نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الانسحاب الأمريكي التدريجي من أفغانستان بعد سنوات من تدخل لم ينجح في وضع حد لنفوذ حركة طالبان.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن آخر الجنود الأمريكيين غادروا بشكل غير رسمي بغرام، قاعدتهم الجوية الواسعة الواقعة شمال كابول. واكتشفت القوات الأفغانية، صباح الجمعة، أن المنشآت مهجورة. وكان هذا الرحيل خفية إحدى المراحل الأخيرة للانسحاب الذي تسارع نسقه، وقد ينتهي في الأسابيع المقبلة.
مع التخلي عن قاعدة بغرام، فإن آخر قاعدة جوية متاحة للأمريكيين وطريقهم الأخير للخروج من أفغانستان إذا ساءت الأمور، هي مطار كابول. تمثل بغرام رمزا من رموز الحرب الأمريكية في أفغانستان، أطول صراع في تاريخ الولايات المتحدة.
بعد ما يقرب من عشرين سنة من بدء المغامرة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، تمت مغادرة المرافق العسكرية. بالإضافة إلى آثار وجودهم، يترك الأمريكيون وراءهم حكومة أفغانية هشة، محاصرة في المدن الكبرى من قبل حركة طالبان، التي توشك على تولي السلطة مجددا.
ثبتت صحة المثل القائل "من السهل غزوها ومن الصعب حكمها ومن الخطر مغادرتها" في أفغانستان مجددا. بعد البريطانيين في القرن التاسع عشر والسوفييت في القرن العشرين، أصبح الأمريكيون القوة العظمى الثالثة التي تفشل في هذا البلد الذي بدا وكأنه يرفض التدخل الأجنبي بشكل شبه طبيعي. على شاكلة البريطانيين والسوفييت، ارتكب الأمريكيون خطأ التدخل في السياسة المحلية، والتقليل من قدرة أفغانستان الهائلة على الصمود. وبعد تسعة عشر عامًا من وصولهم، يغادر الأمريكيون، وما زال المتمردون موجودين.
وذكرت الصحيفة أنه مع ذلك، بدأ التدخل الأمريكي في أفغانستان مثل عملية نموذجية. في غضون أقل من شهرين، اجتاحت مجموعة من القوات الخاصة وعملاء وكالة المخابرات المركزية، مدعومين بقاذفات استراتيجية وبعد توزيع مبالغ مالية، طالبان بدعم من حلفائهم الأفغان. لكن عند تورطهم في الحرب الأهلية الأفغانية، لم يضع الأمريكيون حدًا لها.
في صيف عام 2002، شهدت اللويا جيرغا الكبرى المتموقعة في كابول لوضع أسس إعادة إعمار أفغانستان عودة جميع أمراء الحرب الذين خربوا البلاد منذ رحيل السوفييت، والذين سمحت انتهاكاتهم بظهور طالبان. إثر ذلك، وضع الأمريكيون وكيلهم، حامد كرزاي، وهو بشتوني يتحدث الإنجليزية وقدير ولكنه غير معروف تقريبًا من قبيلة صغيرة، على رأس أفغانستان. منذ بداية اجتماعات مجلس الأعيان هذا، حرص الأمريكيون على عدم منح الكلمة للملك ظاهر شاه، العائد من المنفى، والشخصية الوحيدة القادرة على توحيد البلاد.
وأضافت الصحيفة أنه بسبب الرئيس الجديد، شعرت القبائل البشتونية الكبيرة بالخداع في الوقت الذي كانت فيه باكستان، التي تعتبر أفغانستان دولة تابعة لها والتي تعتبر السيطرة عليها أساسية في مواجهة الهند، مصممة أيضًا على الانتقام. وهكذا، بدأ الوضع بالتدهور تدريجياً.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الأمريكيون بغزوهم للعراق، استمرت عدة عمليات في أفغانستان، تعارضت أحيانًا مع الأهداف. وقامت القوة الدولية لتحقيق الاستقرار، التي من المفترض أن تساهم في أمن السلطات الأفغانية الجديدة، بنشر وحدات تابعة لحلف شمال الأطلسي بمهام وقدرات مختلفة في المقاطعات. في هذه الأثناء، وتحت قيادة منفصلة، واصلت عملية الحرية الدائمة الأمريكية ملاحقة طالبان.
