1- بداية تشكل جبهة وطنية
نشر أمين عام حزب التيار الديمقراطي يوم السبت (26 آذار/ مارس الجاري) على صفحته تدوينة بكلمتين: "قريبا الانفراج".
حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وقد كانا داعمين لانقلاب
قيس سعيد، اتخذا منه لاحقا مسافة نقدية ثم تحولا
إلى معارضين له، واشتركا في حوار تخوضه أحزاب وتيارات عديدة من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة تكون بديلا لإجراءات قيس سعيد الاستثنائية التي أعلنها في 25 تموز/ يوليو 2021، معطلا المسار الديمقراطي ومنقلبا على الشرعية الانتخابية وعلى الدستور وعلى كل مؤسسات الدولة والهيئات الدستورية.
بعد أكثر من ثمانية أشهر اقتنع أغلب من كان داعما لقيس سعيد بأن هذا الرجل غير قادر على إدارة دولة، وقد بات عاجزا عن تحقيق ما وعد به، خاصة بعد فشل "استشارته القانونية" حيث كانت نسبة المشاركة 5 في المائة، رغم ما سخره لها من إمكانات الدولة ومن موظفين وحتى من استغلال للأطفال الصغار في الحملات الدعائية.
بعد أكثر من ثمانية أشهر اقتنع أغلب من كان داعما لقيس سعيد بأن هذا الرجل غير قادر على إدارة دولة، وقد بات عاجزا عن تحقيق ما وعد به، خاصة بعد فشل "استشارته القانونية"
الانقلاب بات في حكم المنتهي فعليا رغم ما يبديه قيس سعيد من عناد وهروب إلى الأمام، وقد بات معلوما أن الأطراف الخارجية تدعم أي بديل ديمقراطي يتشكل بين قوى سياسية واجتماعية لمنع حصول فراغ يفتح على فوضى.
تونس اليوم تشهد تحركات ميدانية وزيارات خارجية وحوارات حزبية، وكلها في اتجاه إعداد بديل للانقلاب الذي عزل تونس وجعلها تعيش احتباسا سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا.
النائب ماهر مذيوب مساعد رئيس البرلمان المكلف بالإعلام؛ نشر على صفحته: "دعوة من الأستاذ راشد خريجي
الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية لمكتب المجلس للانعقاد صباح يوم الاثنين 28 مارس 2022، للنظر في جدول أعمال المجلس في الفترة القادمة".
وثمة أخبار عن انعقاد جلسة عامة يوم 30 آذار/ مارس الجاري قد تتخذ فيها قرارات مهمة في مواجهة الانقلاب.
وكان عشرات النواب من أحزاب مختلفة ومن مستقلين قد أصدروا بيانا منذ يومين شخّصوا فيه الأزمة الراهنة التي حمّلوا مسؤوليتها لقيس سعيد، ودعوا "جميع النواب الى تحمل مسؤولياتهم التاريخية للمساهمة في إيجاد مخرج للأزمة الحادة التي تمر بها البلاد بعقد جلسة عامة تشاورية لنقاش الحلول الدستورية الممكنة لوضع حد للإجراءات الاستثنائية المعلنة منذ 25 جويلية 2021".
2- مخاوف قيس سعيد
هذه الحركية المكثفة ضد الانقلاب تزعج قيس سعيد، وهو ما يجعله غالبا في حالة من التوتر والغضب والحدة ومهاجمة المعارضين واتهامهم بشتى التهم ووصمهم بأسوأ النعوت، بل وحتى تحريض المواطنين ضدهم حين يتهمهم بالعمالة للخارج وباحتكار المواد الأساسية لتجويع الشعب وبإفشال "الاستشارة الإلكترونية" وبالطمع في تقاسم السلطة معه. وهو يرفض الحوار مع أي جهة، بل يريد إخضاع الجميع بعد أن أخضع لسلطته المطلقة كل مؤسسات الدولة وقام بحل أغلب المؤسسات الدستورية، وهو الآن بصدد التحرش باتحاد الشغل، أقوى منظمة تونسية، ويريد جعله تابعا حتى يُمضي على شروط صندوق النقد الدولي وحتى ينخرط معه في مشروعه الشعبوي.
هذه الحركية المكثفة ضد الانقلاب تزعج قيس سعيد، وهو ما يجعله غالبا في حالة من التوتر والغضب والحدة ومهاجمة المعارضين واتهامهم بشتى التهم ووصمهم بأسوأ النعوت، بل وحتى تحريض المواطنين ضدهم حين يتهمهم بالعمالة للخارج وباحتكار المواد الأساسية لتجويع الشعب
قيس سعيد ينشغل بالرد على معارضية أكثر من انشغاله بخدمة الشعب وإيجاد حلول لمشاكل الناس، وهو يتعمد دعوة رئيسة حكومته في كل مرة ليخطب أمامها موجها ردوده على خصومه بل وحتى على مشاكسات جمهور الفيسبوك.
بعد دعوة رئيس البرلمان رؤساء الكتل
إلى اجتماع مكتب المجلس، وبعد بيان عشرات النواب يدعون إلى جلسة برلمانية تشاورية، وبعد انتشار خبر انعقاد جلسة برلمانية يوم الأربعاء (30 آذار/ مارس الجاري)، دعا قيس سعيد رئيسة حكومته يخطب أمامها ويرسل رسالة إلى اتحاد الشغل ثم رسالة ثانية إلى النواب مخاطبا إياهم بأسلوب ساخر متعال قائلا: "هناك مركبة فضائية في السماء فليجتمعوا في هذه المركبة الفضائية إن أرادوا، ولكن المجلس مجمد وأي قرار سيتم اتخاده هو خارج الفضاء وخارج التاريخ وخارج الجغرافيا، ومن يحلم بأن يعود إلى الوراء فهو واهم واهم واهم".
