كشف
موقع "ميدل إيست آي" عن مذكرة سرية تتضمن محادثة بين الرئيس الأمريكي
الأسبق، جورج دبليو بوش، مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تونير بلير، وتظهر عدم
اهتمام الطرفين بما سيحصل في العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين.
وجاء
في المذكرة التي كتبها كبير مستشاري السياسة الخارجية لبلير حينها، ديفيد مانينغ، أن جورج بوش قال لتوني
بلير؛ إنه "لا يكترث" لمن حل محل صدام حسين عندما خطط الثنائي لحملة
علاقات عامة لشن حرب على العراق قبل عام من الغزو.
وأشار
"ميدل إيست آي" إلى أن بوش أخبر بلير أنه لا يعرف من سيحل محل صدام حسين
في العراق عندما أطاحوا به، وأنه "لم يهتم كثيرا"، مؤكدا أن الرئيس
الأمريكي السابق كان سعيدا بشأن عواقب شن غزو في اجتماع حاسم مع رئيس الوزراء
البريطاني في كروفورد بتكساس عام 2002، قبل عام تقريبا من اندلاع الحرب.
وكان
بوش مقتنعا بأن ظهور "نظام علماني معتدل" في عراق ما بعد صدام سيكون له
تأثير إيجابي على السعودية والعراق، لكن المذكرة قالت إنه لم يرغب في التصريح بذلك
علنا.
اقرأ أيضا: مترجم سابق يكذّب رواية البنتاغون حول اعتقال صدام بحفرة
ووفق
المذكرة، فإن بوش قد قال إنه من الضروري التأكد من أن العمل ضد صدام سيعزز
الاستقرار الإقليمي لا أن يقوضه، ولذلك فقد طمأن بوش الأتراك بأنه لا جدال في تفكك
العراق وقيام دولة كردية.
ولفتت
المذكرة المسربة إلى أن بلير وفي وقت مبكر من نيسان/أبريل 2002، أي قبل أكثر من ثمانية
أشهر من دخول مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق، بلير كان مدركا أنه قد يتعين عليهم
"تعديل نهجهم" إذا أعطاهم صدام الحرية.
وأكد
كبير مستشاري السياسة الخارجية لبلير، أن مستشارة الأمن القومي الأمريكية كونداليزا
رايس، قالت في اجتماع كروفورد؛ إن "99%" من أفراد القيادة المركزية
الأمريكية لا يعلمون شيئا عن خطط حرب العراق، كما ذكر مانينغ كيف تلاعب بوش وبلير
بالحرب في مسألة إرسال مفتشي الأسلحة إلى العراق.
واعتبر
موقع "ميدل إيست آي" أن المذكرة بمنزلة "المرجع الأول لاستراتيجية
انتهت بإنشاء ملف مخادع سيئ السمعة من المعلومات الاستخباراتية الملفقة" في
قضية حرب العراق، التي تم الاعتراف لاحقا بأن التفاصيل الرئيسية عنها خاطئة.
ونبه
إلى أن "المذكرة تعمل على تقوية النتائج المركزية للتحقيق العام في الحرب
التي قادها جون تشيلكوت، الذي خلص في عام 2016 إلى أن المملكة المتحدة اختارت
الانضمام إلى الغزو قبل استكشاف الخيارات السلمية، وأن بلير بالغ عمدا في تضخيم
التهديد الذي يمثله صدام، وأن بوش تجاهل تقديم المشورة بشأن التخطيط لما بعد الحرب".
وفيما يلي نص المقال :
قال جورج دبليو بوش لطوني بلير إنه لا يعلم من سيحل محل صدام حسين في العراق عندما يطيحان به وأنه "لا يعبأ كثيراً بذلك"، وذلك بحسب تقرير سري مثير للغاية حول الاجتماع بين الرجلين تسنى لموقع ميدل إيست آي الاطلاع عليه.
قبل ما يقرب من عام على شن الحرب، وفي لقاء بالغ الأهمية جمعه برئيس الوزراء البريطاني في مزرعة الأول في ولاية تكساس في عام 2002، بدا الرئيس الأمريكي السابق غير عابئ بعواقب غزو العراق.
ورد في المذكرة التي كتبها كبير مستشاري بلير في السياسة الخارجية: "لم يعلم من هو الذي سيحل محل صدام حسين فيما لو أطحنا به أو عندما نقوم بذلك. ولكنه لم يعبأ كثيراً بذلك، إذ كان يفترض بأنه أياً كان البديل فسيكون أفضل حالاً".
