أثارت وفاة زوجة رجل الأعمال المصري صفوان ثابت المحبوس هو ونجله سيف، انتقادات واسعة لنظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والتي تدهورت حالتها الصحية والنفسية عقب حرمانها من زيارتهما واستمرار حبسهما في ظروف قاسية.
وأعلنت مريم ثابت خبر وفاة والدتها بهيرة الشاوي على صفحتها على موقع التواصل تويتر مساء الجمعة بعد معاناة مع الحزن والألم والمرض حيث كانت تعاني من مضاعفات العلاج بالكيماوي نتيجة إصابتها بمرض السرطان.
ورفضت السلطات المصرية بما فيها الجهات السيادية التي تتولى زمام قضية الأسرة التي تملك واحدة من أكبر شركات الألبان والعصائر في مصر والعالم العربي وأكثرها انتشارا ونجاحا، كل جهود الوسطاء في السماح لزوجها ونجلها بزيارتها وهي في غرفة العناية المركزة تصارع الموت وباءت كل محاولاتهم بالفشل، في خطوة وصفها مقربون وحقوقيون بأنها "خلو من الإنسانية".
وسمحت السلطات المصرية لزوجها بالخروج من محبسه وحضور جنازتها ومراسم دفنها وسط حراسة أمنية مشددة، في محل إقامتهم في مدينة 6 أكتوبر بالجيزة غرب القاهرة، مع عدم السماح بالاقتراب منه أو الحديث إليه أو الإدلاء بأي تصريحات.
وتدهورت حالة الشاوي النفسية والجسدية بعد قيام نيابة أمن الدولة العليا باستدعائها واستجوابها لـ 8 ساعات متواصلة بعد أن نشرت مقطعا مصورا عبر حسابها على فيسبوك نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي تناشد فيه رئاسة الجمهورية بالنظر في قضية زوجها ونجلها، الذي قالت عنه "ابني موجود في غرفة في أشد سجن في مصر تحت الأرض ما بيطلعش منها وما بيشوفش الشمس ليه؟".
وخضعت الشاوي حينها، بحسب المحامي ناصر أمين، لتحقيقات مطولة أمام النيابة التي وجهت لها اتهامات بـ"نشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها"، وتهديدها ودفعها لعدم إثارة قضية زوجها ونجلها على وسائل التواصل الاجتماعي مرة أخرى.
وبحسب موقع مدى مصر (مستقل)، فإنه منذ إخلاء سبيل الشاوي توقفت عن بث مقاطع مصورة لمناشدة السيسي للنظر في قضية زوجها ونجلها، وبحسب مصدر مقرب فقد تسبب الضغط الذي تعرضت له خلال التحقيق من قبل نيابة أمن الدولة العليا في انفجار بأحد شرايين العين أجرت على إثره عملية جراحية.
ويمتلك صفوان ثابت العلامة التجارية "جهينة"، وهي واحدة من أكبر العلامات التجارية العاملة في مجال الألبان والمواد الغذائية في مصر والعالم العربي، وتمتلك العديد من المصانع ويعمل بها نحو 4500 عامل بشكل مباشر ونحو 25 ألفا من العمالة غير المباشرة، وهي مقيدة بالبورصة المصرية وتصل قيمتها أكثر من 7 مليارات جنيه. (الدولار يساوي 15.75 جنيها).
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على ثابت مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة جهينة في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قبل أن تقرر الجهات المعنية حبسه واتهامه بـتمويل الإرهاب، ومشاركة جماعة، أُسست على خلاف القانون، ولاحقا تم ضم نجله الأكبر سيف الرئيس التنفيذي للشركة إلى القضية ذاتها.
محاولة الاستيلاء على جهينة
وتعد شركة جهينة للمواد الغذائية، التي تأسست عام 1983، أكبر شركة مصرية في إنتاج الحليب والزبادي والعصائر، وتصدر إنتاجها إلى أسواق كثيرة في الشرق الأوسط وأمريكا والدول الأوروبية، وحصلت على شهادات جودة محلية وعالمية.
