الكتاب: "من أين نبدأ التغيير؟"
عدد الصفحات: 227 ص
المؤلف: د. نورالدين بكيس
الناشر: النشر الجامعي الجديد، الجزائر 2021
بعد أشهر عديدة من الحراك الشعبي في الجزائر، خاب أمل الجزائريين في رؤية الجزائر الجديدة التي كانوا ينتظرونها، وساد في أوساطهم الإحباط واليأس من إمكانية حدوث التغيير المنشود، خاصة في ظل وجود تجربة ثورات الربيع العربي التي انتهت إلى عكس ما كانت تطمح إليه الشعوب في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وذلك بعد أن تمكن النظام من إعادة إنتاج نفسه وقد ساعده في ذلك وجود بيئة منتجة للفساد والتسيب، فكيف يمكن القيام بالتغيير مع وجود تلك البيئة؟
في هذا الكتاب يقدم مؤلفه نورالدين بكيس المتحصل على دكتوراه علوم في علم الاجتماع السياسي من جامعة الجزائر، مجموعة من القواعد والتوجيهات التي يجب الالتزام بها وتطبيقها من أجل تحقيق التغيير المنشود، والتي أجاب من خلالها على السؤال الذي وضعه عنوانا لهذا الكتاب: من أين يبدأ التغيير؟ً فمن أين يجب أن يبدأ التغيير حتى نصل إلى التغيير الذي يتوق إليه الجميع؟
التغيير في مجتمع مستسلم للواقع معادلة مستعصية
في مقدمة هذا الكتاب يذكر د. نورالدين بكيس أن الإصلاح والتغيير اليوم في الجزائر يدخل في دائرة المعادلات المستعصية إن لم نقل المستحيلة، ما يفرض إيجاد خطاب يسمح بإخراج الكثير من النخب الفاعلة في المجتمع من حالة الاستقالة والفشل والهوان والتسليم للواقع المرير (ص 10). ويرى أيضا أنه من الصعب إقناع المواطن الجزائري اليوم بإمكانية التغيير وهو يرى إرادة الشعوب تقهر بطرق متنوعة في سوريا ومصر واليمن وتونس وليبيا، وذلك بعد أن عادت الدولة العميقة بكل أشكالها لإحكام السيطرة بل وعاقبت تلك الشعوب إلى الحد الذي جعل البعض منهم يتمنى العودة لمرحلة ما قبل التفكير في التغيير ومحاولة إسقاط النظام.
يقول الكاتب: "إن أسئلة مثل: هل يمكن بعد كل ما حدث التفكير في إسقاط النظام؟ وهل هذا ممكن؟ وهل الأنظمة الحالية قابلة للإصلاح؟ وما السبيل لذلك؟ هذه الأسئلة يعجز الجميع عن الاجابة عنها..". (ص11)..
وأضاف: "رأينا أكاديميين ومثقفين كانوا من أشد المبشرين والداعمين لما سمي بالربيع العربي أصبحوا اليوم عاجزين عن تفسير ما حدث بل الكثير منهم أصبح يتبرأ من الشعوب لإنقاذ صورته وصدق أفكاره"، (ص11).
وتبعا لذلك يقول الكاتب: "إننا أمام صدمة وليدة ارتفاع سقف في نهاية 2010، نحن أمام مرحلة صدمة الشعوب والمجتمعات العربية بداية من تجربة تونس ثم توالي انكسار تجارب المجتمعات العربية الواحدة تلوى الاخرى"، ( ص11).
معركة تصحيح الإدراك والوعي!
في ظل هذا الواقع الانهزامي الاستسلامي يرى المؤلف أن "المتأمل لحال المواطن اليوم يدرك جيدا أنه يتمتع بمستوى من الوعي المتميز إلى حد كبير سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي وحتى الثقافي، فالمجتمع الجزائري اكتسب عموما مع مرور التجارب والأيام وانتشار التعليم والانفجار الإعلامي سقفا مرتفعا من الوعي وأصبح يحاكم الواقع الجزائري في كل المجالات بناء على معاش المجتمعات الأخرى عن طريق المقارنة، واستنتج بسهولة ضعف النخب القيادية في الجزائر وعجزها عن خلق وتنمية واقتصاد قوي" قبل أن يستدرك الكاتب "لكن هذا الوعي عاجز عن إيجاد بدائل وفرض تغيير للواقع"، (ص 12).
