استيقظ مئات المعتقلين في السجون المصرية الأسبوع الماضي على قرارات تعسفية من قبل إدارة السجون، بتغريب عدد كبير من المسجونين السياسيين إلى سجون بعيدة تماما عن أماكن سكنهم.
القرار شمل مئات المعتقلين، وكان لسجن جمصة القريب من محافظة دمياط النصيب الأكبر بعدد تجاوز مائة معتقل تم تغريبهم بشكل تعسفي ودون سابق إنذار من إدارة السجن، ودون توضيح أي أسباب حقيقية وراء اتخاذ قرار تعسفي وجائر كهذا.
تغريبة المعتقلين جملة مقتبسة من المسلسل الفلسطيني السوري الشهير، التغريبة الفلسطينية، والذي جسد معاناة الشعب الفلسطيني بعد النكبة وكيف عانت آلاف الأسر الفلسطينية من حياة اللجوء والمخيمات والبعد عن الوطن.
في السجون المصرية، التغريبة وللأسف لا تعني الخروج من الوطن والعيش في الغربة بعيدا عن أهلك وبيتك وجيرانك، ولكنها وللأسف تمثل مستوى بشعا من القهر والظلم الحاصل في مصر تحت حكم السيسي في ثماني سنوات سوداء. تغريبة المعتقلين تعني تغريب المعتقل ظلما بالأساس عن السجن الذي ألف التواجد بداخله وبدأ بالتعود على جدرانه، فيتم تجريده من كافة متعلقاته ومصادرتها داخل السجن، ثم اقتياده قسرا إلى عربة الترحيلات التي ستنقله في رحلة جديدة إلى المجهول.
في مصر القوانين تنظم أماكن احتجاز المعتقلين، فلو كنت محبوسا احتياطيا على ذمة قضايا فالقانون المصري يلزم مصلحة السجون بوضعك داخل أقرب سجن لنطاق سكنك ومكان إقامتك الجغرافي، فلو كنت من معتقلي محافظة الاسكندرية ستكون داخل سجن وادي النطرون أو برج العرب، ولو كنت من معتقلي محافظة دمياط ستكون في سجن جمصة، وهكذا.
ما حدث أن مصلحة السجون قامت بتغريب عدد من المعتقلين داخل سجن، جمصة ووضعت بعضهم في سجن المنيا، وبعضهم تم تغريبه في سجون أخرى مثل الوادي الجديد وغيره من السجون التي تقع على مسافات مئات الأميال بين مكان سكن هذا المعتقل ومكان سجنه الجديد.
المسافة جغرافيا بين محافظة دمياط على سبيل المثال ومحافظة المنيا تبلغ حوالي 600 كليومتر، وتقطع تلك المسافة بالسيارة في ست ساعات، ولو لم تمتلك سيارة خاصة وقررت السفر بالمواصلات والقطار فتصل الى محافظة المنيا بعد سبع إلى ثماني ساعات، هذه المدة فقط حتى تصل أسرة المعتقل إلى باب السجن الذي تم تغريبه بداخله لتبدأ عندها رحلة أخرى من العذاب.
تغريبة المعتقلين لها جوانب كبيرة من العذاب والتعب على المعتقل وعلى أسرته وأهله ومن يقوم بزيارته، المعتقل سيعيش غربة جديدة داخل سجن جديد لا يعرف فيه أحدا ولم يقابل فيه بشرا قبل ذلك، سيبدأ من الصفر، سيتذكر لحظات اعتقاله الأولى وكيف أن كل شيء قد عاد إلى البداية، زنزانة جديدة، وضباط جدد، تحقيق وتعذيب وإهانات، محاولة كسب علاقات داخل السجن، وصعوبة استيعاب نظام السجن الجديد، وخوف وترقب وحالة من عدم الاستقرار. كل ذلك يمكنك اضافته على المعاناة الأصلية، وهي المنع من الحرية والحبس والظلم والاعتقال المسيس منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري.