سلطات قيس سعيد
منعت الأحد (27 آذار/ مارس الجاري) اجتماعا للمعارضة في بقاعة بمدينة الحمامات وذلك بتهديد صاحب القاعة بغلقها إن هو فتحها لهم، وقد سبق أن اتفق معهم على ذلك، علما أن الاجتماع مرخص له قانونيا، وقد اضطر الناشطون لعقد اجتماعهم خارج القاعة.
توتر قيس سعيد يكشف عن شعوره بالفشل وربما أيضا بقرب نهاية إجراءاته الاستثنائية، وقد لا يكون جزءا من التسوية. استمرار الانقلاب ليس لعوامل ذاتية وإنما لضعف وتشتت خصومه، ولذلك هو يسعى إلى عدم اتحادهم ويذكرهم بخلافاتهم وصراعاتهم القديمة.
توتر قيس سعيد يكشف عن شعوره بالفشل وربما أيضا بقرب نهاية إجراءاته الاستثنائية، وقد لا يكون جزءا من التسوية. استمرار الانقلاب ليس لعوامل ذاتية وإنما لضعف وتشتت خصومه، ولذلك هو يسعى إلى عدم اتحادهم
3- تفاصيل ولكنها جوهرية
نسق الحوارات بين معارضي الانقلاب في تصاعد، وثمة اتفاق على أبرز النقاط والأهداف باتجاه صياغة بديل ورؤية مشتركة، غير أن خلافا يبدو بسيطا ولكنه ذو رمزية لا يمكن الاستهانة به.
معارضو الغنوشي يشترطون عدم ترؤسه هو لجلسة البرلمان، بل ثمة من يعترض حتى على نائبته الأولى سميرة الشواشي ويقترحون النائب الثاني طارق الفتيتي، وثمة من يقترح النائب عن حركة الشعب سالم الأبيض لرئاسة الجلسة.
الذين يطالبون الأستاذ راشد الغنوشي بالتنازل عن رئاسة البرلمان، أو رئاسة "جلسة تحدي الانقلاب"، بدعوى المصلحة الوطنية، هم في الحقيقة يطلبون ما لا يحق لهم طلبه، ليس فقط لكون الرجل منتخبا، وإنما لكونهم قادمين من ضفة مهزومة يريديون صناعة نصر في ضفة تقترب من انتصارها.
برأيي، المراجعات أمر جيد ومحمود حتى وإن قام بها مساندو انقلاب ساذج، وعودة مساندي الانقلاب الى التجريب الديمقراطي هي محل ترحيب ولا تكون مجال محاسبة ومحاكمة، ولا يضيق بهم مسار الاستئناف و"التصحيح"، فالقبول بعودة المراجعين علامة وعي وطني وإرادة تجميع وتوحيد من أجل مستقبل بناتنا وأبنائنا، ولكن تلك المراجعات يفترض أن تكون مبدئية لا مخاتلة متحيلة، فالعودة إلى المسار الديمقراطي تقتضي "الاستئناف" من حيث توقف ثم تكون التنازلات لاحقا.
تنازل الغنوشي ليس أمرا جديدا، وليس يضيره شيء ألا يكون رئيس برلمان، بل كان عليه ألا يذهب أصلا هناك (كنت نصحت بعدم ترشحه، وربما كان استشرف لحظة وقوفه وحده قبالة مدرعة سعيد تسد باب البرلمان). الغنوشي لا يستمد قيمته من مكان بل يستمدها من مكانة، مكانة نضالية ومعرفية وتاريخية وعلائقية، إنه يمتلك سلطة المعنى او سلطة النص أو سلطة التجربة، فلا يحتاج أن يكون رئيس برلمان لكي يكون "راشد الغنوشي".
الذين يطالبون الأستاذ راشد الغنوشي بالتنازل عن رئاسة البرلمان، أو رئاسة "جلسة تحدي الانقلاب"، بدعوى المصلحة الوطنية، هم في الحقيقة يطلبون ما لا يحق لهم طلبه، ليس فقط لكون الرجل منتخبا، وإنما لكونهم قادمين من ضفة مهزومة يريديون صناعة نصر في ضفة تقترب من انتصارها
رحابة الصدر وكبر القلب صفتان محمودتان في بيئة مفعمة بالقيم والمبادئ والتواضع، ولكن في بيئة ملوثة يتحول الصدر الرحب في أعين المخاتلين الى "خرابة" ينكلون فيها بمن يتنازل لهم.
الذين يستعجلون "تنحيه" إنما يمنّون أنفسهم برؤية "خصم" في وضع يتأولونه "انتصارا" لهم و"هزيمة" له، وهزمه يريدون من خلاله هزم المسار الديمقراطي وأشواق الثورة، وتحديدا وهو الأهم هزم أيديولوجيا ظلوا يقارعونها عقودا.
بنظري، الغنوشي لن يتنازل عن رئاسة "جلسة الاستئناف" لرمزيتها وقد يتنازل بعدها وينزل من القطار دفعة واحدة حين يراه انطلق. الغنوشي يمكنه امتطاء المعنى يستحضر محطات كان أدركها حين كان "خصومه" يتحسسون مساربهم نحو "محطة".
twitter.com/bahriarfaoui1