أثارت الرسالة التي بعث بها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الجمعة، إلى حزب "الدعوة الإسلامية" بقيادة نوري المالكي، تساؤلات عدة حول الهدف من ورائها، ولا سيما أنها تأتي في مرحلة حساسة يعيشها العراق، تسبق تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات برلمانية مبكرة.
وتباينت تفسيرات محللين سياسيين تحدثوا لـ"عربي21" لمضمون الرسالة الموجهة من الصدر إلى غريمه الأبرز رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي طالما طالب بمحاسبته على ملفات الفساد، وسقوط المدن العراقية بيد تنظيم الدولة خلال فترة حكمه عام 2014.
نصيحة للمالكي
رسالة الصدر التي بعثها، الجمعة، عن طريق حساب وزيره على "تويتر" المعروف إعلاميا بـ"صالح محمد العراقي" حملت نصيحة من زعيم التيار الصدري إلى الأمين العام لحزب "الدعوة" ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من أجل عودة "وشائج المودة" بين الجانبين.
وجاء في نص رسالة الصدر: "يا أيّها الإخوة الأحبّة في حزب الدعوة تداركوا أمركم وأجمعوا أمركم لعلّكم تنالون من الله والشعب ما ناله شهيدنا وشهيدكم، من خلال كشف المُدّعين والمُنتمين لكم والمُتلطّخة أيديهم بالفساد والدماء في الموصل والمحافظات الأخرى".
اقرأ أيضا: فايننشال تايمز: على الصدر ترك حزبيته لحكم العراق بشكل فعّال
وأضاف الصدر أن "الخطأ ليس عيبا ما دُمنا غير معصومين، بل الخطأ هو الإصرار عليه وعدم الاعتراف به.. كما نحن عليه من كشف المُتستّرين والمُنتفعين ومُعاقبة المُفسدين، فهذه تربية آل الصدر لنا، ولستُ هنا في مقام الاتهام، بل إنني في مقام النصيحة: فالاعتراف بالخطأ فضيلة".
وتابع: "الاعتراف هو محو للذنوب وإرجاع للصورة القديمة التي كنّا نحملها في جنباتنا سابقا، فكونوا شجعانا في ذلك كما كنتم شجعانا في محاربة الهدّام والعفالقة لتشرق علينا وعليكم شمس الحرية، عسى أنْ تعود وشائج المودة بينكم وبين آل الصدر أولا ومع شعبكم وجيرانكم والعالم بأسره".
وأشار الصدر إلى أنه سمع "بتصريح (المالكي) في ما يخص العملية الانتخابية الحالية ولعلي تفاجأت بكلامه لكنه منقوص.. فعليه تدارك ما ضاع وأضاع نصيحة منّي قربة إلى الله تعالى، ولا يُعوّض ما ضاع بالتمسّك بالسلطة والتسلّط، فقد جَرَّبَ ولم ينجح، والمُجَرب لا يُجَرب".
وكان المالكي، قد دعا، الجمعة، إلى الابتعاد عن الفوضى، لأن "المسار الديمقراطي هو السبيل الوحيد لتجسيد إرادة الشعب وإنتاج السلطة التي تعبر عن قراره الحر المستقل"، مشددا على ضرورة طمأنة الشارع العراقي والكتل المتنافسة بالانتخابات على أصواتهم واحترام خيارات المصوتين لهم، ومعالجة الإجحاف والخلل الذي رافق العملية الانتخابية".
الصدر يناور
من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، في حديث لـ"عربي21" أن "الصدر ومجمل أطراف العملية السياسية يتعرضون إلى ضغط واضح سواء من إيران أو من دول الإقليم حتى يصار إلى تشكيل تحالفات أو تشكيل الحكومة، وذلك ربما جعل الصدر يناور في أسلوبه وخطابه".
