لأكثر من عقد، والشعب السوري يدفع فاتورة باهظة للخلاص من العصابة الطائفية، المسنودة باحتلالات متعددة، يقابلها سعي عالمي محموم لتمكين العصابة مجدداً من رقاب الشعب السوري. لم يأبه العالم كله بمليون شهيد سوري، في فترة زمنية قصيرة جداً، مقارنة بخسائر الجزائر وغيرها التي امتدت لعقود. ولم يأبه هذا العالم لكل عذابات السوريين الذين فضلوا أن يُقتلعوا من أرضهم وديارهم وبيوتهم، على أن يعيشوا تحت سلطة عصابة السكاكين والبراميل المتفجرة والكيماوي، وكل ما تفتقت عنه عصابات القرووسطية من عقلية إجرامية.
لأكثر من عقد والعالم يحاول سلب السوريين قرارهم الخارجي، تحت مسميات مختلفة؛ اتفاق جنيف، وسوتشي والأستانة، واللجنة الدستورية، وغيرها، ولكن لم يتمكن من سلبهم قرارهم بمواصلة رفض العصابة الطائفية ولفظها. إذ العلاقة عكسية تماماً بين سلب القرار ومحاولة استعادته، فمع كل محاولة لسلبه المتمثل بفرض العصابة على الشعب، يزداد رفض السوريين للأسد وعصاباته، ويؤكد معه السوريون من جديد أن لا تصالح مع العصابة التي اقترفت كل هذا، مع من يفترض أن يكون شعبها.
اليوم نرى تطبيعاً من الأردن بعد زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن، وبالتأكيد ما كان لخطوط الغاز المارّة في درعا باتجاه لبنان أن تمرّ، لولا الموافقة الأمريكية على خرق قانون قيصر الذي اقترحته بنفسها، فتزامن خرقه نفطياً مع خرس أمريكا على صهاريج النفط، التي نقلت النفط من الباخرة الإيرانية إلى جمهورية حزب الله في لبنان. وصاحب ذلك تصريحات من البطريرك اللبناني بشارة الراعي المعروف بدفاعه عن نظام البراميل المتفجرة، فدعا إلى إعادة قسرية للاجئين السوريين للعصابة الطائفية، على الرغم من أن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أقرّت أخيراً بأن البيئة غير مناسبة لإعادة اللاجئين، وأن ثمة خطورة في إعادتهم، وعنونت منظمة العفو الدولية تقريرها المفزع بـ"عائد إلى الموت".
كان من المتوقع أن يأتي تصريح الراعي على لسان سياسي شبيح مؤيد للأسد، أما أن يأتي من رجل دين فهذا غير مسبوق في تعاطي رجال الدين - أي دين - مع مآسٍ تمر بها الشعوب، مما يؤكد وقوف البطريركية منذ اليوم الأول إلى جانب العصابة في دمشق ضد السوريين، ولا تزال، وهو ما كشفته تصريحات كثيرة سبقت هذا التصريح للأسف.
الطعنة الثانية أتت للسوريين من الأردن، في استقبال رئيس الأركان الأردني لوزير دفاع العصابة الطائفية، والأغرب أن يكون حديثهما هو التنسيق في مكافحة الإرهاب والتهريب، بينما العالم كله شهد إرهاب العصابة الطائفية التي جلبت المحتلين إلى حدود الأردن، وقذفت إلى الأردن بمئات الآلاف من اللاجئين نتيجة إرهابها، وإغراقها الأردن - بشهادته نفسه - بالمخدرات والكبتاغون، ومع هذا يصر الأخير على الترويج للتطبيع مع العصابة الطائفية.
الجزائر بلد المليون شهيد على مذبح الحرية والتخلص من الاستبداد؛ يقوم اليوم وزير خارجيته بدعوة قاتل المليون شهيد سوري لحضور اجتماع الجامعة العربية المقبل في الجزائر، ليس لدينا ما نقوله إلاّ مطالبة أحرار الجزائر بألاّ يسمحوا لقاتل المليون شهيد أن يُدنس تراب المليون شهيد جزائري، فإن لم يكن حباً وتأييداً لثورة المليون شهيد سوري، فلا أقل من الحفاظ على ما تبقى من رمزية المليون شهيد جزائري.
للأسف ما زلنا نسمع عن لقاءات بين مسؤولين أتراك والعصابة الطائفية، يقابله تصعيد للعصابة والاحتلال في المناطق المحررة في الشمال السوري المحرر، وهي المنطقة الوحيدة الباقية ليعيش فيها خمسة ملايين مشرد انشقوا عن العصابة الطائفية، من محافظات عدة، يعيشون تحت لهيب شمس آب، وتحت أمطار وبرد كانون، ومع هذا يستكثر عليهم الاحتلال هذه العيشة.
ما يجري في البادية وعودة تنظيم الدولة (داعش) لمهاجمة العصابة الطائفية، وسدنتها المحتلين (الروس والإيرانيين)، سيدفع بعض السوريين إلى إعادة التفكير، لا بالتخلي عن الخيار السياسي والتفاوضي مع العصابة، وفقد الثقة بالمجتمع الدولي فحسب، وإنما سيدفعهم حتى إلى التفكير بالالتحاق بتنظيم الدولة. وثمة مؤشرات عملية على هذا، على الرغم من قناعة الغالبية في مسؤولية التنظيم عن ضياع الثورة السورية. ومثل هذا المؤشر خطير ليس على السوريين فحسب، وإنما على الجوار كله.
التخلي عن الشعب السوري، ودعم الاحتلال وذيله، لا يمكن أن يمر على السوريين بعد كل هذه المعاناة، كل ما في الأمر أنه سيضع بنظر السوريين كل من يُطبع مع الأسد في خانة قتلته وجلاديه على السواء. وقد رأينا عاقبة من سعى إلى التطبيع مع الصهاينة متجاوزاً الشعب الفلسطيني؛ كانت العاقبة أن الفلسطينيين والأحرار معهم لفظوه، وصنفوه في خانة الصهاينة، فكما أن الحياة مع القاتل في فلسطين غير ممكنة، فالحياة مع أجيره في دمشق أكثر استحالة. لقد حسم السوريون معادلتهم مع الأسد الكيماوي وأسياده؛ "لا شيء يتغير في سوريا، ما لم يتغير كل شيء".
العقد الاجتماعي.. سوريا نموذجا
"جامعة الشعب" هل هي من أذرع القوة الإسرائيلية الناعمة للتطبيع؟