى مرور خمسة قرون على احتلال المدينتين! كان ذلك عام 1497 بعد خمس سنوات من سقوط غرناطة عام 1492 وبداية حملة التفتيش والرعب والإبادة التي ضربت المسلمين الهاربين بإسلامهم وكذلك اليهود في أبشع عملية إرهاب عرفها التاريخ تولى فيها غلاة الصليبية بقيادة فردينان وزوجته إيزبلا حرق آلاف المسلمين أحياء وهدم البيوت وإتلاف المصاحف وتحويل المساجد إلى كنائس وجريمة أعظم في أكبر عملية تهجير عرفها تاريخ القرون الوسطى.
وإذا تساءلت أيها القارىء: لماذا يصر غلاة الصليبية الإسبان على مواصلة احتلال سبتة المجاهدة وأختها مليلة البطلة؟ فالجواب موجود في تاريخ الإسلام عندما كان ظافرا بأمته فكل الفتوحات الإسلامية للأندلس تمت من مدينة سبتة:
ـ طارق بن زياد القائد المسلم وصل من القيروان ونزل بسبتة ومر للأندلس من الجبل الذي يحمل اسمه إلى اليوم ـ جبل طارق ـ عام 92 هجري (711 ميلادي).
ـ موسى بن نصير المجاهد الصامد جاء من جزيرة العرب ومر من القيروان وكذلك نزل بسبتة ثم مر للأندلس من الجبل الذي يحمل اسمه إلى اليوم (جبل موسى) عام 93 هجري (712 ميلادي).
ـ أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين هب من مدينة سبتة لاغاثة ملوك الطوائف عندما اشتد عليهم قتال الصليبيين عام 430 هجري (1083م).
ـ عبدالمؤمن بن علي الموحدي صاحب الفضل في توحيد المغرب الاسلامي مر إلى الأندلس من مدينة سبتة ولقب جبل طارق بجبل الفتح عام 556 هـ (1161م).
ـ أبو يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن الذي مر إلى الأندلس كذلك من مدينة سبتة عام 580 هـ (1191م) وكانت الأندلس في ذلك العهد قبلة الفكر الإسلامي لدى ابن طفيل وابن رشد. أبو يعقوب عاصر صلاح الدين الأيوبي الذي كان يسترجع بيت المقدس رافعا راية الله اكبر.
خمسة أبطال أشاوس خمسة أسود مزمجرة عبرت البحر الأبيض المتوسط إلى الأندلس من سبتة. فهل من برهان آخر على الرمز الساطع الذي تمثله سبتة وأختها مليلة في المخيلة الصليبية؟
هذه هي أسرار مواصلة الاحتلال والإسبان يتمثلون بعقيدة ملكهم القديم (ألفنسو) الذي كان يقول: لا تكفوا عن ضرب المغرب فهو العرقلة الكبرى في وجه إقامة الدولة المسيحية الكبرى. هذا هو الرمز الحضاري.
كفي سبتة فخرا أنها أعطت للحضارة الإسلامية القاضي عياض صاحب كتاب الشفا وهو الكتاب الذي لا يزال أهل المغرب الإسلامي يقسمون به إلى جانب كتاب صحيح البخاري فيقولون إذا ما أرادوا أن يحلفوا: (والشفا والبخاري) تيمنا بهذين الأثرين الجليلين.
أما الأسباب الاستراتيجية الحديثة فهي لا تخفى إذ أصبحت سبتة ومليلة رهينتين عربيتين على ضفاف البحر الأبيض جنوبا وعلى الأرض المغاربية الطاهرة تحسبا لما عساه يحدث في المستقبل المنظور، فالحلف الأطلسي له مخططاته والمجموعة الأوروبية لها برامجها، ولذلك فإن الحكومة الإسبانية عضوة هذا الحلف تحتفظ بالثغرين بعد أن تم إجلاء الاستعمار عن الثغرين الآخرين: بنزرت في تونس ومرسى الكبير في الجزائر. وأن حجة إسبانيا حجة واهية إذا اعتمدت على الزمن فهي تقول إنها موجودة على الثغرين منذ خمسة قرون ولكنها لا تقول إن هذه القرون الخمسة مليئة بالجهاد والمقاومة ولم يهدأ للمغاربة الابطال بال حتى إن امرأة مغربية مجاهدة هي عائشة الحرة كانت قائدة حملات الجهاد ضد المحتلين وكانت تقود سفنها بنفسها ضد المستعمر (الدون الفنسو) وكان الجهاد الثقافي موازيا للجهاد العسكري من ذلك قصيدة الشاعر محمد بن علي التشتالي (عام 961 هجري):
هذه سبتة تزف عروسا نحو ناديك في شباب قشيب وهي بشرى وأنت كفء اللواتي كافأت بعلهن بفتح قريب أو قصيدة الشاعر عبدالسلام قسوس: رفعت منازل سبتة أقوالها تشكو إليكم بالذي قد مالها لا تسمعن من جاهل ومثبط ومصعب من جهله أحوالها أو قصيد الشاعر عبدالواحد البوعناني الفاسي مخاطبا المولى اسماعيل بعد تحرير مدينة وهران حيث قال:
ألا يا أهل سبتة قد أتاكم بسيف الله سلطان وقور ووهران تنادي كل يوم متى يأتي الإمام متى يزور.. ايا مولاي قم وانهض وشمر لأندلس فأنت لها الأمير..
ويكفي سبتة فخرا أنها أعطت للحضارة الإسلامية القاضي عياض صاحب كتاب الشفا وهو الكتاب الذي لا يزال أهل المغرب الإسلامي يقسمون به إلى جانب كتاب صحيح البخاري فيقولون إذا ما أرادوا أن يحلفوا: (والشفا والبخاري) تيمنا بهذين الأثرين الجليلين.
الاختيار والسيسي وتزوير التاريخ
بورقيبة إنسان ليس ملاكا ولا شيطانا.. 6 أبريل ذكرى وفاة الزعيم