في وقت توصف فيه دول الغرب التي أنشأت دولة الاحتلال بأنها واحة الديمقراطية؛ استخدمت إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة (1948- 2022) وسائل الإرهاب المنظم لتهويد فلسطين، فمن القتل والاغتيال والتشريد للشعب الفلسطيني مروراً باعتقال وقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، وصولاً إلى ارتكاب الترويع وارتكاب المجازر المروعة على مدار الساعة في جنبات فلسطين التاريخية؛ جنبا إلى جنب مع مصادرة واحتلال المزيد من الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات الاستعمارية لفرض التهويد في نهاية المطاف.
ويهذه العبارة "إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية"؛ لخص ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، المنطلقات الإستراتيجية للحركة الصهيونية وإسرائيل أهم المنطلقات لاحتلال فلسطين.
المجازر كمقدمة للتهجير
لم تبدأ المجازر الصهيونية في عام 1948، ففي ليلة 15 تموز (يوليو) 1947، دخلت قوة للـ "هاغانا" بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن، ويقع بين يافا وبتاح تكفا. وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه. ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت 11 عربياً بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر سبع سنوات، والثانية ثماني سنوات، والابن ثلاثة أعوام.
وفي 29 أيلول (سبتمبر) 1947، هاجمت "الهاغانا" أيضاً، سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) 1947، دخلت قوة من "الأرغون" ترتدي بدلات عسكرية بريطانية، بلدة الطيرة في قضاء حيفا، وقتلت 12 عربياً وجرحت ستة آخرين. وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة "الأرغون" قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في القدس، فقتلت أربعة من العرب.
وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، وقتلت ستة من العرب، وتبعاً لأرقام إحصائية، استشهد في 13 كانون الأول في كافة المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة 21 مدنياً عربياً. وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى الفلسطينية المختلفة.
لكن المجزرة الأكبر كانت في 30 كانون الأول 1947، حين رمت جماعة من "الأرغون" صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو مئة عامل فلسطيني، كانوا واقفين أمام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل أسمائهم للعمل، وقتل في الهجوم ستة من العرب وجرح 46 آخرون، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس 41 يهودياً وجرحوا 48.
ارتكبت العصابات الصهيونية أثناء فترة الانتداب البريطاني 12 مذبحة، في حين ارتكبت 13 مذبحة بعدها، ضد الفلسطينيين العزل.
وتابعت هذه العصابات مجازرها وتدمير المنازل، والضغط على الفلسطينيين في القرى والمدن الفلسطينية كافة خصوصاً خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 1948 وحتى أيار (مايو) من العام ذاته، وكان الهجوم يتم من ثلاث جهات، في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهرب الفلسطينيين الناجين من المجازر، حاملين معهم أخبار ما حدث إلى القرى القريبة، حتى ينتشر الرعب في قلوب الأهالي.
وتوجت المجازر الصهيونية بقتل الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في القدس في 18 أيلول (سبتمبر) 1948، على يد العصابات الصهيونية وكان من بينها رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، بعدما حمّل الوسيط الدولي في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين. وأكد أن أي تسوية لا يمكن أن تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم.
وبناءً على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948. وبشكل عام أدت المجازر الصهيونية في ما بعد إلى التهجير لغالبية سكان فلسطين ؛ حيث تشير معطيات الى تهجير (850) الف فلسطيني من اصل مجموع الشعب الفلسطيني آنذاك والمقدر بنحو مليون وأربعمائة ألف فلسطيني .
سياسة الاغتيالات
حفل تاريخ إسرائيل منذ نشأتها في أيار/ مايو 1948، بملاحقة بعض الشخصيات العربية والفلسطينية التي تعتبرها مناهضة لتلك السياسة واغتيالها حتى في بعض دول أوروبا وأمريكا. أصبح الاغتيال فكراً ومنهجاً منظماً لدى قادة إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة. وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء إسرائيل من قبيل إسحاق شامير، وإسحاق رابين وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا في إطار العصابات الصهيونية، الهاغانا، والشتيرن والأرغون وغيرها من العصابات الصهيونية؛ وقد يكون من أهم أعمالهم قبل عام 1948 التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، وتوجت أعمالهم في اغتيال الوسيط الدولي الكونت برنا دوت في القدس في 17 أيلول/ سبتمبر 1948 بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل ويحملها تبعات النكبة الكبرى في عام 1948.
