نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحفيين كريم فهيم وحسام علي، قالا فيه إن إبراهيم عبود، وهو مدير مستشفى في إدلب، قال إنه كان يعيش منذ أسابيع دون الحصول على قسط كاف من النوم، وإن القلق والشعور بالذنب يقضان مضجعه، حيث إن جناح العناية المركزة لفيروس كورونا ينفد من الأسرة بسبب الارتفاع المقلق في عدد الإصابات.
وكانت والدته البالغة من العمر 52 عاما من بين مرضاه. وكان يراقبها على شاشة متصلة بكاميرات المراقبة بينما هو يجلس على مكتبه كل يوم.
وقال: "خطئي هو أنني لم أجبرها على أخذ اللقاح". وقال إنه حاول مناشدتها، لكنها تأثرت بالشائعات حول إمكانية إحداث اللقاح لأضرار جانبية.
وأفاد عبود عن الشكوك حول التطعيم التي جعلت مخزونات الجرعات في إدلب تترك غير مستخدمة: "هذا الجنون لا يقتصر على مكان واحد.. إنه عالمي".
وإدلب هي واحدة من أكثر الأماكن عرضة للعدوى في العالم، فهي محافظة فقيرة في شمال غرب سوريا، مليئة بالنازحين بسبب الحرب، ومعظمهم مكتظ في مخيمات أو مستوطنات متهالكة أقيمت في بساتين الزيتون أو على سفوح التلال القاحلة.
اقرأ أيضا: كورونا يحصد مزيدا من الوفيات.. وذعر وسط نازحي إدلب
ومع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، كانت هناك تحذيرات من أن مستشفيات إدلب غير مستعدة إلى حد بعيد، بدون أجهزة تنفس كافية. وبعد سنوات من علاج جرحى الحرب، كان أطباؤها منهكين.
ولكن حدود إدلب مغلقة إلى حد كبير، وبالنسبة لجزء كبير من فترة الوباء، كانت العزلة نعمة، حيث نجت المحافظة من أسوأ فترات تفشي المرض. ومع ذلك، لا يمكن تجنب بعض الأخطار.
وقال السكان إنه مع بدء وصول كميات كبيرة من جرعات اللقاح في نيسان/ أبريل، انتشرت نظريات المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات يوتيوب وواتساب، محذرة من أن اللقاحات، من بريطانيا والصين، إما أنها قاتلة أو أنها أداة في مؤامرات أجنبية شائنة وغير محددة.
ثم في آب/ أغسطس، بدأت الإصابات بالارتفاع بعد السماح للسوريين المقيمين في تركيا بزيارة إدلب لقضاء عطلة عيد الأضحى. وقال الأطباء إن الزائرين أحضروا معهم سلالا دلتا من المرض.
وبدأ الكابوس الذي حذر منه مسؤولو الصحة العامة منذ فترة طويلة في الظهور: بدأ الفيروس يتفشى بسرعة خلال بضع مئات من مخيمات النزوح.
واعتبارا من الشهر الماضي، فقد سجلت إدلب والمناطق المجاورة 78,000 إصابة منذ بداية الوباء، لكن 51,000 منها -ونصف أكثر من 1400 حالة وفاة مرتبطة بالفيروس- حدثت منذ 1 آب/ أغسطس فقط، وفقا لمديرية الصحة في المحافظة.
وقال الأطباء ومسؤولو الصحة إنه بسبب ندرة أدوات الفحص، فربما لا تعكس الأرقام العدد الفعلي للمصابين.
وتم إرسال أكثر من نصف مليون جرعة لقاح إلى المحافظة ومناطق أخرى في شمال غرب سوريا، من إنتاج شركتي أسترا زينيكا وسينوفاك، لكن حتى هذا الأسبوع تم تطعيم 39,500 شخص فقط في إدلب -أو حوالي 1% من السكان- بالكامل ضد فيروس كورونا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ويشعر مسؤولو الصحة بالقلق من أن الأزمة يمكن أن تتفاقم مع اقتراب فصل الشتاء واضطرار سكان المخيم إلى البقاء في الداخل، متقاربين مع عائلات كبيرة ممتدة. ومع ارتفاع معدلات العدوى، فقد أصبحت عزلة إدلب لعنة. ولأيام من الشهر الماضي، لم تكن هناك فحوصات متاحة لتفاعل البوليميراز المتسلسل (بي سي آر)، واضطر الأطباء إلى تشخيص كوفيد-19 باستخدام الأشعة المقطعية. وصبح الأكسجين نادرا ومكلفا في وقت امتلأت فيه أجنحة العناية المكثفة.
