مرت أشهر طويلة وتونس تعيش على وقع
حالة الاستثناء حيث تسير الدولة بأوامر رئاسية، وتتحرك الحكومة بقرارات من الرئيس
مباشرة، في استحواذ واضح ومطلق على السلطات وسط غياب كلي للسلطة التشريعية
المجمدة، الأمر الذي أحدث حالة فراغ كبيرة على الرغم من إنكار النظام.
وتتوسع دائرة المطالب من كل الأحزاب
والمنظمات لتوضيح الرؤية ووضع خارطة طريق تنهي حالة الاستثناء والفراغ وتجنيب
البلاد مخاطر تعميق الأزمة.
وفي أحدث تصريح له طالب الاتحاد العام
التونسي للشغل الثلاثاء، وعبر تصريح لأمينه العام المساعد والناطق الرسمي سامي
الطاهري، بضرورة وضع خارطة طريق واضحة والانطلاق في تطبيق بنودها لأن فترة
انتظارها طالت والساحة السياسية لا تحتمل هذا الفراغ، فيما تطالب الأطراف الداعمة
للرئيس باتخاذ خطوات قبل تسقيف الآجال ووضع خارطة.
إجراءات ما قبل الخارطة
"مشاورات عديدة يجريها الرئيس
سعيد لإعلان خارطة طريق للمرحلة القادمة"، تصريح لوزير الخارجية عثمان
الجرندي منذ حوالي الأسبوعين في رسالة طمأنة للخارج، فلم تخرج الخارطة وما زال
الغموض سيد الموقف الأمر الذي زاد من الحيرة والتساؤلات عن أسباب هذا التأخير
وتبعات ذلك.
وقبلها تحدث الرئيس سعيد عن عزمه
اختزال التدابير الاستثنائية ولكن دون تقديم توضيحات.
يقول الأمين العام لحزب "التيار
الشعبي" الداعم للرئيس، زهير حمدي في تصريح خاص لـ"عربي21"، "من
حيث المبدأ لا توجد إجراءات استثنائية تأخذ أكثر من وقتها وبالتالي لن تدوم سنوات
ولكن لا يجب أن نعيش تحت ضغط اختصار المرحلة رغم الأهمية".
واستعرض زهير حمدي جملة من الإجراءات
التي لا بد منها قبل إعلان الخارطة وتتمثل أساسا في "المطلوب من الرئيس
التسريع في عملية المحاسبة لمن توجه لهم تهم الفساد والإرهاب والاغتيال، لأجل
تنقية وتطهير الحياة السياسية مع حسم الملفات الاجتماعية بالنظر إلى التوتر الحاصل
والظروف المعيشية السيئة وإصلاح المنظومة الانتخابية وتغيير النظام السياسي".
وأكد حمدي: "هذه أبرز الشروط
والعوامل التي وجب الاشتغال عليها ثم تسقيف الآجال ووضع خارطة".
وعن التبعات والمخاطر التي تهدد الدولة
وتزيد من أزمتها في حال لم يتم وضع خارطة يرد زهير حمدي: "مطلوب تسريع نسق
الإجراءات حتى نتجنب أكثر التعقيدات وبعث رسائل للداخل والخارج".
وأقر حمدي بوجود ضبابية: "ينبغي
تدارك هذا الوضع الذي تخيم عليه الضبابية فعلا ولا بد من إيضاح الرؤية، ليس من
مصلحة البلاد التأخير في إعلان خارطة طريق".
لا خارطة
يرى الأستاذ والمحلل عبد السلام الككلي
في قراءة تحليلية لـ"عربي21" بخصوص تأخر سعيد في الإعلان عن خارطة
الطريق بأنه "ليس هناك تفسير واضح لهذا بعد حوالي 3 أشهر من تدابير قيس سعيد يوم
25 يوليو 2021 (ليس لها علاقة بالفصل 80 من الدستور وإنما هي انقلاب صريح على
مقرراته)، فالرجل غامض في نواياه ويعتمد سياسة المفاجأة غير أن ما تسرب في المدة
الأخيرة بأنه بصدد إعداد ترسانته التشريعية التي قد تتضمن تعديلا لبعض فصول
الدستور وقانونا انتخابيا جديدا وقد يُعرض هذان التعديلان على الاستفتاء".
وأضاف الككلي: "طبعا لابد له من
ذلك إذا كان يريد أن يضمن في انتخابات تشريعية سابقة لأوانها صعود مجلس على مقاسه
ينطلق من مشروعه الذي أعلن بعض تفاصيله منذ حملته الانتخابية في 2019 وحتى قبل ذلك
وهو اعتماد التصويت على الأفراد وليس على القائمات سواء كانت حزبية أو مستقلة من أجل كسر شوكة الأحزاب والتخلص منها نهائيا فهي بالنسبة له عنوان الفساد".
