ليس من المبالغة القول بأن عدم الجدية والإحباط واليأس هي الانطباعات التي يعطيها وجود الوفد
التونسي الذي شارك في اجتماعات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من 18 إلى 24 نيسان (أبريل) الجاري في واشنطن.
لا أعرف ما هو تقييم الوفد للزيارة، وما هي خطة الانقلاب للخروج من وضعية الرفض والصد التي يواجه بها مندوبوه في كل الاتجاهات، ولكن بالتأكيد مهمة المشاركين لم تكن فسحة وتحضيرات الزيارة كانت أقل ما يقال عنها "شغل هواة" وسيئة الإعداد وبدون جدول أعمال للاتصالات أو التحشيد وكسب المواقف، مما أنتج فشلا، بل تحدث البعض عن فضيحة أخرى يتحمل وزرها السيد قيس سعيد من خلال إصراره على إرسال فريق من "المقربين والمضمومين لديه" عوضا عن فريق مهني من الخبراء والمختصين والديبلوماسيين وأصحاب
العلاقات مما جعل الأمر يظهر أن الوفد اعتمد الاستجداء ولم يطرح تصور الدولة التونسية لطبيعة العلاقة مع الصندوق في المستقبل أو الضمانات المقدمة للحصول على قرض عاجل بـ 5 مليار دولار لدفع استحقاقات حان وقت سدادها أو لمواجهة كلفة السياسات التي أعتمدت خلال الأشهر الماضية.
فإرسال وفد لا يتحدث الإنجليزية وعدم إعلام الجهة المنظمة بذلك في الآجال المتعارف عليها وعدم تمكين الطرف المقابل من "التصور التونسي للحل" للاطلاع عليه ودراسته قبل الجلسات، وعدم الإقناع بالخطوات التي ستتبعها الحكومة وإعطاء أرقام يغلب عليها عدم الدقة وأحيانا متضاربة، والتهرب من الردود الواضحة على التساؤلات، وحضور غلبت عليه المواقف المتذبذة ولا أحد كان قادرا على تحمل مسؤولية قيادة الوفد وأخذ القرارات والتواصل مع مختلف الفاعلين.. كل ذلك يدل على عدم الجدية ومزيد من إضاعة الوقت واقتصاد البلاد ووضعها لا يحتمل ذلك.
ما خرج من أروقة الاجتماعات يؤكد بأن الوفد غير ملم بالملفات وكان عاجزا عن الرد وعلى تفسير بعض الأرقام المتضاربة أو إعطاء ضمانات جدية وإقناع أعضاء الصندوق والبنك الدولي بعيدا عن خطاب الشعبويات والاستهلاك الإعلامي وهذا ما دفع رئيسة الصندوق للتصريح بأن فريقها سيعمل على التدقيق في ما قدمه الوفد التونسي بناء على المعايير المعتمدة لديهم بما يعني التشكيك وعدم الإقتناع بما أورده الوفد التونسي .
أكيد أن الجولات المقبلة من المفاوضات إذا ما جرت في ظل المنظومة السياسية الحالية ستكون أكثر صعوبة وأكثر وضوحا خاصة بعد التصريحات الغربية لأهم الممولين لصندوق النقد الدولي.
ربما سيكون بوسع القارئ هنا أن يقارن بين مسعى انفرادي استبدادي يغلب عليه الغموض، وبين نقاش معلن تشارك فيها كل الكفاءات الاقتصادية والسياسية، ومناخ توافقي تحكمه القوانين والمؤسسات، لينتهي إلى خلاصة جوهرها أن الاستبداد والرأي الواحد مآلاته وخيمة، وأنها أكثر ضررا إذا تعلقت بمستقبل الأوطان.. حمى الله تونس وكافة بلاد المسلمين من المستبدين وسياساتهم..