ولا تملك الهيئة الحاكمة في إدلب، المرتبطة بالمسلحين الإسلاميين الذين يمثلون القوة الحقيقية في المحافظة، الموارد ولا الأفراد لمواجهة الوباء. وبدلا من ذلك، يتم تجميع الاستجابة الصحية معا من قبل المنظمات غير الربحية والمنظمات الدولية والأطباء المحاصرين وعدد قليل من الموظفين العموميين ذوي النوايا الحسنة.
وقال الأطباء إن السلطات المحلية فرضت إغلاقا لمدة أسبوعين الشهر الماضي، لكنها رفعته قبل أن يكون له أي تأثير ملموس على معدل الإصابة.
وقال عمال إسعاف في مدينة إدلب إنهم ينقلون ما يصل إلى 20 جثة يوميا للدفن والعمل على مدار الساعة في نقل المرضى من المستشفيات العادية إلى أجنحة الطوارئ. لكن في أماكن أخرى من المقاطعة، بعد الإغلاق، فإنها تستمر الحياة كما أنه لم يحصل شيء، حيث تمتلئ المدارس والمطاعم والحافلات بالناس، وبالكاد يوجد قناع في الأفق.
بالنسبة للأطباء، فإن المشاهد تجاوزت الإنذار بالخطر. وقال عبود: "إذا استمرت هذه الذروة لشهر آخر، فسنواجه انهيارا تاما".
وتبدو المحافظة، التي تمثل جبهة للمعارك بين الثوار الإسلاميين والحكومة السورية، غير مجهزة لمواجهة تفشي المرض وحدها. ونصف سكانها البالغ عددهم 4 ملايين تشردوا بسبب الحرب من مكان آخر. الفقر والجوع منتشران، وهناك أكثر من مليوني شخص بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. ويعاني العديد من الأطفال من توقف النمو، وتعاني النساء الحوامل من سوء التغذية. لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء، والعديد من مستشفياتها ومراكزها الصحية تضررت أو دمرت بسبب القتال أو الغارات الجوية التي نفذها جيش النظام السوري وحلفاؤه الروس.
وشهدت إدلب موجة مبكرة من انتشار فيروس كورونا، في خريف 2020، عندما وصلت الحالات أحيانا إلى 500 إصابة يوميا، بحسب صلاح الدين صالح، الطبيب الذي يعمل مع عبود في مستشفى الزراعة، أحد مستشفيات إدلب العديدة المدعومة من الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS).
اقرأ أيضا: رئيس مؤسسة إغاثة سورية ببريطانيا: كورونا كارثة قادمة لإدلب
وقال إنه خلال الارتفاع الحالي، تتجاوز الإصابات أحيانا الـ1500 شخص يوميا. وقال: "لقد بدأنا نشهد حالات إصابة للأطفال وحالات عدوى بين الشباب.. العديد من الحالات شديدة". والقلق الأكبر هو العدد المتزايد للمرضى القادمين من المخيمات، حيث يصعب تطبيق التباعد الاجتماعي، والفيروس ينتقل بسرعة إلى كبار السن والمرضى.
أحمد رحال (77 عاما) الذي كان يعاني من مشاكل في القلب أصيب بالعدوى هذا الخريف، بحسب زوجته وحفيده. وقال الحفيد، الذي يحمل نفس الاسم إن جده كان يعيش في خيمة في مخيم صغير و"أصيب بالفيروس من الاختلاط بالآخرين".
وقالت عائلته إن الجد نُقل الشهر الماضي إلى مركز عزل فيروس كورونا في مدينة إدلب، لكن الأطباء لم يتمكنوا من توفير سرير للعناية المركزة. لعدة أيام، ظلت زوجته فطوم ماضي، قلقة وتنتظر خارج جناح العزل، متأثرة لرؤيته في تلك الحال ولكنها عاجزة عن تأمين رعاية أفضل له.