اقرأ أيضا: ارتفاع معدل البطالة بتونس.. والحكومة تغازل "اتحاد الشغل"
وتابع مفسرا: "المشكلة أن الرجل
ذهب بعيدا في تدابيره الانقلابية ولا أعتقد أنه صار ممكنا بالنسبة إليه القبول بأي
حوار يجمع الأحزاب والمجتمع المدني من أجل تصور حل للأزمة بواسطة الاتفاق على
قانون انتخابي جديد أو القبول بقانون 2019" (بقي معلقا بعد وفاة الباجي قائد
السبسي).
واستبعد قبول سعيد بأي حل يفضي إلى
انتخابات تشريعية وإلى مجلس مستقل تماما عنه بدون ضغط قوي يمارسه اتحاد الشغل أساسا
باعتبار وزنه السياسي وقدرته على تجميع مختلف الأحزاب والقوى الديمقراطية والمجتمع
المدني من أجل التصدي لاستفراد قيس سعيد بالحل.
وختم الككلي القول بأن "سعيد صار
ببساطة يخشى من أي إجراء انتقامي ضده من أي مجلس نيابي قادم لا يتحكم فيه ويسرع
بإرساء محكمة دستورية مما سيمثل تهديدا جديا لسلطته، نحن ببساطة ذاهبون إلى
المجهول".
من جهته يقول الأستاذ والمحلل عبد
اللطيف دربالة في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21": "أعتقد بأنّ قيس
سعيّد غير مهتمّ أصلا بتقديم أيّ خارطة طريق، وقد عبّر عن ذلك صراحة عدّة مرّات، وقال
مرّة ساخرا إنّ من يريد خريطة طريق فعليه أن يذهب إلى كتب الجغرافيا، والأغلب أنّ
قيس سعيّد ليس لديه أيضا أيّ خطّة عمل أو خارطة طريق والدليل على ذلك خطواته
المتعثّرة والمضطربة والبطيئة منذ 25 يوليو، وإنّما لديه أهداف يسعى للوصول إليها،
وهو يتلمّس طريقه بحسب الظروف والفرص المتاحة يوما بيوم دون أيّ رؤية شاملة أو
مراحل مرتّبة وجاهزة".
ويعتبر دربالة بأن حديث قيس سعيّد
مرّتين عن اختصار آجال التدابير الاستثنائيّة يبدو من قبيل المناورات السياسيّة لا
غير، ويأتي ذلك كردّ على الضغوط والمطالبات الداخليّة والدوليّة بتحديد مدّة
التدابير الاستثنائيّة.
وأكد بأنّ "الرئيس سعيّد يرغب أوّلا في
تأسيس نظامه السياسي الهلامي الجديد الذي يقوم على ما يسمّيه الديمقراطيّة
الشعبيّة المباشرة، لن ينهي التدابير الاستثنائيّة إلاّ ببلوغ غايته، يصعب تصوّر
إنهائه للتدابير الاستثنائيّة تلقائيّا قبل بلوغه ذلك الهدف، إلاّ مضطرّا وبميل
الكفّة لأغلبيّة شعبيّة رافضة له أو بانتصار القوى السياسيّة المناهضة له ولمشروعه
عليه".
أزمة تتعمق
وحذر دربالة من تبعات عدم إنهاء
الاستثناء وتوضيح الرؤية قائلا: "ستتفاقم الأزمة الاقتصاديّة والماليّة
بالبلاد إضافة إلى الأزمة السياسيّة، وقد يتسبّب ذلك في انهيار الوضع الاجتماعي، ويرفع
وتيرة الاحتجاجات ويوسّع دائرة القوى السياسيّة الرافضة لتوجّهات قيس سعيّد، بما
قد يدفعه إما للتراجع أو لحصول صدام قد يكون عنيفا، ويؤدّي بدوره إمّا إلى سيناريو
انتهاج النظام للقمع بالقوّة لإسكات معارضيه كما حصل مثلا في احتجاجات منطقة عقارب
قبل أسبوع.. أو لخسارته أمام مناهضي استفراده بالحكم وفشل مشروعه السياسيّ الجديد".
وانتهى إلى أن ذلك قد يفتح البلاد أيضا
على آفاق ومخاطر أخرى منها عدم الاستقرار السياسي أو المواجهات الشعبيّة مع الأمن
أو الجيش.. أو لدخول طرف ثالث على الخطّ لمحاولة حسم الأمر بين قطبي قيس سعيّد
والمعارضة، وهذا الطرف الثالث قد يكون سياسيّا أو غير ذلك.
الآلاف يتظاهرون ضد سعيّد.. وانتشار أمني بمحيط البرلمان (صور)
إيران تعلن استئناف "الزيارات الدينية" إلى سوريا.. لماذا الآن؟
تفريق تظاهرات بالعاصمة السودانية في ظل دعوة لعصيان مدني