لا شيء أسوأ من
الإعدامات التي طالت تسعة مواطنين يمنيين من أبناء محافظة الحديدة، الواقعة غرب البلاد، والذين أعدموا أمس السبت في ميدان التحرير بقلب العاصمة صنعاء، رمياً بالرصاص، وسط غموض في إجراءات التحقيق ومصداقية التهم الموجهة إليهم، والأهم من ذلك، أن ما أقدمت عليه جماعة الحوثي يندرج في خانة المجازر البشعة التي ارتكبتها وترتكبها الجماعة بحق الشعب
اليمني، سعياً وراء تحقيق وتثبيت مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية عبر التمرد والسطو المسلح على الدولة ومؤسساتها.
منذ أكثر من ثلاث سنوات تعرض صالح الصماد، الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي تشكل نتيجة تحالف بين
الحوثيين وعلي عبد الله صالح في صيف 2016، لعملية اغتيال بطائرة بدون طيار بعد خروجه من اجتماع من ممثلين عن أبناء محافظة الحديدة بعاصمة المحافظة، في التاسع عشر من نيسان/ أبريل 2018، وكان التسعة الذين أعدموا من بين الحاضرين المشاركين بحماس في ذلك الاجتماع المشؤوم.
الجماعة تريد أن تكرس نفسها عبر هذه الاعدامات والمجازر البشعة، سلطة قانون جديرة بأن تحسم المعركة ضد الطرف الآخر الذي يذهب إلى التفكك والفوضى وتكريس واقعٍ مضطربٍ في المناطق المحررة
الإعدامات التي طالت المدنيين التسعة، بينهم قاصر كان قد تعرض للتعذيب حتى أصيب بالشلل، نفذت بعد إجراءات قضائية تُجمع المنظمات الحقوقية على عدم مصداقيتها وعدالتها، لتأتي في محصلتها النهائية تعبيراً عن الجريمة السياسية المكتملة الأركان، لأنها تمثل في الحقيقة إعداماً للدولة اليمنية المختطفة وتسخيراً قسرياً لأجهزة هذه الدولة الأمنية والقضائية.
فالجماعة تريد أن تكرس نفسها عبر هذه الاعدامات والمجازر البشعة، سلطة قانون جديرة بأن تحسم المعركة ضد الطرف الآخر الذي يذهب إلى التفكك والفوضى وتكريس واقعٍ مضطربٍ في المناطق المحررة، على الرغم من أنها تشكل نحو سبعين في المائة من مساحة البلاد.
ودعونا لا نغفل النشاط العسكري العابر للحدود الذي يشكل أهم أدوات الضغط المتاحة على السعودية لتوقف تدخلها الجوي المحدود في مأرب، فهو يسعى بالتوازي مع كسر إرادة الكتلة السكانية الأكبر الواقعة تحت سيطرة الجماعة من خلال قمع الحريات والإعدامات، إلى تأكيد أن المسار التفاوضي لحل الأزمة والحرب لا يتسع لأكثر من طرفين؛ هما جماعة الحوثي والحكومة السعودية.
السلطة الشرعية التي تواطأت ضد الشعب اليمني وفرطت بالأمانة لم تعد على رأس أولويات المتدخلين الإقليميين والدوليين، في مقابل أن جماعة الحوثي لا تزال تستفيد من الفرص الثمينة التي أتيحت لها منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما اعتمدت واشنطن مخططاً لإعادة الهندسة الطائفية للمنطقة؛ كان لهذه الجماعة الشيعية دور منوط بها
ليس هناك غموض البتة في مسار الأحداث على الساحة اليمنية، فالسلطة الشرعية التي تواطأت ضد الشعب اليمني وفرطت بالأمانة لم تعد على رأس أولويات المتدخلين الإقليميين والدوليين، في مقابل أن جماعة الحوثي لا تزال تستفيد من الفرص الثمينة التي أتيحت لها منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما اعتمدت واشنطن مخططاً لإعادة الهندسة الطائفية للمنطقة؛ كان لهذه الجماعة الشيعية دور منوط بها وملحق بالنفوذ الإيراني، حتى قبل أن تتشكل كجماعة حركية بهذا القدر من التأثير السياسي والعسكري والأمني والجيوسياسي.
