ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن الجنرال عبد الفتاح البرهان أحبط الجهود الأمريكية الأخيرة لمنع سيطرة الجيش على السلطة، وسط مخاوف من معاناة السودان من تداعيات دولية قد تقلب العملية الانتقالية في السودان رأسا على عقب.
وعندما غادرت طائرة جيفري فيلتمان مبعوث إدارة الرئيس جوزيف بايدن للقرن الأفريقي، مطار الخرطوم في الساعات الأولى من صباح الاثنين، بعد مهمة صاخبة في نهاية الأسبوع ولقاءات مع القادة السودانيين لدعم العملية الانتقالية، وإنقاذ المسار المتعثر نحو الديمقراطية في السودان تحرك الجيش لحل الحكومة.
وفي الفترة التي قضاها في السودان، التقى فيلتمان مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائب رئيس مجلس السيادة الجنرال محمد حمدان (حميدتي) دقلو.
وفي اللقاء معهما، أخبره الجنرالان عن النية للسيطرة على السلطة، وقدما سلسلة من الأخطاء ومظاهر الفشل للقيادة المدنية، وذلك بحسب مصدر دبلوماسي على معرفة بالمحادثات. لكن فيلتمان، حذر في اللقاءات القادة من أي محاولة لعرقلة التحول الديمقراطي.
ونقلت "فورين بوليسي" عن فيلتمان قوله: "قلت إن دعمنا وتطبيع العلاقات نابعة من دفع زخم العملية الانتقالية. فلو تعثرت أو تم خرق الاتفاقيات الدستورية، فإن هذا سيضع الكثير من الأسئلة حول التزاماتنا".
اقرأ أيضا: WP: دور دول الخليج ومصر واضح في انقلابي تونس والسودان
ونقلت المجلة عن المسؤول الأمريكي بعدما رد عليها عبر رسالة إلكترونية: "كان هذا كلام دبلوماسي، لكن الجنرالات يفهمون هذا بالتأكيد". وبعد أن بلغ الرسالة، وأكمل المهمة، اتجه فيلتمان إلى المطار للمغادرة، ودون أن يحصل على أي إشارة من الجيش السوداني حول خطوته المقبلة.
ورغم الأصوات العالية حول عملية الاستيلاء على السلطة، إلا أن فيلتمان كان راضيا عن مهمته، وأنه منع حدوث الأسوأ. ولم تستقر طائرة فيلتمان في الجو إلا وأعلن البرهان عن انقلابه، وبعد ساعة من رحيل المبعوث الأمريكي، وذلك حسب مسؤولين على معرفة بالأمر. وأعلن عن اعتقال رئيس الوزراء وحل الحكومة ووقف العملية الانتقالية، بطريقة فاجأت المسؤولين الأمريكيين.
وقال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس للصحفيين الاثنين: " لم نحصل على أي إشارات من الجيش من أنه سيقوم بهذه الأعمال المعادية للديمقراطية".
وجاءت سيطرة الجيش على الحكم لتضع حدا للعملية الانتقالية الهشة وجهود الولايات المتحدة لإنقاذها، فلم تنجح جهود فيلتمان الأخيرة بإقناع البرهان تغيير مساره، بشكل قاد لانتقادات دولية حادة وأكبر احتجاجات في السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019. وفي مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، أكد البرهان على أن تحركه "ليس انقلابا"، وأنه مجرد عملية لمنع الحرب الأهلية، وأكد أن حمدوك معتقل في بيته لحمايته، وأن عملية التحول للديمقراطية لن تتوقف.
وفي واشنطن، كان المسؤولون والخبراء يراقبون الوضع الهش للديمقراطية في السودان منذ عدة شهور. وخافوا من تحرك جناح في الجيش ضد المدنيين، وذلك حسب مسؤولين حاليين وسابقين. وكانوا قلقين بالتحديد من حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة المكون من عسكريين ومدنيين، وقائد قوات الدعم السريع، المسؤول سابقا عن جرائم في دارفور.