لئن كانت المذكرة تنص على أنه لم يقل ذلك صراحة أو علانية، فقد كان بوش يعتقد بأن "نظاماً علمانياً معتدلاً" في العراق ما بعد حقبة صدام سيكون له أطيب الأثر على المملكة العربية السعودية – الحليف المقرب من الولايات المتحدة – وعلى إيران في نفس الوقت.
فقد قال إن من الأهمية بمكان ضمان أن الإجراء الذي سيتخذ ضد صدام سوف يعزز الاستقرار في المنطقة بدلاً من أن يزعزعه. ولذلك "بادر بوش إلى طمأنة الأتراك بأنه من غير الوارد أن يفضي الغزو إلى تفتت العراق أو نشأة دولة كردية".
كما تكشف المذكرة كيف أنه منذ وقت مبكر، في شهر إبريل / نيسان من عام 2002، أي قبل ثمانية شهور من إرسال فرق التفتيش الدولية عن الأسلحة إلى العراق، كان بلير يدرك بأنهم قد يضطرون إلى "تعديل مقاربتهم" فيما لو أتاح لهم صدام حسين حرية العمل.
يعتقد بأن تلك كانت الإشارة الأولى لاستراتيجية أفضت إلى ابتداع "الملف المراوغ" سيء الصيت الذي احتوى على المعلومات الاستخباراتية المختلقة التي بررت بها الحرب، والتي حصل الإقرار فيما بعد بأن بعض تفاصيلها باطلة.
تعزز هذه المذكرة ما توصل إليه التحقيق الذي أجرى حول الحرب وترأسه جون شيلكوت. وكان ذلك التقرير قد خلص في عام 2016 إلى أن بريطانيا اختارت الانضمام إلى الغزو قبل البحث عن خيارات سلمية لحل المشكلة، وأن بلير تعمد المبالغة في تصوير الخطر الذي يمثله صدام، وأن بوش تجاهل النصح الذي قدم له حول التخطيط لحقبة ما بعد الحرب.
كتبت المذكرة من قبل دافيد مانينغ، كبير مستشاري بلير في السياسة الخارجية بعد يوم واحد من اللقاء الذي جمع بين الرجلين في مزرعة الرئيس الكائنة في كراوفورد، بولاية تكساس، يوم السبت السادس من إبريل / نيسان 2002.
حضر اللقاء إلى جانب بوش وبلير حفنة من المسؤولين من الطرفين. معظم النقاش الذي دار بين الزعيمين كان يجري بينهما بشكل مباشر.
طور الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني بينهما علاقة حميمية خاصة في الفترة التي أعقبت هجمات القاعدة يوم الحادي عشر من سبتمبر / أيلول داخل الولايات المتحدة، وهي التي تعهد بلير بعدها بأنه سيقف "كتفاً بكتف مع أصدقائنا الأمريكيين"، كان الرجلان يثقان ببعضهما البعض ويسر الواحد منهما للآخر بما لا يخطر بباله أن يسر به للبعض من زملائه.
كانت بريطانيا داعماً ومشاركاً أساسياً في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان في أكتوبر / تشرين الأول 2001. إلا أن العراق، الخاضع لعقوبات دولية فرضت عليه بسبب برامج التسليح التي ينفذها نظام صدام حسين، لم يزل نصب أعين الولايات المتحدة منذ إطلاق ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب.
في مذكرة أخرى أرسلت إلى طوني بلير قبل أسابيع من لقاء كراوفورد، ذكر مانينغ أن غونداليزا رايس، مستشارة بوش للأمن القومي، أخبرته أثناء تناول العشاء بأن بوش كان بحاجة ماسة إلى دعم بلير وإلى مشورته، وذلك بعد أن أسخطه رد الفعل الذي كان يرده من أوروبا.
حساسية استثنائية
في ذلك الوقت كانت خطة شن الحرب سراً مكنوناً لم يُطلع عليه حتى بعض كبار القيادات العسكرية في الولايات المتحدة. ومما يلاحظه مانينغ أن "خلية صغيرة جداً" فقط داخل القيادة المركزية في الولايات المتحدة شاركت في وضع الخطط، بينما بقي معظم الرتب العسكرية العليا في الظلام.
كتب يقول: "هذا الخطاب على درجة استثنائية من الحساسية. أمر رئيس الوزراء بأن يبقي طي الكتمان الشديد وألا يطلع عليه إلا من لديهم حاجة حقيقية إلى معرفته، وألا تعمل منه نسخ إضافية".