أهالي المعتقلين وأسرهم لا تقل معاناتهم عن المعتقل الذي تم تغريبه، فرحلة البحث عن المعتقل هي المرحلة الأكثر قسوة على النفس. تخيل معي زوجة معتقل أو أمه تبحث في كشوف الأسماء التي ينشرها المحامون والنشطاء الحقوقيون كل يوم حتى تعرف مصير ابنها أو زوحها، هل تم تغريبه؟ هل هو معهم؟ إلى أي سجن ذهب؟ هل هو بعيد أم قريب؟
ثم تبدأ رحلة المعاناة الثانية، وهي حساب المسافة الجغرافية بين محافظة أهالي المعتقل وبين مكان السجن الجديد، كيف سنذهب إليه في الزيارة؟ هل هناك زيارة بالأساس؟ هل نستأجر سيارة أجرة؟ كم تكلفتها؟ من يتحمل السفر لعدة ساعات؟ هل نعد له طعاما؟ هل يتحمل الطعام كل هذه الساعات من السفر والمواصلات؟ والسؤال الأهم: هل يسمحون لنا بالزيارة بعد وصولنا؟
على باب السجن، تقف الزوجة والأم بعد رحلة عذاب من محافظة لأخرى ومن وسيلة مواصلات رديئة لأخرى أكثر رداءة، لتقف أمام باب السجن الجديد تنتظر إنسانية ضابط منعدم الإنسانية، مراحل من التفتيش اللا أخلاقي بما يحمله من تحرش وانتهاك للخصوصية والآدمية، وبعد كل ذلك فدخولهم لرؤية معتقلهم بعد التغريبة ليس بالأمر المضمون.
تغريبة المعتقلين هي جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم النظام المصري بحق المعتقلين وأسرهم، وتحتاج إلى تضامن واسع وضغوط كبيرة من الجميع في داخل مصر وخارجها، حتى تنتهي هذه السياسة البشعة في انتهاك حقوق الإنسان وعلى رأسهم حقوق المعتقلين في مصر.
twitter.com/osgaweesh
القرار شمل مئات المعتقلين، وكان لسجن جمصة القريب من محافظة دمياط النصيب الأكبر بعدد تجاوز مائة معتقل تم تغريبهم بشكل تعسفي ودون سابق إنذار من إدارة السجن، ودون توضيح أي أسباب حقيقية وراء اتخاذ قرار تعسفي وجائر كهذا.
تغريبة المعتقلين جملة مقتبسة من المسلسل الفلسطيني السوري الشهير، التغريبة الفلسطينية، والذي جسد معاناة الشعب الفلسطيني بعد النكبة وكيف عانت آلاف الأسر الفلسطينية من حياة اللجوء والمخيمات والبعد عن الوطن.
في السجون المصرية، التغريبة وللأسف لا تعني الخروج من الوطن والعيش في الغربة بعيدا عن أهلك وبيتك وجيرانك، ولكنها وللأسف تمثل مستوى بشعا من القهر والظلم الحاصل في مصر تحت حكم السيسي في ثماني سنوات سوداء. تغريبة المعتقلين تعني تغريب المعتقل ظلما بالأساس عن السجن الذي ألف التواجد بداخله وبدأ بالتعود على جدرانه، فيتم تجريده من كافة متعلقاته ومصادرتها داخل السجن، ثم اقتياده قسرا إلى عربة الترحيلات التي ستنقله في رحلة جديدة إلى المجهول.
تغريبة المعتقلين تعني تغريب المعتقل ظلما بالأساس عن السجن الذي ألف التواجد بداخله وبدأ بالتعود على جدرانه، فيتم تجريده من كافة متعلقاته ومصادرتها داخل السجن، ثم اقتياده قسرا إلى عربة الترحيلات التي ستنقله في رحلة جديدة إلى المجهول
في مصر القوانين تنظم أماكن احتجاز المعتقلين، فلو كنت محبوسا احتياطيا على ذمة قضايا فالقانون المصري يلزم مصلحة السجون بوضعك داخل أقرب سجن لنطاق سكنك ومكان إقامتك الجغرافي، فلو كنت من معتقلي محافظة الاسكندرية ستكون داخل سجن وادي النطرون أو برج العرب، ولو كنت من معتقلي محافظة دمياط ستكون في سجن جمصة، وهكذا.
ما حدث أن مصلحة السجون قامت بتغريب عدد من المعتقلين داخل سجن، جمصة ووضعت بعضهم في سجن المنيا، وبعضهم تم تغريبه في سجون أخرى مثل الوادي الجديد وغيره من السجون التي تقع على مسافات مئات الأميال بين مكان سكن هذا المعتقل ومكان سجنه الجديد.
