لم يكن استشهاد النائب
المصري الدكتور
حمدي حسن في محبسه (سجن العقرب) أول حالة وفاة بين
المعتقلين السياسيين، وقد لا تكون الأخيرة حال استمرار الوضع الراهن كما هو، فقد سبقته 42 حالة منذ بداية العام الحالي بخلاف الأعوام الثمانية الماضية، وهو ما يعني أن هذه الوفيات أو القتل البطيء في
السجون أصبحت ظاهرة لا تخطئها عين، ومع ذلك فإنها لا تلقى الاهتمام الكافي سواء في الداخل المصري أو من المجتمع الدولي.
كثيرا ما أصدرت المنظمات الحقوقية المصرية أو الدولية تقارير موثقة، ونداءات متلاحقة، عن هذه المأساة التي لم تتوقف منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، ولكن النظام المصري يسد أذنيه عن تلك النداءات، ولا يأبه بتلك التحذيرات، فهذه المنظمات لا تمتلك قوة مادية تنفذ بها مطالبها. وفي المقابل، فإن الحكومات والمؤسسات التي تدعي احترام الحريات وحقوق الإنسان، وتمتلك في الوقت نفسه أوراق الضغط، فإنها تستخدم تلك الأوراق لتحقيق مصالحها وعقد صفقات بمليارات الدولارات مع النظام الذي يشترط بدوره الصمت عن انتهاكاته كجزء من تلك الصفقات.
الحكومات والمؤسسات التي تدعي احترام الحريات وحقوق الإنسان، وتمتلك في الوقت نفسه أوراق الضغط، فإنها تستخدم تلك الأوراق لتحقيق مصالحها وعقد صفقات بمليارات الدولارات مع النظام الذي يشترط بدوره الصمت عن انتهاكاته كجزء من تلك الصفقات
تكتظ السجون المصرية بالسجناء السياسيين (60 ألف سجين سياسي وفقا لبيانات منظمة هيومان رايتس ووتش)، وتتوسع الحكومة المصرية في بناء المزيد من السجون لاستيعاب الأعداد الجديدة، حتى تجاوز عدد السجون في مصر 80 سجنا، كان أحدثها وأكبرها مجمع السجون الجديد في وادي النطرون والذي تبلغ مساحته مليونا و700 ألف متر مربع، وتم بناؤه في 10 أشهر فقط، أي أنه بدلا من الإفراج عن السجناء وتفريغ السجون من السياسيين لتقتصر على الجنائيين، فإن النظام يعد من إنجازاته التي يحتفي بها بناء أكبر سجن في مصر والمنطقة، كجزء من ولعه بأفعال التفضيل، مثل بناء أعلى برج وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، وأطول طريق.. إلخ، بل الأكثر إثارة للوجع هو التغني بهذا السجن الجديد في أغنية حشد لها ألمع فنانيه!!
"من لم يمت بالإعدام مات بالإهمال".. هذه هي القاعدة التي يعمل بها النظام المصري حاليا
للتخلص من معارضيه السياسيين بعد أن نجح في قمع أي حراك مناهض له، وبعد أن ضمن دعما أو على الأقل صمتا دوليا عن جرائمه.. لم تفلح حتى الآن أي مناشدات محلية او دولية، بل لم تفلح حتى الآن استغاثات السجناء أنفسهم ومبادراتهم التي أعلنوها من محابسهم وتعهدوا خلالها بتطليق السياسة، والاعتذار عن ممارستهم لها من قبل. وحتى الذين تجاوبوا مع مبادرات من شخصيات موالية للنظام في العامين 2016 و2017، وسجلوا اعتذارات مكتوبة، لم يتم الإفراج عنهم، بل تم نقلهم لعنبر باسم "التائبين"، وتم تعريضهم لمزيد من الابتزاز الذي لم يشفع لهم في نهاية الأمر.
ترك المعتقلين لأنفسهم هو نوع من "النذالة السياسية"، كما أن الجهود الحقوقية والقانونية والإعلامية تحتاج للتطوير، والتنظيم والتنسيق لتحقق نتائج أفضل
هل يعني كل ذلك الاستسلام لهذه الحالة، وترك المعتقلين يواجهون حتفهم في محابسهم؟ بالتأكيد لا وألف لا، إذن ما العمل؟ وهل من أمل؟ وما هي الطريقة الممكنة لإنقاذهم؟
بعيدا عن أحاديث المبادرات السياسية للإفراج عن المعتقلين من كيانات أو مجموعات سياسية خارج السجن أو حتى خارج مصر، وبعيدا عن حق المعتقلين أنفسهم في تقرير مصيرهم وطرح ما يشاءون من مبادرات لإنقاذ أنفسهم، ومع التقدير الكامل للجهود المبذولة للتخفيف عن المعتقلين والسعي لتحريرهم، والتي تقودها منظمات حقوقية ومجموعات عمل مصرية ودولية، إلا أن ترك المعتقلين لأنفسهم هو نوع من "النذالة السياسية"، كما أن الجهود الحقوقية والقانونية والإعلامية تحتاج للتطوير، والتنظيم والتنسيق لتحقق نتائج أفضل.
فليس مفيدا أن تعمل تلك المجموعات في جزر منعزلة، وليس مقبولا أن تعمل بما يتيسر في جيوب أفرادها من مال شحيح، فهذه المهمة تحتاج لميزانيات كبيرة لجمع البيانات الضرورية وتوثيقها، ورفع الدعاوى الدولية. وهنا يأتي دور الموسرين ليمدوا يد العون لهذا العمل، كما يمكن تنظيم عمليات اكتتاب شعبي لتمويل هذا التحرك الحقوقي والقانوني تديره ويشرف عليه مجموعة من أهل الثقة، والذين هم محل تقدير وقبول من الجميع.
وجود هذه المجموعة الوطنية سيوجد عنوانا وطنيا موحدا لقضية المعتقلين، وستكون هذه المجموعة الممثلة لكل الأطياف قادرة على تنظيم التحركات القانونية والحقوقية والسياسية والإعلامية، وجمع التبرعات اللازمة لهذه الحملات، والتحرك عبر المحافل الوطنية والدولية، وطرح الأفكار المساعدة لتحرير هؤلاء المعتقلين
تحتاج قضية المعتقلين لتضافر الجهود الوطنية، وتكوين مجموعة عمل وطنية تمثل كل الأطياف، فهذه المصيبة تجمع الجميع، حيث يقبع اليساري إلى جانب الليبرالي والعلماني إلى جانب الإسلامي في السجون الآن، كما أن قافلة شهداء السجون لم تفرق بين معتقل إسلامي وآخر ليبرالي. إن وجود هذه المجموعة الوطنية سيوجد عنوانا وطنيا موحدا لقضية المعتقلين، وستكون هذه المجموعة الممثلة لكل الأطياف قادرة على تنظيم التحركات القانونية والحقوقية والسياسية والإعلامية، وجمع التبرعات اللازمة لهذه الحملات، والتحرك عبر المحافل الوطنية والدولية، وطرح الأفكار المساعدة لتحرير هؤلاء المعتقلين.
بالتأكيد ليست هذه الأفكار هي كل شيء "لحلحلة" ملف المعتقلين، وبالتأكيد هناك عناصر أخرى مؤثرة في هذا الموضوع مثل التطورات الدولية والإقليمية الضاغطة، وبالتأكيد هناك الكثيرون من المهمومين بهذه القضية، ولديهم المزيد من الأفكار العملية الأخرى، وحين يكون هناك حراك فاعل وعنوان واضح، فإنه سيحسن استثمار الفرص، وتجميع الجهود، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
twitter.com/kotbelaraby