كانت المذكرة موجهة إلى سايمون مكدونالد، السكرتير الرئيسي الخاص لوزير الخارجية جاك سترو، ومررت على عدد قليل من كبار المسؤولين البريطانيين الآخرين، وهم: جوناثان بويل، رئيس ديوان طوني بلير، ومايكل بويس، رئيس هيئة أركان الدفاع، وبيتر واتكنز، السكرتير الخاص الرئيسي لوزير الدفاع جيف هون، وكريستوفر ماير، السفير البريطاني في واشنطن، ومايكل جاي، السكرتير الدائم في وزارة الخارجية.
أخبرت رايس المجتمعين في مزرعة كراوفورد إن تسعة وتسعين بالمائة من العاملين في سنتكوم لم يكونوا على معرفة بمخططات حرب العراق.
يبين مانينغ في تقريره كيف تلاعب بوش وبلير بقضية إرسال مفتشي الأسلحة الدوليين إلى العراق.
كان الزعيمان يشعران بالقلق إزاء مستوى المعارضة الأوروبية للقيام بإجراء عسكري، وتلاحظ المذكرة أن بوش قبل "بأننا نحتاج لأن نغير جانب العلاقات العامة لكل ذلك بعناية فائقة".
وكتب مانينغ يقول: "قال رئيس الوزراء إننا نحتاج إلى استراتيجية علاقات عامة مرافقة تسلط الضوء على مخاطر برنامج صدام لأسلحة الدمار الشامل وعلى سجله المريع في مجال حقوق الإنسان. فوافق بوش على ذلك بحماس".
وجاء في المذكرة: "سوف يؤكد رئيس الوزراء للشركاء الأوروبيين على أن صدام كان قد منح الفرصة للتعاون. وإذا ما أخفق صدام في ذلك، كما كان يتوقع، فسوف يجد الأوروبيون صعوبة بالغة في مقاومة المنطق الذي يقول إن علينا أن نتخذ إجراء للتعامل مع نظام شرير يهددنا ببرنامج أسلحة دمار شامل."
كان بلير حينها قلقاً من احتمال أن يسمح صدام لمتفشي الأمم المتحدة بالدخول وبالقيام بمهمتهم – وهو الأمر الذي ما لبث أن حدث في واقع الأمر.
عاد المفتشون إلى البلد في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2002 وبقوا هناك حتى الثامن عشر من مارس / آذار 2003، إلى اليوم الذي سبق تماماً شن الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة على العراق.
وكان هانز بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة، قد أخبر مجلس الأمن الدولي في فبراير / شباط 2003 إن العراق يبدو متعاوناً مع المفتشين، وقال إنه لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل.
وبعد محادثة خاصة مع رئيس الولايات المتحدة، قال بلير لمانينغ: "لقد أقر بوش بأن ثمة إمكانية لأن يسمح صدام لهم بالدخول والقيام بالمهمة التي كلفوا بها. وإذا حدث ذلك فلسوف يتوجب علينا تعديل مقاربتنا بما يتناسب مع ذلك".
غضب إزاء منح بلير لقب سير
سُربت مذكرة مانينغ لأول مرة إلى صحيفة ذي ديلي ميل، في خضم الغضب الشعبي إزاء منح بلير لقب سير. حصل موقع ميدل إيست آي على نسخة من نص المذكرة، ويقوم الموقع بنشره كاملاً.
جمعت عريضة تطالب بالتراجع عن منح بلير لقب سير ما يزيد عن مليون توقيع.
وهذه هي المذكرة الثانية التي كتبها مانينغ حول العراق ورأت النور. ففي عام 2004 نشرت صحيفة ذي ديلي تليغراف تفاصيل مذكرة وجهها الدبلوماسي البريطاني إلى بلير حول الاستعدادات لعقد قمة كراوفورد.
ففي المذكرة المؤرخة في الثالث عشر من مارس / آذار 2002، يخبر مانينغ بلير عن العشاء مع رايس وعن خلوصهم إلى أن الإخفاق "ليس خياراً".
كتب مانينغ يقول: "من الواضح أن بوش ممتن لدعمك ولاحظ أنك تتعرض لوابل من النقد. فقلت إنك لن تتراجع قيد أنملة عن دعمك لتغيير النظام، ولكن عليك أن تدير معركة تدور رحاها مع الصحافة والبرلمان والرأي العام لا يوجد لها مثيل داخل الولايات المتحدة. وأنك أيضاً لن تتراجع قيد أنملة عن إصرارك على أننا إذا ما مضينا قدماً في تغيير النظام، فينبغي أن ينجز ذلك بعناية فائقة لكي يعطي النتائج المطلوبة، وأن الإخفاق ليس خياراً".
