ضاقت مساحة الحرب في
اليمن إلى الحدود الدنيا لتتركز في محيط مدينة مـأرب، وهذه المساحة يتحرك فيها الحوثيون بكلف ليست بالهينة، في مواجهة قوات تشكو إلى الله عجزها عن الحصول على الأسلحة والموارد والمرتبات، فيما تواصل
السعودية المضي في الخط الكارثي ذاته الذي ينتهي بالإجهاز على الشرعية والقبول بالمقاربة الأمريكية؛ فيما هي تحرص على تمكين
الحوثيين ومن ورائهم إيران في جنوب شبه الجزيرة العربية.
لكن لماذا الاعتقاد بأن واشنطن هي وحدها التي تتحمل وزر هذا التمكين، فيما تمثل السعودية قوة إقليمية ولديها من الإمكانيات ما تتجاوز بها التوصيف الراهن لها كدولة وظيفية بوسعها ردع إيران وأدواتها، انطلاقاً من حقيقة أنه ما من طرف سيتأذى من وجود كيان موال لإيران ومرتبط بمصالحها أكثر من السعودية؟ وكيان كهذا يتأسس اليوم على وقع الخذلان والتلاعب والتآمر في سير المعارك لصالح الحوثيين وإيران.
لا تتصرف السعودية بغباء محض، بل بأنانية مطلقة وباستعلاء حينما يتعلق الأمر بجارها اليمن، إنها تحتكر الأجواء، وفي مقابل ذلك تنفذ عشرات الطلعات الجوية على آليات وتجمعات الحوثيين في مناطق المعارك، مع إبداء حرص خاص هذه المرة على تبيان عدد الطلعات الجوية والضربات التي سددها الطيران على أهداف حوثية خصوصاً في مديرية العبدية، التي تمكن الحوثيون الجمعة الماضي من السيطرة على مركزها الإداري رغم هذه الغارات، على نحو تبدو معه السعودية كما لو كانت تخلي بطريقة غير مباشرة مسؤوليتها عن النتائج التي تحسم في الغالب لصالح الحوثيين المدعومين من إيران.
ومن ناحية ثانية، توعز الإمارات، الشريكة الأكثر دينامكية في التحالف، إلى أدواتها للبدء بطرح الخيار الآخر لمواجهة الخطر الحوثي المزعوم ومن خلفه إيران، باقتراح التخلي الكامل عن السلطة الشرعية بعد أن أثبتت عجزها عن مواجهة الحوثيين كما يزعم هذا الطرف، وإفساح المجال لقوى الأمر الواقع التي أنشأها التحالف لتكون بديلاً مختلفاً من حيث الأجندات السياسية عن السلطة الشرعية المرتبطة باليمن جمهورياً وموحداً، وذلك بتكليف هذه القوى بقيادة المواجهة العسكرية الحاسمة مع الحوثيين.
إن طرحاً كهذا لا يرى ضيراً من أن يحصد المجلس الانتقالي الجنوبي على سبيل المثال، وهو أحد قوى الأمر الواقع التي أنشأها التحالف، ثمار عمل عسكري قادم ضد الحوثيين بتنفيذ ما تشتمل عليه أجندة وجوده، وهو فصل جنوب اليمن عن شماله.
الجميع إذا يدفعون باليمن إلى الكارثة، فالولايات المتحدة تعيد إحياء مخطط قديم للحزب الديمقراطي لتميكن المنظومة الشيعية بقيادة إيران من التحكم بالمنطقة، والسعودية تريد تفكيك اليمن، والإمارات تريد مكاسب جيوستراتيجية من هذه التركة المثخنة بالجراح والذاهبة إلى التفكيك.
يبدو أن الحرب التي تخوضها الأطراف اليمنية بالتقسيط المُكلف في محيط مأرب تحت أنظار السعودية، وفي ظل تدخل استعراضي لطيرانها الحربي المتقدم بغارات متفرقة على سيارات وآليات متوسطة، هي المشهد الأخير في مسلسل إذلال اليمن وإخضاعه كهدف، على الشعب اليمني أن يتنبه إليه.
ومطلوب من اليمنيين أكثر من أي وقت مضى، التحرر من حالة الاستقطابات التي وقعوا ضحيتها، وأن يتحرروا من المشاريع الفرعية التي توجههم إليها أطراف مرتبطة بأجندات إقليمية سيئة ومعادية، مثل إيران والسعودية والإمارات.
أمضى رئيس الوزراء اليمني أوائل هذا الأسبوع ثلاثة أيام في فندق الريتز كارلتون في القاهرة في ضيافة نظيره المصري، وفي مهمة عالية المستوى يُكمل خلالها ما بدأه وزير الدفاع الفريق محمد علي المقدشي، وتتصل بخطط لانتشار عسكري مصري محتمل في جنوب البحر الأحمر بناء على رغبة سعودية إماراتية مشتركة على ما يبدو.
خلال زيارته القاهرة انعزل رئيس الوزراء عن التحديات الوجودية التي تتعرض لها السلطة الشرعية، وطغت أولوية تمكين مصر في مهمة يبدو أنها تحقق مطامح سعودية وإماراتية في تشارك مهام السيطرة المجانية على مضيق
باب المندب، بعد أن تيقنت هذه الأطراف بأن فترة زمنية طويلة تنتظر اليمنيين لكي يطووا صفحة خلافاتهم وصراعاتهم، ويقفوا على أرضية صلبة ضمن دولة قوية جديرة باستعادة نفوذها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
لم يحظ اليمنيون للأسف بقيادة ملهمة وقوية ووطنية في معركة كانوا في أمسّ الحاجة فيها إلى هذا النوع من القيادات، فقد وفّرت القيادة الحالية كل ما احتاجه التحالف السعودي الإماراتي، من الصلاحيات والذرائع لتنفيذ الأهداف الخفية لتدخله العسكري، كما تفعل اليوم بالنسبة لدور مصر المحتمل في باب المندب. وربما أدرك الرئيس هادي أنه ومساعديه أنفسهم من بين أهداف هذا التدخل، ولكنه يختزن من الأنانية والحقد وعدم الاكتراث، ما جعله يبدو طيّعاً إلى هذا الحد، ومُمالئاً ومتآمراً أحياناً رغم خطورة ما يحاك ضد بلاده.
يقال إن هذا الرئيس سرب قبل أيام أنباء تفيد برفضه مغادرة الرياض، بناء على طلب من الحكومة السعودية، ليبدو وكأنه من العناد بحيث يصر على تحميل السعودية كل التبعات الكارثية لتدخلها غير المسؤول، ولا يدرك أنه حتى لو بقي في الرياض فلن يكون بقاؤه سبباً لمنع مستضيفيه من المضي قدماً في مخطط تحييده وتحييد سلطته المنهارة عملياً.
السعودية ليست حليفاً في المعركة الحالية على الساحة اليمنية، بل أحد الأطراف التي سلت سيوفها للإجهاز على اليمن، وليس أدل على ذلك من أن الحوثيين يحاربون الشعب اليمني بالأسلحة التي وُضعت بأيديهم نتيجة المؤامرة الخطيرة التي غذتها السعودية والإمارات، وتواطأ فيها الرئيس المنفي في الرياض
عبد ربه منصور هادي، وكان الرئيس الصريع علي عبد الله صالح أحد أدواتها الفاعلة.
twitter.com/yaseentamimi68