يعود النفط مجددا إلى واجهة الصراع كورقة ضغط سياسية، ثبت عدم جدواها في المرات السابقة، إلا في الابتزاز للحصول على المال، أو بعض المكاسب السياسية، فالمطالب المرفوعة عن عدالة التوزيع، أو منع حزب سياسي من الاستفادة من العائدات، لم تكن سوى شعارات للاستهلاك.
إغلاق النفط هذه المرة يأتي في سياق دولي مختلف، بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، وما تبعها من اضطرابات في سوق الطاقة الدولي، لذلك دعت الدول الغربية قبل الإغلاق بنحو أسبوعين، عبر أكثر من بيان إلى تحييد قطاع النفط، وعدم استخدامه كورقة في الصراع السياسي.
المطلب هذه المرة واضح حسب بيانات المجموعات التي تبنت الإغلاق، تمكين حكومة باشاغا من استلام مهامها، وتنحي حكومة الدبيبة، وإن غلفت بنفس شعار الاغلاقات السابقة، وهو التوزيع العادل للثروة.
قبل موجة الإغلاقات الأخيرة، صرح باشاغا أنه لا يؤيد الإغلاق، ولا ينبغي استخدام النفط في الصراع السياسي، وبعد تعطيل العمل في بعض الحقول والموانئ، قالت المستشارة الأممية وليامز أنها “شددت خلال اتصال هاتفي مع باشاغا على ضرورة النأي عن استخدام إنتاج النفط كسلاح لأغراض سياسية”، وقام باشاغا مع بعض وزراء حكومته، بالتواصل مع الشخصيات التي أعلنت مسؤوليتها عن الإغلاق في منطقة الهلال النفطي، ولكنه لم ينجح في ثنيها عن موقفها مكتفيا بتأييده إدارة العائدات، وتوزيعها بشكل عادل على كل الليبيين، وهو ما يعني أن حكومته لا حول لها ولا قوة، وأنها عمليا وواقعيا لا تملك أي أوراق في اللعبة السياسية، فالمتحالف مع حرس المنشآت النفطية ويملك السيطرة على أغلب الحقول والموانئ هو حفتر، ولن يعطل إنتاج وتصدير النفط أو يعود للتدفق إلا بأوامر منه، من دون استبعاد التأثير الروسي، فروسيا ستلعب بورقة النفط الليبي ضمن صراعها مع الدول الغربية، مستغلة نفوذها بحكم دعمها لحفتر وبرلمان طبرق.
ومن دون استبعاد احتمال تجدد الصراع المسلح حول مناطق النفط، تتجه الأزمة نحو تجميد الأوضاع حتى تتضح الصورة أكثر في مآلات الصراع في أوكرانيا.
المقال الذي نُشِر باسم رئيس الحكومة المقترحة فتحي باشاغا في التايمز البريطانية*، تضمن عرض صريح باستعداد حكومته للتحالف مع بريطانيا لطرد مرتزقة فاغنر من ليبيا، وإنهاء النفوذ الروسي، مقابل دعمه في مواجهته مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية وحلفائه، وفي هذا العرض مخاطرة كبيرة قد تنسف تحالفه مع حفتر وعقيلة صالح، فهما حليفان قدمت روسيا لهما الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي طوال السنوات الماضية، مقابل حصولها على موطئ قدم في ليبيا، تشغل به أوروبا وتمتد منه إلى وسط أفريقيا، فهل لدى باشاغا تأكيدات على حتمية المواجهة البريطانية الروسية في ليبيا؟ ومن ثم قدم عرضه بالتحالف مع بريطانيا لإخراج مرتزقة فاغنر، قاطعا بذلك أي احتمال في استمرار تحالف غير مجدي مع عقيلة وحفتر. فمن المستبعد أن يتخلى حفتر وعقيلة عن روسيا حليفهما الأبرز دوليا.
المشهد برمته يزداد ضبابية، ولا يبدو في الأفق أي ملامح لحراك سياسي ربما يُحقق بعض التقدم نحو إنهاء النزاع عبر الانتخابات، والخلاف المستمر في مجلس الأمن بين القوى الكبرى حال دون تسمية مبعوث جديد، خلفا للمبعوث السابق المستقيل كوبيش، ولم يتم التمديد للبعثة الأممية إلا لثلاث أشهر فقط، وهي مدة غير كافية لوضع أي أسس لتوافق جديد ترعاه الأمم المتحدة، ومن دون استبعاد احتمال تجدد الصراع المسلح حول مناطق النفط، تتجه الأزمة نحو تجميد الأوضاع حتى تتضح الصورة أكثر في مآلات الصراع في أوكرانيا.