مع تواصل العدوان الإسرائيلي على أهالي النقب، تمهيدا لترحيلهم عنها، وتهويدها، يزداد الحديث الإسرائيلي عن أصل المشكلة القائمة هناك، وبين مدافع عن السياسة الحكومية المتبعة، المتمثلة بترسيخ الاستيطان في النقب، ولو على حساب سكان الأرض الأصليين، وبين من يدعو للاستجابة لمطالب الفلسطينيين البدو العادلة، المتمثلة في توفير حقوقهم وتحسين ظروفهم ومعيشتهم، بدل تهميشها، والاعتماد على الحل الأمني في قمعهم، واضطهادهم.
مع العلم أن ما تشهده النقب اليوم من مواجهات بين الفلسطينيين المظلومين، وبين قوات الاحتلال ومستوطنيه، ليس سوى قمة جبل الجليد من معاناة استمرت منذ سبعة عقود وزيادة، مارست فيها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سلسلة من العدوانات المتلاحقة على البدو هناك، من خلال قمعهم أمنياً، ومحاربتهم اقتصاديا، وملاحقتهم في لقمة عيشهم.
آفي دابوش الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم ذكر في مقاله الذي ترجمته "عربي21" أن "إهمال السلطات الإسرائيلية على مدى عقود، لحالة الضيق والمعاناة التي يواجهها المجتمع البدوي في النقب ليكون الأفقر في إسرائيل، أمر مذهل ومدهش وخطير، مع أن تجاهل مثل هذه المعاناة سيسفر في النهاية، كما نرى الآن، عن حالة من الانتفاضة والمواجهات غير المرغوبة من دوائر صنع القرار في إسرائيل".
وأضاف أنه "بينما أسفرت ظواهر الفقر المدقع وانخفاض فرص الحياة بين اليهود الشرقيين والإثيوبيين عن انتشار عمال الجريمة، فإنها أسفرت عند العرب والفلسطينيين والبدو باندلاع مظاهرات عامة، وإلقاء حجارة على الشرطة، وإغلاق طرق لساعات، وحرق سيارات، صحيح أن الجمهور الإسرائيلي سيدين هذا العنف، لكنهم أدركوا في المقابل أن الوضع الذي يعيشه البدو في النقب أمر لا يطاق، مع أننا أمام فئة سكانية من أكثر من مائة ألف مواطن، مقطوعين عن خدمات الكهرباء والماء والتعليم والبنية التحتية الصحية".
اقرأ أيضا: استشهاد الشيخ "الهذالين" متأثرا بجراحه.. واعتقالات بالضفة
المجتمع البدوي الذي طُرد منذ عام 1948 من مكان إلى آخر، لم يحظ حتى الآن بأي اعتراف من مؤسسات دولة الاحتلال، رغم أنه يسعى للتخطيط والسكن والحقوق المتساوية على الأرض، ويشير إلى الإسرائيليين بوصفهم "الغزاة الذين يتسللون إلى أرضه، ويسرقون مقدراته، ويسطون على إمكانياته".
في الوقت ذاته، فإن المجتمع البدوي في النقب، من الفتيات والفتيان، والنساء والرجال، بينهم أسماء مرموقة في عالم الأكاديميا الرائدة، ومن قادة المجتمع المدني، ورجال الأعمال الناجحين، ولعلهم من بين الأفضل في النقب والإسرائيليين بشكل عام، لكن هذا القمع الذي يواجهونه اليوم إنما هو نتيجة لحملة سياسية إسرائيلية غير مسبوقة، والنتيجة هو اندلاع مزيد من صب الزيت على النار، واشتعال التوتر في القرى البدوية التي "تدوس" عليها المؤسسة الإسرائيلية، على أمل أن تحظى بجائزة أوسكار للكراهية والعنصرية.
قلق إسرائيلي من امتداد انتفاضة النقب إلى مدن بالداخل المحتل