يشتد الصراع السياسي في ليبيا بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المعين من البرلمان، فتحي باشاغا، وسط مخاوف من التصعيد العسكري بين الطرفين، وتداعياته على البلاد، التي قد تطال مصراتة التي عرفت بصمودها خلال الثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي.
وتختلف مدينة مصراتة في تركيبتها الاجتماعية عن باقي المدن الليبية، فهي تعيش منذ أكثر من عشر
سنوات على صفيح ساخن، لكنها صمدت ضد محاولات شقها، حتى إنها لقبها نشطاء بـ"مصراتة
الصمود" في أثناء الثورة وبعدها.
وشهدت المدينة اتفاقا غير معلن بعدم الاقتتال الداخلي، رغم الاختلافات العميقة خلال فترات متباعدة، مكنها من تجاوز "حرب البنيان" ضد تنظيم الدولة التي راح
ضحيتها المئات.
وما يزيد من أهمية المدينة، أن القرار السياسي في طرابلس أصبح بنسبة كبيرة يتخذ في
مصراتة منذ عام 2014، بحسب محللين، لفتوا إلى أن الأمر أزعج الكثيرين وأهمهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي ظهر في أكثر من كلمة يحرض عليها.
وتعد مصراتة كذلك العاصمة الاقتصادية للبلاد، بفضل الطابع التجاري الذي اكتسبته،
كما أن لها دورا سياسيا مهما في استقلال البلاد والقتال ضد المستعمر الإيطالي.
صراع الدبيبة-باشاغا
ينحدر الرجلان كلاهما من مدينة مصراتة، فباشاغا عسكري وسياسي من أبناء ثورة 17
فبراير، أما الدبيبة فهو رجل أعمال وموظف حكومي، إبان حكم نظام القذافي سابقا.
ومن المفارقات، أن يصل الصراع بين الرجلين إلى مرحلة "دعم العدو وعداء الصديق"، فقد صار الدبيبة مدعوما من
أغلبية أنصار ثورة 17 فبراير، أما باشاغا فأصبح أغلب الداعمين له من أنصار حفتر الذين يعلنون "العداء" لمدينة مصراتة.
وبدأ الصراع
السياسي بين الرجلين، منذ انتخابات لجنة الحوار السياسي بجنيف برعاية الأمم
المتحدة التي فازت بها قائمة الدبيبة، أمام قائمة باشاغا التي ضمت رئيس البرلمان
عقيلة صالح أيضا، رغم أن كل التوقعات كانت تصب لمصلحة الأخير.
وعقب فشل إجراء
الانتخابات التي كانت مقررة في 24 من كانون الأول/ ديسمبر، وجد حلف عقيلة وباشاغا
وحفتر، الحل في خارطة طريق جديدة، تنبثق عنها حكومة أخرى وفترة انتقالية جديدة لمدة 14 شهرا.
ومن هنا، برزت تساؤلات عديدة حول مصير المدينة في حال تصاعد الصراع السياسي
بين الرجلين، وهل أن الأمر مرتبط بالمحاولات المتكررة لتفكيك "شفرة
الصمود" وتفتيت مصراتة من الداخل؟
صمت دولي .. تهدئة بمصراتة
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي علي فيدان، في تصريح خاص
لـ"عربي21"؛ إن "الأهم من كل التحركات العسكرية هو الموقف الدولي
والصمت المطبق إزاء ما يحصل.. كل ذلك أوحى بأنه ينتظر رجحان أحد الكفّتين ليعترف
بحكومته.. سواء من الدبيبة أو باشاغا".
وأضاف: "إذا بقي الدبيبة على الأرجح، سيتم المضي في مقترح المستشارة ستيفاني ويليامز الأخير.. أما إذا استلم باشاغا، فسيتم اعتماد خارطة الطريق التي أقرها البرلمان".
وتابع المحلل السياسي لـ"عربي21" أن "مدينة مصراتة قد
تأثرت سياسيا بما حدث بطبيعة الحال، على اعتبار أن الدبيبة وباشاغا هما ينحدران من المدينة.. لكنْ هناك وعي ونضج في المدينة ألا يتحول الصراع السياسي إلى
اقتتال عسكري بين حلفاء الأمس.. ليبقى في حدوده السياسية".
كما أكد أن "هناك مساعي خيّرة من المعنيين بإخماد هذه النيران، التي أحدثتها الصراعات السياسية في المدينة"، بحسب قوله.
بينما يرى فيدان بأن "هناك مساعي حثيثة من معسكر "حفتر" لتفتيت المدينة الأقوى التي تشكل توازنا واضحا مع قواته.. حيث إن فشله في الهجوم
على طرابلس جعله يلتجئ إلى الطرق السياسية الملتوية لإحداث شرخ وشق للصف في
المدينة، التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لمنعه من السيطرة على ليبيا".