وقالت وهي تجلس على كيس من الإسمنت في ساحة انتظار مليئة بالغبار، وهي تضغط على هاتفها، وكأن الضغط سيجبر الهاتف أن يوصل أخبارا سارة: "أريد أن أغير ملابسه، وأعطيه الماء". بعد يوم، توفي زوجها.
وفي خيمة بمخيم آخر مع مئات السكان، تجمع المشيعون لتقديم العزاء لعائلة صالح محمد الكنش، الذي أمضى سبعة أيام في وحدة العناية المركزة بالمستشفى حتى وفاته منتصف تشرين الأول/ أكتوبر عن عمر 102 عام، على حد قول حفيده إبراهيم الكنش.
وقال الحفيد، الذي كان يعمل في مطبخ في المستشفى الجامعي بمدينة إدلب إن غالبية سكان المخيم أصيبوا بالفيروس وتوفي ما لا يقل عن عشرة. وقال إنه تلقى التطعيم مع الطاقم الطبي، لكنه أضاف أن معظم الأشخاص الذين يعيشون في مخيم جده لم يتم تطعيمهم.
وقال: "هناك الكثير من المعلومات الخاطئة. يقول بعض الناس إنك ستموت بعد عام [من أخذ اللقاح]. يقول بعض الناس إنه يسبب مشاكل جنسية".
وقال الأطباء إن نجاح إدلب النسبي في تجنب كارثة في وقت سابق من الوباء يفسر على ما يبدو بعض اللامبالاة بين سكانها.
وأوردت كارولين ماسوندا من منظمة أطباء بلا حدود، التي تدعم المستشفيات في سوريا أن "الناس يعتقدون أنه 'يمكننا التجاوز بدون اللقاح'. وإلى جانب انخفاض معدل الوفيات، لم يأخذ الناس الأمر على محمل الجد.. الآن أصبح الموت على عتبة الباب".
وقال الأطباء إنهم كانوا يكافحون أيضا ضد شعور بالقدرية ترسخ في السكان الذين واجهوا الموت مرات عديدة وبطرق عديدة على مدار العقد الماضي. وقال خالد الحاجي، طبيب القلب الذي عمل في مستشفى الزراعة: "لقد كان سكان هذه المنطقة هدفا للقتل لسنوات.. تشعر بأنهم لم يعودوا يهتمون".
وأسماء اللبن، 22 عاما، كانت من بين المتشككين في التطعيم. وكانت تفكر في الحصول على اللقاح، لكنها رفضت بسبب الشائعات القائلة بأن اللقاحات كانت مميتة. ثم، قبل بضعة أسابيع، أصيبت بالعدوى. والآن أصيبت ابنتها أصيل البالغة من العمر خمسة أشهر بالفيروس أيضا.
وصرخت الطفلة من غرفة الفحص بينما كان الأطباء في مستشفى ابن سينا للأطفال يسحبون عينة دم من يدها. عند سماعها بدأت أسماء تبكي.
وقال عبد الرزاق زقزوق (27 عاما)، المساعد الإعلامي في المستشفى الذي كان يرافق المراسلين عبر الجناح: "يأتي الناس إلى المستشفيات ويتفاجأون بما يرونه"، مضيفا أنهم "يشعرون بأن الحياة طبيعية. لكن في المستشفيات تشعر بالخطر. هذا خارج السيطرة".
وقال عبود، مدير المستشفى، إن الشكوك حول لقاحات كوفيد محيرة للأطباء بشكل خاص، لأنهم لم يروا شكوكا مماثلة تجاه لقاحات لأمراض أخرى. لكن في الأيام العشرة الماضية، كانت هناك زيادة طفيفة في معدل التطعيم في إدلب - وهي علامة على أن ارتفاع عدد الوفيات ربما بدأ في التقليل من نظريات المؤامرة.
إذا تغيرت المواقف، فقد فات الأوان بالنسبة لوالدة عبود، التي اسمها أمل. لقد تم إقناعها بتجنب اللقاح من "الأشخاص الذين تثق بهم"، على حد قوله. وتوفيت في المستشفى الذي يعمل فيه ابنها الأسبوع الماضي.
إحباط إسرائيلي من نتائج استراتيجية "المعركة بين الحروب"
FT: دول عربية تتحدى أمريكا وتعيد علاقاتها مع نظام الأسد
عائلة سورية تقاضي وكالة الحدود الأوروبية وتطلب تعويضات