ومن هذا المنطلق كان لزاما إعادة تصحيح الأفكار التي لم تعد قابلة لتحريك الأشياء "وذلك في ظل واقع أنظمة فاسدة تعيد إنتاج نفسها وتتطور بشكل دائم، بوجود جيوش من النخب داعمة لها، مبدعة في تعطيل آليات نهوض المجتمع من جديد"، (ص13).
شروط التغيير
لا يتحقق التغيير المنشود إلا بعد المرور عبر مسار فيه عدة محطات يتم من خلالها تطبيق مجموعة من الآليات والقواعد حسب الكاتب الذي وضعها وقام بشرحها بشكل مفصل قائلا في ذات السياق: "نحتاج إلى فهم اليات التغيير لكسب معركة ادوات التغيير"، وذلك بسبب أن "النظم أصبحت تعمل على إنتاج وصناعة المواطن الذي يناسب مشاريعها وتصوراتها لطريقة تنظيم المجتمع والحياة"، (ص 42).
ويشدد في ذات الصفحة بالقول أيضا نحتاج اليوم إلى مراجعة حقيقية لمدى قدرة وسلطة هذا المواطن بكل شجاعة ولا يكفي الادعاء بالقدرة على التغيير في ظل عدم القدرة على ممارسة التغيير". كما دعا الكاتب أيضا إلى "خلق الشروط المساعدة على تهيئة التغيير"، (ص43) والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:
أولا ـ صناعة القدوة من خلال التفاعلات اليومية، حيث يقول الكاتب في هذا السياق: "يستصغر معظم الناس القرارات اليومية التي نتخذها في يومياتنا في مختلف المجالات ويركزون فقط على القرارات المتخذة في المواقف الكبرى، ولكن في كثير من الأحيان شخصياتنا وصورتنا الحقيقية تنتج من خلال ما نعيشه يوميا من تفاعلات نتكيف معها باستمرار ويؤكد على ضرورة الانتباه إلى الجزئيات البسيطة في حياتنا لأنها تصنع غدنا وتصنع شخصياتنا"، (ص59).
ويشدد الكاتب على أن الاستقامة والمواظبة على الحد الأدنى من السلوك السوي يرفع حظوظ التميز مستقبلا، (ص 62) ويوصي بـ "ضرورة التضحية في المواقف اليومية "، (ص 64).
ثانيا ـ تحقيق الاستقلالية المالية بالعمل في إطار الاقتصاد الموازي لأنه حسب الكاتب فإن "أكبر معضلة تعرقل الإصلاح في الجزائر هي بنية الاقتصاد" (ص 73) وذلك بسبب أنه "كلما تحققت الاستقلالية المالية عن النظام السياسي ومؤسساته توسعت دائرة استقلاليتنا عن الفضاءات التي يسيطر عليها النظام وقلت تبعيتنا له"، (ص 74).
يقول الكاتب: "تبدأ عملية التغيير عندما تبدأ مرحلة التحرر بالاستثمار في الهوامش"، ويؤكد أن "الاقتصاد الموازي فرصة للكثيرين من أجل التحول إلى فاعلين في المتجمع وتحقيق ترقية بنسب متفاوتة، (ص77).
ثالثا ـ تبني منطق المرواغة لتفادي ردود الافعال الراديكالية وذلك من خلال "مقارعة أساليب السلطة وتوجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح لتضييع الفرصة على السلطة التي تعمل على تشتيت إدراك الناس".
وأضاف: "إن ذلك يتطلب حضور النخب الحقيقية ذات النفس الطويل القادرة على القيام بذلك"، (ص96).
رابعا ـ الوقوف عند نقاط قوة المجتمع وتطويرها.. يقول الكاتب في هذا السياق: "إنه من العبث عدم الاهتمام بنقاط قوة كل مجتمع لأنها تشكل نقاط ارتكاز للنهضة والنهوض بالواقع السيئ إلى ماهو أفضل.. وحسب الكاتب فإن هذه النقاط تتمثل في المرجعية الثورية للشعب الجزائري إلى جانب نوعية المجتمع الشبابي وأيضا مستوى التعليم والتطور الحتمي وتغيير الأدوار إضافة إلى نموذج المقارنة والنماذج الجذابة الضاغطة مع وجود ضغط الجالية على الداخل والاستثمار في الضغط الخارجي"، (ص 196).
ويوصي الكاتب أيضا بضرورة الاستثمار في معركة الإقناع والتركيز فيها على حجج النخب الحاكمة مع تسليط الضوء على القمع والإقصاء كمؤشر على ضعف الإقناع" (ص 135).