الموقف الروسي المعلن على لسان
المتحدثة باسم وزارة الخارجية بتأييد قرار برلمان طبرق تكليف رئيس جديد للحكومة،
سيدفع الدول الغربية إلى موقف مغاير، لذلك سيكون موقف البرلمان ضعيفا دوليا،
فالإجماع الدولي مهم لنيل اعتراف الأمم المتحدة بأي حكومة جديدة، كما أن غياب
التوافق محليا، واتساع دائرة الرفض ستحول دون اعتماد وتمرير خارطة الطريق التي
فصلها البرلمان، والتي تقضي بتأجيل الانتخابات، والتمديد للبرلمان ومجلس الدولة
لفترة انتقالية جديدة تستمر لمدة أربعة عشر شهرا، وتكليف وزير الداخلية السابق في
حكومة الوفاق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة، فقبول غالبية الطيف السياسي
والاجتماعي، والوصول إلى أقصى حد ممكن من التوافق، شرط أساسي لنيل المباركة
الدولية.
تصاعد التوتر حول أوكرانيا بين روسيا
والدول الغربية سينعكس على ليبيا، باعتبارها إحدى محطات الصراع الدولي، لذلك لم
يتأخر الرد الأمريكي، فبعد ساعات من إعلان روسيا لموقفها، أعاد السفير والمبعوث
الأمريكي الخاص إلى ليبيا، عقب لقاء مع تكتل نواب من الجنوب الليبي، التأكيد على
الموقف الأمريكي الثابت، وهو إجراء الانتخابات في الوقت المناسب، لأنه أفضل طريق
نحو ليبيا آمنة وموحدة، وعدم إغفال إرادة غالبية الشعب الليبي في اختيار قيادتهم
من خلال انتخابات حرة ونزيهة. إذ لم ترد أي إشارة بقبول خطوة الشروع في تغيير
الحكومة وتمديد المرحلة الانتقالية.
بين الموقفين الدوليين مسافة شاسعة، ستكون هي
حلبة الصراع في الاصطفاف الجاري الآن محليا بين طرفين. الأول قطاعات واسعة من
الشعب، ترفض بكل قوة تغيير الحكومة بصفقة سياسية وبقاء مجلس النواب ومجلس الدولة،
وتصر على ضرورة إجراء الانتخابات لتغيير كل الكيانات، وعدم القفز على خارطة الطريق
التي أنتجها ملتقى الحوار السياسي، وطرف آخر ممثل في غالبية الطبقة السياسية
الراغبة في تمديد بقائها في السلطة، وتأجيل الانتخابات، بالإضافة إلى رئيس الحكومة
المقترح وأنصاره. على أن الطرف الأخير يبدو فاقدا لتماسكه بسبب تردد مجلس الدولة
في حسم موقفه، من خلال البيانات المتضاربة رفضا وتأييدا، وعجزه عن عقد جلسة رسمية
يقرر فيها موقفه بوضوح عبر الآليات القانونية. فضلا عن التجاوز القانوني في
البرلمان في عملية التصويت لاختيار رئيس الحكومة وغياب التنافس والشفافية عنها.
موقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية يبدو صامدا في
وجه محاولة الانقلاب على خارطة الطريق والإطاحة به، مسنودا بموقف شعبي لا يميل إلى
تمديد لمجلسي النواب والدولة، وموقف دولي فضل التريث حتى تنجلي ملامح المشهد، ولم
يؤيد خطوة البرلمان، باستثناء مصر التي رحبت مبكرا عبر تصريح نشر على الصفحة
الرسمية للناطق باسم وزارة الخارجية، ثم سرعان ما تراجعت خطوة للخلف بتصريح وزير
الخارجية المصري عن "تواصلهم مع كل الأطراف لتعزيز الاستقرار والتفاعل مع
الشركاء الدوليين للوصول إلى انتخابات تأتي بحكومة منتخبة شرعية تلبي إرادة الشعب
الليبي وتوحد مؤسساته". إغفال خطوة تكليف رئيس جديد للحكومة، والتأكيد على
نيل الشرعية بالانتخابات، مؤشر على أن تقديرات الخارجية المصرية لردود الفعل محليا
وإقليميا ودوليا حول قفزة البرلمان جانبها الصواب، فالأمم المتحدة أعلنت أنها
مستمرة في الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، وتراقب الوضع عن كثب من خلال المستشارة
وليامز، وهو موقف منسجم مع مواقف كل الدول المنخرطة في الأزمة، فالسلطة في ليبيا
تشكلت عبر حوار طويل أشرفت عليه الأمم المتحدة، بين ممثلين عن غالبية الطيف
السياسي والاجتماعي الليبي، وكانت ولادتها عسيرة عبر انتخابات بنظام القوائم. ومن
ثم فخطوة البرلمان منفردا بتشكيل حكومة جديدة، تعد انقلابا على خارطة الطريق دفع
كافة الدول إلى مراقبة التطورات اللاحقة، فإذا قبلت الأطراف المحلية ولم تكن هناك
اعتراضات من أطراف فاعلة، وأبدت الحكومة الحالية استعدادها للتسليم، سيتوالى
الترحيب والتأييد، أما وقد كانت غالبية ردود الفعل رافضة عبر مظاهرات وبيانات في
عدة مدن، فسوف تصنف المحاولة كانقلاب سياسي غير عنيف، لم يتمكن من الحسم، وبالتالي
ستدرس الدول الموقف بشكل دقيق من خلال تقارير سفاراتها ثم تعلن عن موقفها بشكل
واضح.
لا شك أن موقف الميادين سيكون حاسما، ومع حلول
ذكرى الثورة فإن المتوقع هو فشل مخطط البرلمان وتحالفاته الجديدة، إذا كانت
المظاهرات الرافضة قوية وعلى امتداد جغرافي واسع، وحينها ستكون القوى الكبرى بين
خيارين. استمرار تأييد خارطة طريق تونس جنيف والدفع نحو إجراء الانتخابات، أو دعوة
الأطراف السياسية إلى حوار سياسي جديد.
تبدو ثورة فبراير أمام تحد عسير وهي تواجه موجة
عاتية من القوى المضادة للتغيير، بعد كل التطورات المفاجئة في التحالفات الطارئة
بين الطبقة السياسية، الساعية لاستمرار هيمنتها على السلطة والنفوذ، ومصادرة حق
الشعب في تقرير مصيره، وحقه في اختيار من يدير شؤونه عبر الانتخابات، واستجابة
الميادين لهذا التحدي هي من سيحدد الطريق. إما المواجهة الواعية والصمود حتى تمضي
الثورة في مسارها، نحو ترسيخ قيم الحرية والعدالة، والتداول السلمي على السلطة، أو
التراجع والاستسلام للحواة والمشعوذين واللصوص، وخذلان كل التضحيات.