ويرى المسؤولون الأمريكيون أن البرهان وحميدتي أقاما تحالفا ضعيفا وسط تنافس حاد بينهما، وأن حميدتي دعم تحرك البرهان ضد قادة الحكومة المدنيين، كما يقول مسؤولون.
ويقيم البرهان علاقات وثيقة مع مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، ويعتقد أن حميدتي لديه علاقات قوية مع المسؤولين في الإمارات والسعودية، وهذه الدول الثلاثة لديها مصالح في السودان.
اقرأ أيضا: NYT: انقلاب السودان يقضي على التحول الديمقراطي ويؤدي للفوضى
وقال مسؤولان أمريكيان إنهما يتوقعان من الخارجية الأمريكية أن تضغط على الدول العربية لكي تقنع البرهان تغيير مساره. وكان البرهان سيسلم السلطة للمدنيين الشهر المقبل، وسط غليان وتوتر بين المدنيين والجناح العسكري في مجلس السيادة؛ بسبب العقبات المتعلقة بإصلاحات الحكومة، وعدم الرضا عن التقدم في العملية الانتقالية.
ويرتبط حميدتي والبرهان تحديدا بالمجازر التي ارتكبتها قوات الأمن السوداني أثناء الاحتجاجات التي أزاحت البشير عن السلطة عام 2019. وكان هذا سببا لقلق الجنرالين من تسليم السلطة، وخوفهما من تداعيات المحاسبة، أو الاعتقال فيما يتعلق بقتل 130 مدنيا أثناء اعتصام في الخرطوم عام 2019، حالة سلما السلطة، وذلك حسب مسؤولين أمريكيين ومصادر في العاصمة السودانية.
ويقول جوزيف تاكر، الخبير في شؤون السودان بمعهد السلام والدبلوماسي الأمريكي السابق: "كان هناك شعور خلال الأشهر الخمسة الماضية إلى أن المواجهة قادمة، وكان الجيش يشعر أنه حشر في الزاوية"، وكانت هناك انقسامات متزايدة بين الحركات المسلحة وإشارات أخرى عن اقتراب بعض حركات التمرد من الجيش، وزيادة في الفصائلية داخل اللاعبين المدنيين. وكانت هناك تقارير أخرى عن غياب الإجماع داخل الجيش".
وأضاف: "ربما كانت كل هذه الديناميات وراء اعتقاد القيادة العسكرية أن هناك فسحة لهذا النوع من التحرك".
وأدى تحرك البرهان يوم الاثنين لسلسة من الشجب الدولي، وأوقفت إدارة بايدن معونة مباشرة بـ700 مليون دولار. ولاحظت المجلة أن الولايات المتحدة لم تصف تحرك البرهان بـ"انقلاب"، وهو وصف قانوني قد يؤدي مباشرة إلى قطع المساعدات الأمريكية، لأن السودان لا يزال تحت قيود أمريكية منذ انقلاب البشير عام 1989.
وأصدر المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ والنواب بيانا، وصفوا فيه التحرك الأخير بأنه "خيانة صاعقة للعمل الشاق الذي بذله السودانيون، وتصميمهم على حكومة مدنية تقود السودان".
وهدد البيان بتداعيات خطيرة لو لم يعدل الجيش عن مساره. وقال مسؤول أمريكي ومساعد آخر في الكونغرس إن الولايات ستنظر في طرق لفرض عقوبات على السودان في حال لم يغير البرهان مساره.
وفي مجلس الأمن، عرقلت كل من الصين وروسيا بيانا لشجب الإطاحة بالحكومة المدنية، وذلك بعد دعوة كل من بريطانيا وإيرلندا والولايات المتحدة وفرنسا وإستونيا للقاء تشاوري.
ونقلت عن موظف إغاثة أجنبي قوله: "نشك بنجاح خطة البرهان هنا"، و"من المتوقع أن نشاهد ردا مهما من المتظاهرين يوم السبت، حيث يتم التخطيط لاحتجاج ضخم".
WP: دور دول الخليج ومصر واضح في انقلابي تونس والسودان
هل نجح انقلاب السلطة العسكرية في السودان؟
NYT: انقلاب السودان يقضي على التحول الديمقراطي ويؤدي للفوضى