وربط مراقبون بين ما وصفوه بخطة ممنهجة من أجل تدمير أو ابتزاز وتفتيت الشركة وبين مساعي رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، العام الماضي، لإنشاء منظومة متكاملة لمراكز تجميع الألبان على مستوى البلاد.
وتعود قصة استهداف الشركة عندما قررت لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين التحفظ على أموال ثابت الشخصية السائلة والمنقولة والعقارية في آب/ أغسطس 2015 بزعم أنه "عنصر إخواني وأحد كوادر التنظيم"، وأحد داعمي المظاهرات المناوئة للانقلاب، واعتصام أنصار الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
تلا ذلك قيام اللجنة بالتحفظ على 7.2% من أسهم الشركة التي يمتلكها ثابت بطريقة غير مباشرة، من خلال مساهمته بنحو 14.2% في صندوق فعون الذي يمتلك نحو 51.02% في جهينة.
واستمرارا لمسلسل التضييق والملاحقة، أدرجته السلطات المصرية على قائمة الإرهابيين إلى جانب قيادات الجماعة في كانون الثاني/ يناير 2017 لمدة ثلاث سنوات بحكم قضائي من محكمة الجنايات بزعم تمويل الجماعات الإرهابية واحتكار الشركات والمؤسسات للبضائع بهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.
تنديد محلي ودولي
وكانت منظمات محلية ودولية من بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش قد دعت إلى الإفراج الفوري عن ثابت ونجله المحتجزين في سجون السيسي بعد أن رفضا، وفقا للتقارير، تسليم أسهمها في شركتهما إلى أخرى تجارية تملكها الدولة.
وأشارت ووتش إلى أن نيابة أمن الدولة العليا حبستهما في انتهاك لحقوقهما الأساسية في مراعاة الأصول القانونية بتهم غامضة هي تمويل الإرهاب، وتقويض الاقتصاد الوطني، والانضمام إلى جماعة محظورة، دون تقديم أي دليل لدعم هذه التهم.
وندد مركز الشهاب لحقوق الإنسان بتعامل السلطات المصرية غير الإنساني مع الشاوي، تارة بمنعها من زيارة زوجها ونجلها، وتارة أخرى بمنعهما من زيارتها وهي في لحظاتها الأخيرة، وحملها مسؤولية وفاتها.
وقال مدير المركز خلف بيومي لـ"عربي21": "النظام كان سببا في تدهور حالتها الصحية بالقبض على زوجها وولدها وتعريض حياتهما للضرر البالغ بالحبس غير المبرر"، مؤكدا على أن "النظام فقد إنسانيته حينما لم يتجاوب مع دعوة الأسرة للإفراج عن زوجها وابنها في أيام مرضها الأخيرة، وهو أمر متاح ومنظم وفق قانون السجون وحسب لائحته التنفيذية، ولكن هي عقلية النظام الذي يحارب أبناءه".
تفاعل وتضامن واسعان
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بوفاة الشاوي باعتبارها إحدى ضحايا النظام المصري وحملوه مسؤولية وفاتها بعد تعرضها لضغوط نفسية قهرية أكبر من احتمالها ما أورثها حزنا وكمدا ومرضا اجتمعوا عليها في أوقات ضعف وانكسار.
وقال البعض إن خبر وفاتها يسلط الضوء على الظلم البين الذي تتعرض له آلاف الأسر المصرية في ظل صمت من قطاع عريض من المجتمع، وهذا بالتالي يعطي الظالم مناعة من العقاب، معتبرين ما يحدث بمثابة كارثة أخلاقية إنسانية.
حقوقيات مصريات يكشفن حقيقة وضع المرأة في عهد السيسي
ارتفاع أسعار الخبز يفجر غضب المصريين.. ما خيارات الحكومة؟
مسح يرصد إمبراطورية المخابرات المصرية.. "تقنين سري"