من أبرز ما قام به
ماكرون من حيث تأثيره السلبي على الشعوب العربية والإسلامية التي تجاوز عديدها أكثر من مليارين حسب تقديرات 2021؛ تأييده للرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - والتضييق على المسلمين وإغلاقه عددا من المساجد والجمعيات، ووصفه الدين الإسلامي بالتطرف، وهو ما يؤشر على إيقاع نفسه في الخطأ تلو الخطأ، فهو لا يحسن التفكير ولا التدبير في التعامل مع الدول والشعوب، ولا يدرك المخاطر الناجمة عن هذا الاستعداء الغبي..!
وكان آخر أخطائه الخرقاء التي لا تشي بوعي ولا إدراك، بل تدل على جهل وغفلة وقلة حيلة، ما صرح به أخيرا لصحيفة لوموند الفرنسية حول الأمة
الجزائرية حيث قال: "الجزائر لم تكن أمة قبل الاستعمار"؛ فكأنه يقول بأن قتل ملايين الشهداء الجزائريين والسجن والتعذيب والاستهانة بآدمية الناس هي التي صنعت الأمة الجزائرية. وهذا التصريح يؤشر على حمق ورعونة عالية؛ فالمستعمر الحصيف يحاول بكل وسيلة ممكنة دفن أحقاد الماضي وإغلاق ملفاته، لا استفزاز من وقع عليهم الاستعمار وعانوا منه أشد المعاناة..
وكان مما قاله: إن الجزائر تعرضت لاستعمار سابق على استعمار
فرنسا، وهو الاستعمار التركي. وفي ذات السياق يعجب من الشعب الجزائري كيف نسي الاستعمار التركي، واحتفظت ذاكرته بالفرنسي.. وهو أمر مضحك، لأن العثمانيين لم يعملوا على إبادة الجزائريين، ولم يرتكبوا المجازر ضدهم، وكانوا يتعاملون مع الجزائر كإقليم في الدولة العثمانية، سواء أكان لها أخطاء أو لم يكن..
وقد جاء رد الجزائر حاسما قويا يليق بالجزائريين وتاريخهم المشرف، فحظروا على الطيران العسكري الفرنسي المتجه نحو مناطق الساحل الأفريقي التحليق فوق الجزائر، واستدعت الخارجية سفيرها في فرنسا، كما صدرت عديد التصريحات القوية ابتداء من الرئاسة الجزائرية مرورا بوزارة الخارجية، وانتهاء بعدد كبير من السياسيين والمفكرين والمؤرخين الذين قال بعضهم إن الجزائر موجودة قبل فرنسا، فقد كانت موجودة 250 ق. م. ويضيق المجال عن سرد آلاف الردود والتغريدات على ما اقترفه لسان ماكرون وتفكيره الهش؛ من قبل نخبة الجزائر ومثقفيها وعامة الشعب..
ولم يكتف ماكرون بهذه التصريحات المريضة؛ فقام بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف، ليزيد من استعدائهم، فإن كان يقصد الاستعداء فهو أخرق؛ لأن ذلك لا يصب في مصلحة بلده ونظرة نحو 45 مليون جزائري لسياسته الحمقاء، وإن كان لا يقصده فهو أخرق أيضا؛ لأنه لا يعرف كيف يصنع القادة الاحترام لبلادهم، ولا كيف يديرون التحالفات الدولية التي باتت من أهم ما يبحث عنه قادة الدول العظمى وغير العظمى. إنه يتصرف بعنجهية وبوتيرة أعلى من وتيرة الولايات المتحدة، وينصّب نفسه مديرا كونيا، ناسيا أو متناسيا أن فرنسا تقع ضمن منظومة عالمية، وأنه لا يشكل القوة الأهم فيها..!!
وجاءت صفقة الغواصات الأمريكية لأستراليا، والتحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي لتكشف عن هشاشة وسطحية تصرفات ماكرون الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في مواجهة ساخنة مع الولايات المتحدة، ثم ليخفت صوته تماما بمجرد اتصال أجراه معه جو بايدن، حتى إنك لتشعر بأنه شاب مراهق يتعامل بردود الفعل الصاخبة، ثم ليبرد تماما مع أول حبة مسكّن أمريكية يتلقاها في الوريد أو مع أول مصّة يتلقاها طفل جائع من رضاعة الحليب الأمريكية..!!
