مع تزايد التحديات الأمنية التي تواجه دولة الاحتلال، داخليا وخارجيا، لاسيما في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، وإمكانية التوقيع على اتفاق نووي، فإنها تسعى لتمهيد الطريق لاتفاقية جديدة أخرى من شأنها أن تغير المنطقة بأكملها، من خلال الاستمرار في توقيع اتفاقيات التطبيع مع مزيد من الدول العربية والإسلامية.
يستذكر الإسرائيليون أنه في مثل هذه الأيام قبل عامين، قرر الاحتلال ضماً واسعاً لأراضي الضفة الغربية، وهي خطوة تسببت في غضب فلسطيني وعربي واسع، وهددت بإحداث شرخ بينها وبين المجتمع الدولي والدول العربية، حينها اقترحت أطراف من الولايات المتحدة والإمارات ودولة الاحتلال طريقة أخرى لتعزيز وجود الأخيرة، ومكانتها في المنطقة والعالم، من خلال تطبيع العلاقات بينها، وهي خطوة نضجت في غضون بضعة أشهر بالتوقيع على اتفاقيات إبراهيم في البيت الأبيض.
الجنرال عاموس يادلين الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، ذكر في مقال بموقع "القناة 12" العبرية، ترجمته "عربي21"، أن "الاتفاقات التي بموجبها ستمتد دائرة التطبيع إلى دولة عربية مهمة أخرى ستحسن قدرة إسرائيل على التصدي لإيران، وستعيد إسرائيل للمسار الصحيح كونها دولة يهودية آمنة، رغم أن التوقيت لا يبدو مناسبا، في ظل العمليات المسلحة في قلب المدن الإسرائيلية، والحكومة بدون أغلبية في الكنيست، واهتمام العالم يتركز على الحرب في أوروبا الشرقية".
وأضاف أنه "في ظل هذه الأيام الصعبة، فإن من المهم النظر للأفق الاستراتيجي، لأن أزمة روسيا وأوكرانيا تذكر إسرائيل بأهوال الحرب، والأمن الاقتصادي آخذ في التدهور، وأسعار الطاقة والمواد الغذائية آخذة في الارتفاع، والاتفاق النووي شبه الكامل مع إيران يهدد بتعزيز استقرار المنطقة؛ وتتساءل دولها عن ما إذا كانت الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به، ورغم ذلك فإنه ضمن هذه التحديات بالتحديد، لدى إسرائيل فرصة لتصعيد الأمن والتطبيع في الشرق الأوسط".
وأكد أنه "قبل شهر من الآن، وبعد تعزيز وتعميق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، عقدت قمة غير مسبوقة في النقب، حيث يدفن دافيد بن غوريون، بمشاركة وزراء خارجية إسرائيل ومصر والإمارات والمغرب والبحرين والولايات المتحدة، فيما غابت الأردن، وافتقرت القمة إلى دولة عربية مهمة وهي السعودية، رغم أنه كان صعباً إحضارها للقمة، بالتزامن مع علاقاتها المهتزة مع الولايات المتحدة، بجانب مطالبها بشأن القضية الفلسطينية، أما السلطة الفلسطينية فمنقسمة ومشلولة".
وتزعم الأوساط الإسرائيلية أن "اتفاقيات التطبيع أتاحت لكل طرف فرصة لتعزيز مصالحه الحاسمة، وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة والسعودية والاحتلال يمكن لهم تقديم مساهمة كبيرة في دفع عجلة قضاياها الخاصة، وبالتالي تعزيز مصالحها طويلة المدى، بزعم أنه يمكن اختبار قدرة هذه الدول على اتخاذ قرارات صعبة، وتجاوز الروايات التقليدية، وضغوط الشارع، لتعزيز أولوياتها الاستراتيجية طويلة المدى".