المسافة جغرافيا بين محافظة دمياط على سبيل المثال ومحافظة المنيا تبلغ حوالي 600 كليومتر، وتقطع تلك المسافة بالسيارة في ست ساعات، ولو لم تمتلك سيارة خاصة وقررت السفر بالمواصلات والقطار فتصل الى محافظة المنيا بعد سبع إلى ثماني ساعات، هذه المدة فقط حتى تصل أسرة المعتقل إلى باب السجن الذي تم تغريبه بداخله لتبدأ عندها رحلة أخرى من العذاب.
تغريبة المعتقلين لها جوانب كبيرة من العذاب والتعب على المعتقل وعلى أسرته وأهله ومن يقوم بزيارته، المعتقل سيعيش غربة جديدة داخل سجن جديد لا يعرف فيه أحدا ولم يقابل فيه بشرا قبل ذلك، سيبدأ من الصفر، سيتذكر لحظات اعتقاله الأولى وكيف أن كل شيء قد عاد إلى البداية، زنزانة جديدة، وضباط جدد، تحقيق وتعذيب وإهانات
تغريبة المعتقلين لها جوانب كبيرة من العذاب والتعب على المعتقل وعلى أسرته وأهله ومن يقوم بزيارته، المعتقل سيعيش غربة جديدة داخل سجن جديد لا يعرف فيه أحدا ولم يقابل فيه بشرا قبل ذلك، سيبدأ من الصفر، سيتذكر لحظات اعتقاله الأولى وكيف أن كل شيء قد عاد إلى البداية، زنزانة جديدة، وضباط جدد، تحقيق وتعذيب وإهانات، محاولة كسب علاقات داخل السجن، وصعوبة استيعاب نظام السجن الجديد، وخوف وترقب وحالة من عدم الاستقرار. كل ذلك يمكنك اضافته على المعاناة الأصلية، وهي المنع من الحرية والحبس والظلم والاعتقال المسيس منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري.
أهالي المعتقلين وأسرهم لا تقل معاناتهم عن المعتقل الذي تم تغريبه، فرحلة البحث عن المعتقل هي المرحلة الأكثر قسوة على النفس. تخيل معي زوجة معتقل أو أمه تبحث في كشوف الأسماء التي ينشرها المحامون والنشطاء الحقوقيون كل يوم حتى تعرف مصير ابنها أو زوحها، هل تم تغريبه؟ هل هو معهم؟ إلى أي سجن ذهب؟ هل هو بعيد أم قريب؟
ثم تبدأ رحلة المعاناة الثانية، وهي حساب المسافة الجغرافية بين محافظة أهالي المعتقل وبين مكان السجن الجديد، كيف سنذهب إليه في الزيارة؟ هل هناك زيارة بالأساس؟ هل نستأجر سيارة أجرة؟ كم تكلفتها؟ من يتحمل السفر لعدة ساعات؟ هل نعد له طعاما؟ هل يتحمل الطعام كل هذه الساعات من السفر والمواصلات؟ والسؤال الأهم: هل يسمحون لنا بالزيارة بعد وصولنا؟
تغريبة المعتقلين هي جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم النظام المصري بحق المعتقلين وأسرهم، وتحتاج إلى تضامن واسع وضغوط كبيرة من الجميع في داخل مصر وخارجها
على باب السجن، تقف الزوجة والأم بعد رحلة عذاب من محافظة لأخرى ومن وسيلة مواصلات رديئة لأخرى أكثر رداءة، لتقف أمام باب السجن الجديد تنتظر إنسانية ضابط منعدم الإنسانية، مراحل من التفتيش اللا أخلاقي بما يحمله من تحرش وانتهاك للخصوصية والآدمية، وبعد كل ذلك فدخولهم لرؤية معتقلهم بعد التغريبة ليس بالأمر المضمون.
تغريبة المعتقلين هي جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم النظام المصري بحق المعتقلين وأسرهم، وتحتاج إلى تضامن واسع وضغوط كبيرة من الجميع في داخل مصر وخارجها، حتى تنتهي هذه السياسة البشعة في انتهاك حقوق الإنسان وعلى رأسهم حقوق المعتقلين في مصر.
twitter.com/osgaweesh
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
15-Dec-21 10:35 AM
المسؤولون المصريون السبعة عن مذابح عملية سيرلي بالصحراء الغربية
04-Dec-21 12:11 AM
28-Nov-21 12:38 PM
المزيد من هذا الكاتب