وأخبر مانينغ بلير بأن قضية مفتشي الأسلحة "ينبغي أن يتم التعامل معها بطريقة تقنع الأوروبيين والرأي العام الأوسع إطاراً بأن الولايات المتحدة تعي إصرار كثير من البلدان على وجود المبرر القانوني."
وفيما يتعلق بالزيارة ذاتها، قيل لطوني بلير إن بوش يريد أن يستشيره، وجاء في المذكرة: "يريد أيضاً دعمك، إذا مازال يشعر بالألم بسبب تصريحات الزعماء الأوروبيين الآخرين تجاه سياسته في العراق".
تلقى بلير عدداً من التحذيرات من كبار المستشارين قبيل انعقاد القمة. فقد كتب بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي لدى الحكومة البريطانية، إلى بلير يقول له إن الجهود المضنية التي تبذل لإيجاد ارتباط بين العراق والقاعدة "لم تزل حتى هذه اللحظة غير مقنعة".
وحتى فيما لو تمكنوا من إثبات أن التهديد الذي يشكله العراق ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد بسبب استخدام البلد للأسلحة الكيماوية في حربه ضد إيران في الثمانينيات، "فما زلنا نواجه مشكلة تتعلق بإقناع الرأي العام بقبول فكرة أن التهديد الوارد من العراق بات وشيكاً. وهذا أمر يحتاج من رئيس الوزراء والرئيس إلى إجراء نقاش جاد بشأنه".
في الخامس والعشرين من مارس / أذار من عام 2002، كتب وزير الخارجية آنذاك جاك سترو إلى بلير يقول له إن عوائد كرافورد ستكون قليلة وأن المخاطر مرتفعة.
وحذر في رسالته إليه من وجود "فخين قانونيين كبيرين". وقال سترو إن تغيير النظام في العراق بحد ذاته لا يبرر القيام بعمل عسكري، مشيراً إلى أنه "يمكن أن يشكل جزءاً من المنهج المستخدم في أي استراتيجية ولكنه ليس هدفاً بحد ذاته".
وأما الثاني فيتعلق بما إذا كان العمل العسكري بحاجة إلى تفويض جديد من مجلس الأمن الدولي.
وكتب سترو يقول: "من المحتمل أن تعارض الولايات المتحدة فكرة الحصول على تفويض جديد. ومن الناحية الأخرى، فإن النصيحة القانونية تستدعي السعي للحصول على تفويض جديد نظراً لأن الأمر يتطلبه في هذه الحالة".
ومضى يقول: "بينما من غير المحتمل أن يتم ذلك، إذا ما أخذنا بالاعتبار الموقف الأمريكي، فإن مسودة قرار يعارض العمل العسكري يؤيده ثلاثة عشر ويعارضه اثنان قد يكون وقعه سيئاً جداً هنا".
أقرب ما يكون إلى فم الحصان
طفت مذكرة مانينغ على السطح أثناء التحقيق الذي جرى بشأن العراق، ولكنها لم تنشر حينذاك ولم يشر إليها إلا من طرف خفي من قبل رودريك لاين، أحد أعضاء لجنة التحقيق، عندما أدلى مانينغ بشهادته في عام 2010.
حينذاك قال لاين موجهاً كلامه إلى مانينغ: "من الواضح أنك كنت أقرب شخص إلى فم الحصان في هذا الأمر".
ومضى لاين ليوجه سؤالاً إلى مانينغ حول ما إذا كانت قمة كراوفورد هي نقطة القرار بالنسبة لبلير. فأجاب مانينغ بأنه ظن في كراوفورد بأن تفكير الولايات المتحدة "انتقل إلى سرعة أكبر".
ومضي يقول إن بوش كان قد شكل فريقاً وطلب من أعضائه منحه خيارات. ثم تمت دعوة مسؤول بريطاني فيما بعد إلى المقر الرئيسي لسنتكوم في تامبا، بولاية فلوريدا، للاطلاع على تلك الخيارات.
وحينما تم الاتصال به للتعليق على الموضوع، صرح ناطق باسم مانينغ لموقع ميدل إيست آي قائلاً: "يود السير دافيد إعادة التأكيد على أنه فيما يتعلق بجميع المراسلات المرتبطة بتلك الفترة فإنه لا يوجد لديه ما يضيفه إلى الأدلة التي تقدم بها لتحقيق شيلكوت".
كما حاول موقع ميدل إيست آي الحصول على تعليق من كل من بوش وبلير.
الرشيد: الرياض فشلت باستعادة دورها ومنيت بخيبات في 2021
الغارديان: اتهامات لبريطانيا باستهداف تاجر سلاح في سوريا
تقرير: الجيش الأمريكي غير جاهز لسيناريو حرب أهلية