من ملاذهم في باكستان، وبدعم من المخابرات السرية في إسلام أباد، ولكن أيضًا من إيران وروسيا، عادت حركة طالبان للنشاط. في 2006-2007، تدهور الوضع مما تسبب في قلق الأمريكيين. أقنع الجنرال ديفيد بتريوس أوباما بأن تحقيق نصر عسكري ممكن بفضل استراتيجيته في مكافحة التمرد.
وبينت الصحيفة أن التعزيزات، التي بلغت ذروتها عند أكثر من 110 آلاف رجل في الفترة الممتدة بين 2010-2011، لم تكن كافية لتغيير مجرى الحرب. أعاد الأمريكيون إطلاق الجزء الأكبر من قواتهم، تاركين حصونهم في كونار أو هلمند. في عام 2014، انتهت عملية الحرية الدائمة. ولم يتبق سوى بضعة آلاف من القوات الخاصة، التي تتمثل مهمتها في تدريب ودعم الجيش الأفغاني والقواعد الجوية في قندهار وبغرام.
إدراكًا منها أن جزءًا من المشكلة التي تمثلها طالبان مصدره باكستان، بدأت واشنطن في التفاوض. ثم أصبح أفغانستان أفباكستان (أفغانستان وباكستان)، لكن المحادثات توقفت. في كابول، انتقد كرزاي صراحة القصف الأمريكي الذي وضع السكان في مواجهة الأجانب. عقب ذلك، حل محله مرشح آخر، أشرف غني، وهو أيضًا منفي سابق، ومسؤول سابق في البنك الدولي.
لم تسفر فكرة إسناد الحرب إلى القوات الأفغانية، التي طبقتها السياسة الأمريكية في فيتنام، عن النتائج المرجوة. لم يمكن للجيش الوطني الأفغاني السيطرة على المدن إلا بمساعدة الولايات المتحدة والقوات الخاصة والقوات الجوية. علاوة على ذلك، ازداد الوضع الأمني سوءًا حين انضاف فرع محلي لتنظيم الدولة إلى المتمردين.
كما تطرقت الصحيفة إلى أنه على الرغم من فشلها في السيطرة على الحملات التي شنتها حركة طالبان وغيرها من الجماعات المتمردة، إلا أن هذه الطريقة سمحت بعدم تأزم الوضع أكثر. في المدن، ظهر جيل جديد من الأفغان، وخاصة الأفغانيات المتعلمات، لا يرغب في عودة طالبان، على الرغم من الفساد وسوء إدارة الحكومة الأفغانية.
من جانب آخر، عادت المحادثات التي أعاد إطلاقها ترامب بالنفع على المتمردين الأفغان وطالبان وشبكات حقاني، الذين وقع إطلاق سراح سجنائهم، دون تقديم أي مقابل. إذا كان الرأي العام الأمريكي لا يهتم بحرب لا تكاد تقتل جنودًا، فإن شعار ترامب لحرب لا نهاية لها والتي لا بد لها أن تنتهي بشكل عاجل وبأي ثمن حمله خليفته الديمقراطي بايدن. فقد رفض بايدن الإصغاء إلى جنرالاته الذين طلبوا منه الاحتفاظ بقاعدة وقوات خاصة. وخلال مؤتمره الصحفي الأخير في كابول مطلع الأسبوع الماضي، رسم قائد القوات الأمريكية الجنرال سكوت ميللر صورة قاتمة للوضع الأمني.
وقالت الصحيفة إنه في إشارة منه إلى الخسارة السريعة لمناطق بأكملها لصالح طالبان في الأسابيع الأخيرة، حذّر ميللر من أن "الحرب الأهلية تظل بالتأكيد محتملة إذا استمر الاتجاه الحالي، وهو ما يجب أن يقلق العالم بشأنه". كما تراجعت قوات الناتو بهدوء. ورفضت الولايات المتحدة تحديد موعد مغادرة آخر جندي أمريكي أفغانستان، علما أن جنودا أتراكا وأمريكيين يشرفون على حماية مطار كابول الدولي حاليا.
صحفي أمريكي: لعبة بايدن في أفغانستان خاسرة للجميع
بوليتيكو: هل تقترب أمريكا من "لحظة سايغون" في أفغانستان؟
التايمز: طالبان ضمنت النصر وبدأت بالتحاور مع المجتمع الدولي