على الصعيد الأمريكي، يدعي الإسرائيليون أن "للرئيس جو بايدن فرصة نادرة ليثبت لحلفاء الولايات المتحدة أنه شريك موثوق به، ولتعزيز المصالح المهمة لأمريكا المتمثلة بالسلام والاستقرار والأمن الإقليمي، وتحسين المواقف تجاه روسيا، وخفض أسعار الطاقة والمنافسة مع الصين في الشرق الأوسط وخارجه، وإصلاح علاقاتها مع دول الخليج التي تشعر بخيبة أمل من سلبيتها في مواجهة الملف الإيراني، وتقوية قدراتها الدفاعية، وتعزيز بنية دفاع جوي إقليمي ضد الصواريخ والطائرات المسيرة التي ترعاها إيران، وتقديم ضمانات أمنية بمنعها من حيازة أسلحة نووية بأي شكل".
وتتحدث الأوساط الإسرائيلية عن ما تسميه "اختبار البقاء"، وبموجبه توجد فرصة للتوصل إلى اتفاقية تطبيع مع دولة عربية كبيرة مثل السعودية، لأن مثل هذا الاتفاق سيرسخ مكانة إسرائيل في المنطقة، وسيعزز التزام الولايات المتحدة بالتعامل بشكل أكثر فاعلية مع إيران، وبرنامجها النووي، ونفوذها الإقليمي، من خلال مساهمتها الاستخباراتية والأمن السيبراني والتصوير الجوي والتدريب وأنظمة اعتراض متقدمة للدول العربية المطبعة.
ويزعم الإسرائيليون أنه من أجل تسهيل انضمام السعوديين إلى اتفاقيات التطبيع، فإن إجراءات بناء الثقة تجاه السلطة الفلسطينية مطلوبة من إسرائيل، رغم أنهم يدركون أن حل الدولتين بات غير واقعي، بزعم أن الاحتلال لن يتنازل عن القضايا الأمنية، وأن نهر الأردن سيكون حدوده الجغرافية، وفي الوقت نفسه، يمكن اتخاذ خطوات لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، وتقليل دوافع الهجمات المسلحة، والحفاظ على خيار الترتيبات المستقبلية.
في هذا السياق، يستحضر الإسرائيليون خطط السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين القائمة على تشجيع الدعم والتمويل لمشاريع التنمية الاقتصادية المتسارعة في الضفة الغربية، بما فيها المياه والاتصالات والاستثمارات في قطاع التكنولوجيا العالية وبناء حكم ذاتي أقوى، ومقابل هذه الخطوات المهمة، فإنه يجب على الولايات المتحدة الالتزام بالعمل مع الفلسطينيين، وعلى الساحة الدولية لإنهاء الإجراءات القانونية ضد الاحتلال الإسرائيلي في لاهاي والمؤسسات الدولية الأخرى.
اقرأ أيضا: FP: هل تقبل السعودية بالتطبيع مقابل الوصاية على "الأقصى"؟
بالنسبة للسعودية، تتطلع تل أبيب لأن يتمكن ولي العهد محمد بن سلمان من تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، لتطوير قدرة المملكة على الدفاع ضد هجمات إيران، والحصول على ضمانات أمريكية بأنها لن تمتلك أبدًا أسلحة نووية، وقد صرح بالفعل بأنه يرى الاحتلال شريكا محتملا، لكن مشاركة المملكة في أي تحالف سياسي وأمني رسمي يضم دولة الاحتلال ستتطلب تقدمًا كبيرًا في القضية الفلسطينية.
في الوقت ذاته، فإنه من الصعب على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت التقدم خاصة في ظل موجة العمليات والتطورات السياسية الأخيرة، أن يقدم مبادرات مهمة للفلسطينيين، كما أنه يصعب على ابن سلمان الانضمام للتطبيع قبل التوصل إلى حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تشاؤم إسرائيلي حول فرص بينيت بالعودة للحياة السياسية
انتقاد إسرائيلي لقرار بناء 40 كم بالجدار.. ما تداعياته؟
هجوم إسرائيلي على فشل الإعلام العبري بتغطية الهجمات