والثابت أن سياسة الاغتيال الإسرائيلية لم تكن مقوننة في إطار القانون الإسرائيلي المزيف، إلا أن الحقائق باتت راسخة بعد ذلك لجهة قوننة تلك السياسة الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني ورموزه بغض النظر عن الخلفية السياسية لهذا الرمز أو ذاك. وقد أكدت "تانيا راينهات" أستاذة اللسانيات في جامعة تل أبيب في كتابها المترجم في دار الفكر في دمشق قبل عدة سنوات، أن سياسة الاغتيال السياسي ليست جديدة في إسرائيل، لقد استخدمتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، بما في ذلك أثناء السنوات التي تلت اتفاقات أوسلو.
الحركة الأسيرة
بدأ تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948، وتعتبر قضية الأسرى من أكبر القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية في العصر الحديث، خصوصاً أن مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني دخلوا السجون على مدار سني الصراع الطويلة مع الاحتلال والحركة الصهيونية، وكانت سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت عام 1987، وسنوات الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000، من أصعب المراحل التاريخية، حيث اعتقلت إسرائيل في أثناء الانتفاضتين عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
وقد تبوأت قضية الأسرى الفلسطينيين ومعركة الأمعاء الخاوية مكانة مهمة في إطار القضية الفلسطينية منذ 1967، نظراً إلى أنها طاولت عدداً كبيراً من الفلسطينيين، وفي شكل أساسي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وستبقى تلك القضية متلازمةً مع وجود الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أراضي الفلسطينيين بقوة السلاح والإرهاب المنظم.
دول الغرب تتحدث بشكل متواتر يومياً عن ضرورة محاربة الإرهاب في العالم؛ وتتجاهل بشكل مقصود الإرهاب الاسرائيلي المنظم إزاء الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، في وقت قاطعت فيه العديد من الجامعات الغربية ومؤسسات مجتمعية الجامعات الإسرائيلية وبضائع اللمستوطنات الاستعمارية.
ويمكن تلمس أهمية قضية الأسرى الفلسطينيين من خلال المعطيات والحقائق الماثلة، حيث اعتقل الجيش الإسرائيلي نحو مليون فلسطيني بين عامي 1967 و2021 في الضفة الغربية والقطاع. وثمة 4850 أسيرا فلسطينيا يقبعون حالياً داخل سجون الاحتلال، وسط معاناة كبيرة جرّاء الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وحسب آخر إحصاءات هيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ فإن من بين إجمالي الأسرى يوجد 43 سيدة، و225 طفلا؛ كما يعاني أكثر من 500 أسير وأسيرة ـ حسب الهيئة ـ من أمراض مختلفة، بينهم العشرات من ذوي الإعاقة ومرضى السرطان. وتحتجز سلطات الاحتلال الأسرى في 22 سجناً ومركز توقيف. وقد تعرّض 95 في المائة من الأسرى للتعذيب القاسي والإساءة من المحققين والجيش الإسرائيلي.
ويشمل التعذيب صنوفاً مختلفة، مثل الضرب والاعتداء، بشكل وحشي وهمجي، على الأسرى في أثناء اعتقالهم، وقبل نقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف، بالإضافة إلى إجبارهم على خلع ملابسهم، وتركهم ساعات طويلة في البرد القارس، وهم مكبلو الأيدي والأرجل، وحرمانهم من استعمال المراحيض، ناهيك عن منع زيارات ذويهم.
وفي إطار عدوان إسرائيل المستمر على الشعب الفلسطيني في وطنه وخارجه، كانت عملية اعتقال الفلسطينيين بمثابة حرب إسرائيلية معلنة، ما زلنا نشهد فصولها على مدار الساعة، للحد من حركة الشباب المقاوم. وبالتالي، الكفاح المشروع لتلك الشريحة من الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي ومعالمها الاحتلالية، وفي مقدمتها النشاط الاستعماري في عمق الأراضي الفلسطينية.
ويبقى القول بأن دول الغرب تتحدث بشكل متواتر يومياً عن ضرورة محاربة الإرهاب في العالم؛ وتتجاهل بشكل مقصود الإرهاب الاسرائيلي المنظم إزاء الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، في وقت قاطعت فيه العديد من الجامعات الغربية ومؤسسات مجتمعية الجامعات الإسرائيلية وبضائع اللمستوطنات الاستعمارية.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
ما أهمية أن تصف منظمة العفو الدولية إسرائيل بدولة فصل عنصري؟
رسائل إسرائيل لا تنعش غيبوبة فلسطينية وعربية
ميزان عبد الستار قاسم في ذكرى رحيله الأولى