وأوضح هاشم أن "الصدر من الممكن أن يتغاضى قليلا في الوقت الحالي عما تحدث عنه سابقا بخصوص محاسبة المالكي، لكنه يبقى يحمل ضغينة عليه، فالقوى الشيعية تتغاضى عن بعضها كلما تقاربت، وحينما يحصل افتراق وتقاطع بينها يلوحون بأوراق الضغط ضد بعضهم".
وأشار الخبير السياسي إلى أن "الصدر اليوم يخفف الضغط على المالكي لحين التوصل إلى حلول، والخطاب الأخير يدل على أن هناك بعض التقارب، لكن ماراثون الشد والجذب يبقى قائما ويمكن في أي خلاف أن تعود الخلافات بينهما إلى المربع الأول، فالتأزم بينهما وارد في أي دقيقة".
وأكد هاشم أنه "في كل مراحل الخلاف بينهما يحضر الوسيط الموثوق به للمصالحة من قبل الطرفين المالكي والصدر، ويبدو أن الخلاف اليوم يخلو من وجود وسيط يمكن أن يوصلهم إلى المصالحة، لأن التصريحات بين الطرفين تنبئ بذلك، كونها تحصل عبر الإنترنت فقط".
اقرأ أيضا: "المالكي" يتحدث عن "خلل" بانتخابات العراق ويدعو لمعالجته
ولفت إلى أن "الخلاف بين الطرفين عميق، ولا يمكن أن يتصالحا في ليلة وضحاها، وأعتقد أنه حتى لو حصل الضغط الإقليمي الإيراني على الطرفين، فإن الكثير من نقاط التقاطع تبقى قائمة بين الصدر والمالكي، وربما في وسط الطريق تتبعثر الحلول".
وخلص هاشم إلى أن "مسألة محاسبة الفاسدين وسقوط المدن بيد تنظيم الدولة التي يتحدث بها الصدر في مراحل عدة، ولا سيما خلال مرحلة الانتخابات، هي ورقة ضغط بينية، فكلما ظهرت عُقد الانسداد السياسي يلجأ الطرفان إلى استخدام أوراق الضغط هذه".
رسالة مبطنة
وفي المقابل، رأى نجم القصاب "رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام" في العراق أن "الرسالة هذه مكملة للرسائل السابقة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأنه الكتلة الأكبر والفائزة وهي التي تشكل الحكومة، وهذا يقطع الطريق أمام المالكي ومن يؤيده بأنكم لا تستطيعون تشكيل الحكومة".
وأوضح القصاب في حديث لـ"عربي21" أن "هذا الأمر لا يرضي المالكي، لأن الأخير يرغب إما بطرح نفسه رئيسا للحكومة أو يرشح أحدا عن طريقه لشغل هذا المنصب، وهذا غير مقبول لا عند الصدر ولا عند قوى السنة والأكراد، وبالتالي ستحاول ضغوطات سياسية وإقليمية ودينية على المالكي للالتحاق بالصدر".
واستغرب رئيس مركز "المورد" من القول إن رسالة الصدر إلى المالكي كانت ودية، لأنها عكس ذلك فهي تحمّل الأخير جميع الأخطاء والخطايا التي حصلت أثناء فترة حكومته، وهذا يضع المالكي في زاوية حرجة أمام السنوات الماضية التي فشل العراق فيها.
وخلص القصاب إلى أنه "حتى الآن صعب جدا في الوقت الحالي الحديث عن إعادة إحياء الائتلاف الشيعي الموحد (البيت الشيعي)، فالفجوة والخلافات كبيرة بين هذه الأطراف، لكن زعيم التيار الصدري يحاول حاليا استخدام الحرب النفسية على الخصوم".
"قطبان شيعيان".. ملامح تحالفات لتشكيل حكومة العراق المقبلة
ماذا وراء تعيين قاضيات مصريات للمرة الأولى بمجلس الدولة؟
لماذا تختلف الانتخابات العراقية المقبلة عن الماضية؟