وإذا نظرنا إلى علاقته مع تركيا؛ نلاحظ كم الكراهية والصراخ الذي ينفثه في وجه تركيا، غير تارك أدنى فرصة للتفاهم مع دولة محورية هي عضو في حلف الناتو، وجزء مهم من التحالف الدولي ضد الإرهاب، وحضورها في المشهد السياسي العالمي لا يُستهان به. ففي حين تتعامل الولايات المتحدة بعدائية ناعمة مع تركيا، يتعامل ماكرون معها بنزق وصراخ لا ينقطع..!!
إلى ذلك نجد مؤخرا قيامه بالتخلي عن مالي واستعدائها، حين تركها تواجه مصيرها منفردة، وانسحب منها بطريقة دراماتيكية وبدون أدنى معالجات قبل الانسحاب. وكان الرئيس الفرنسي وصف خطاب رئيس وزراء مالي في الأمم المتحدة بشأن انسحاب فرنسا من مالي بالفضيحة، وأضاف: "لولا فرنسا في الساحل لما بقيت لمالي حكومة، ولسيطر الإرهابيون على باماكو وعلى كل البلاد"؛ مما أثار موجة سخط ضده في مالي. هذا إن لـم نتحـدث عن علاقـات ماكرون وفرنسـا بعامة بالقارة الإفريقيـة، وأكتفي هنـا بنقل ما قالته فنانة أفريقيـة، خلال لقائه المفتوح مع شبان من القارة يوم الجمعة الفائت (8 تشرين الأول/ أكتوبر 2021)، والذي خلا من وجود زعماء الدول أو وزرائهم، واقتصر على الشباب.. قالت: "إن
أفريقيا متزوجة من فرنسا زواجا قسريا منذ أكثر من 500 عام"..!!
لقد فقد ماكرون الكثير من ماء وجهه منذ أن دخل المعترك السياسي، وتعرض لكثير من الإهانات على الصعيد المحلي من قبل عدد من مواطنيه الذين صفعوه أو رموه بالبيض؛ ليصبح أكثر السياسيين تعرضا للإهانة سواء بالصفع أو الرشق بالبيض أو الإهانة اللفظية، وهو أكبر دليل على إخفاقاته السياسية وعجزه عن تركيز نفسه رئيسا ذا قيمة وقدر.. وحين سألت بعض الفرنسيين عن سياسات ماكرون كان هناك ما يشبه الإجماع على أنهم كانوا يتوقعون منه الكثير، لكنه لم يفعل شيئا..
وكان مما قاله لي الشاعر والكاتب الصحفي الإيطالي جون بروشسكيني: "تواصل الصحافة الإيطالية تسليط الضوء على التفاهم بين ماريو دراجي وإيمانويل ماكرون". والآن تعد باريس وروما معاهدة تعاون جديدة يمكن توقيعها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؛ يحتوي نصها على التزامات قوية تجاه أوروبا والدفاع عنها. ويمكن للاتفاقية بين البلدين أن تضع حجر الأساس لتعاون أكبر في مجال الدفاع والتعاون في مكافحة الإرهاب والهجمات السيبرانية وتهريب الأسلحة. ومع ذلك - بالنسبة للكثيرين - ستكون مجرد واحدة من عدة معاهدات، لا تزيد عن كونها صفقة تجارية غامضة، وستكون حدثا تافها. بالنسبة لكلا البلدين - وكما أرى شخصيا - ولكن قبل كل شيء بالنسبة لفرنسا، ستكون هذه هي الفرصة الأخيرة لعدم الذهاب نحو الهاوية والتحول إلى قوة قزمة، وانقراض سياساتها الكبيرة بفعل الاضطرابات، خصوصا مع رحيل أنجيلا ميركل عن الساحة الأوروبية. وبينما يلعب الرئيس الفرنسي لإعادة انتخابه في غضون أشهر قليلة، يُنظر إلى رئيس المجلس الإيطالي على أنه قطب الاستقرار في أوروبا. لكن لا ترى الأغلبية ماكرون بالطريقة ذاتها. وأخيرا فقد تحدث البروفيسور أدريانو سيغاتوري، وهو طبيب ومعالج نفسي إيطالي، عن ماكرون قائلا إنه "مريض نفسي يعمل فقط لنفسه"..
لا شك في أن ماكرون يقوم بأسوأ دور على مسرح السياسة، فيعمل على تفخيخ علاقاته الدولية لتسقط فيها أحلامه حلما تلو الآخر، فقد مني بكثير الإخفاقات التي تسبب فيها تسرعه الشيطاني وردود فعله الهوجاء، فقام بفتق عرى علاقات بلاده بكثير من الدول غرزة غرزة، بدلا من أن يرتق ما عابها من خروق..!!