تناقضات السياسة وحسابات حفتر
من جانبه، أكد المحلل السياسي بدر شنيب في تصريح خاص لـ"عربي21"
أن هذا الصراع هو أكبر انقسام سياسي وعسكري تشهده المدينة منذ عام 2016، عندما دخل
المجلس الرئاسي للعاصمة حيث يظهر بوضوح صعوبة وضع باشاغا في معقله في المدينة من
حيث قدرته على كسب التأييد الشعبي والعسكري، فقد كانت حادثة الاعتداء على وزرائه
واختطاف بعضهم ضربة موجعة لصورته كرجل المنطقة الغربية القوي".
وأضاف: "في المقابل، تمكن منافسه الدبيبة القادم من خلفية اقتصادية، وكان محسوبا لفترة طويلة على النظام السابق من صنع تحالفات تحصن وراءها، وجعلته في
موقف جيد لفترة بالإضافة إلى شعبيته التي كونها من خلال مشاريع حكومته".
كما استدرك شنيب في تصريحه الخاص لـ"عربي21"، بالقول؛ إن "الأمر
المقلق أن يتحول هذا الانقسام إلى صراع مسلح بين أبناء المدينة التي لطالما عرفت
بأنها درع الثورة وقوتها العسكرية، ما قد يقلل من وزنها في الخارطة السياسة الليبية
ويضعف بالمجمل قوى المنطقة الغربية في مواجهة قوات حفتر في الشرق، وهو ما دفع إلى
نظرية المؤامرة بالصعود التي تتحدث أن تأييد تيار الكرامة لباشاغا القوي هو لضرب
المدينة وإدخالها في فوضى الصراع، وليس من أجل صفقة سياسية لجلب الاستقرار".
وتابع المحلل السياسي الليبي بالقول؛ إن "حفتر يعلم أن مصراتة هي صمام
أمان المنطقة الغربية.. وبدونها لا يمكن حكم ليبيا، خاصة بعد هزيمته عام 2020..
لذلك لجأ إلى استقطابها سياسيا.. ونجح في ذلك".
وبيّن لـ"عربي21": "حتى الآن فهو يلعب بين التحالف معها ودخول العاصمة سلميا أو
إدخالها في صراع داخلي، تمكنه من الدخول عسكريا بعد إضعافها أو خلسة في لحظة ضعفها..
لكن احتمالية حدوث هذا يظل ضعيفا، في ظل
حنكة قيادات مصراتة السياسية والعسكرية، وتمكنهم من الخروج من كل الأزمات التي ضربت
المدينة دون الذهاب لخيار الاقتتال الداخلي".
مصر.. وتفتيت مصراتة
في حين قال المحلل السياسي عبد الله الكبير، في تصريح خاص لـ"عربي21"؛ إن "الهدف الرئيس من هذا المخطط الذي أشرف عليه رئيس البرلمان، عقيلة صالح مع الجنرال خليفة حفتر والمخابرات المصرية، هو تفتيت قوة مصراتة وزرع الفتنة فيها، من خلال تكليف أحد أبنائها، وأحد قياداتها فتحي باشاغا".
وأوضح الكبير: "لكن أعتقد أن هذا المسعى قد خاب؛ لأن المدينة إلى حد
الآن متماسكة وهناك ميثاق شرف غير مكتوب ومعلن، بأنه مهما بلغت حدة الخلافات لا
يتواجه أبناء المدينة بالسلاح.. حتى الآن هناك مفاوضات بين المجموعات الموالية
لفتحي باشاغا، التي تريد أن تدخل لطرابلس لإقناعها بالعدول عن هذه المحاولة".
وأضاف: "الشعب الليبي يرفض التمديد للبرلمان ويرفض تشكيل حكومة
انتقالية جديدة، ويريد الانتخابات، ومن ثم عليهم الانصياع لمطالب الشعب".
كما نوه في تصريحه الخاص لـ"عربي21" أن "مصراتة متماسكة ولن
تتأثر سياسيا أو اقتصاديا.. ولن تسمح بأن تتغلغل هذه الفتنة، وأن يتواجه أبناء
المدينة بالسلاح".
حفتر يستعرض صواريخ باليستية.. هل بمقدوره خوض حرب جديدة؟
ما تداعيات استقالة وزراء في حكومة الدبيبة ودعمهم باشاغا؟
باشاغا يؤكد دخوله طرابلس قريبا.. هل يصطدم عسكريا بالدبيبة؟