فقد ظلت هذه الجماعة تنمو وتبني نفوذها وسط إدراك كامل من جانب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تجاهل التقارير المرفوعة إليه منذ ثمانينيات القرن الماضي عن نشاط بدر الدين الحوثي وصلاح فليتة (والد رئيس الوفد الحوثي المفاوض)، وصلة الرجلين الوثيقة بإيران بعد فترة قصيرة من الثورة الإسلامية في إيران.
نمت هذه الحركة وتطورت وازداد نفوذها منذ الوقت تحت أنظار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكانت التعليمات الأمريكية واضحة بشأن التعاطي الليّن مع الحركة التي بقيت كتلة خشنة خارج نطاق السلطة، في وقت كانت الترتيبات الأمريكية قد أجبرت صالح على حقن البنية الصلبة لنظامه، من جيش وقوات خاصة وأجهزة أمنية، بعناصر تشكل امتدادا لأيديولوجية الحركة الحوثية (أنصار الله)، خصوصاً بعد حادثة تفجير المدمرة "أس أس كول" في ميناء عدن في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، إلى حد أن الحرس الخاص للرئيس السابق، كان قد تحول إلى طوق خطير حول خاصرة ذلك الرئيس، الذي لقي مصرعه في سنحان علي يد أفراد حراسته المدربين جيداً والمسكونين بعقيدة حركة الإحياء الزيدية المتصلة بالحرس الثوري الإيراني.
لم تتخل الولايات المتحدة عن تصورها الخاص تجاه اليمن، هذا على الأقل ما تثبته تصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز، والتي اعتبرت أن التهديد الأكبر لبلادها من الإرهاب الدولي، ينبع من دول مثل اليمن والصومال وسوريا والعراق، وليس أفغانستان.
ما أتوقعه أنه بينما يكرس الحوثيون نفوذهم عبر ممارسات إجرامية وإرهابية، كالإعدامات السياسية بحق مواطنين أبرياء، والحرب على التجمعات السكانية والمحاولات المستميتة لإسقاط مدينة مأرب، ستمضي مساعي المبعوث الأمريكي ومعه المبعوث الأممي الجديد هانس جروندبيرج نحو فرض حلول تقوض الشرعية الحالية
لذا لا يبدو أن تصعيد المبعوث الأمريكي تجاه الحوثيين عبر سلسلة من التصريحات التي أدلى بها مؤخراً؛ يمكن أن يعطي إشارة إلى أن الإرهاب الذي تقصده أمريكا أصبح ملتصقاً بالحوثيين المرتبطين بإيران، وليس بتنظيم القاعدة.
فالأمر محسوم بشكل واضح من خلال تصريحات مديرة الاستخبارات التي تتجه مباشرة صوب الجماعات التي تصنفها واشنطن على أنها "إرهابية"، بغض النظر عن كون هذه الجماعات تنتشر في ثلاث دول تهيمن عليها إيران بالإضافة إلى الصومال.
وما أتوقعه أنه بينما يكرس الحوثيون نفوذهم عبر ممارسات إجرامية وإرهابية، كالإعدامات السياسية بحق مواطنين أبرياء، والحرب على التجمعات السكانية والمحاولات المستميتة لإسقاط مدينة مأرب، ستمضي مساعي المبعوث الأمريكي ومعه المبعوث الأممي الجديد هانس جروندبيرج نحو فرض حلول تقوض الشرعية الحالية، وتعيد بناءها بما يتفق مع تطلعات الجماعات المهيمنة، وفي مقدمتها جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي وربما الجماعة المسلحة في الساحل الغربي.
twitter.com/yaseentamimi68