ملفات وتقارير

خبراء يوضحون أسباب الاستماتة الحوثية للسيطرة على مأرب

ينظر الحوثيون إلى مأرب باعتبارها آخر مدينة شمالية تسيطر عليها الحكومة الشرعية- الأناضول

تشهد محافظة مأرب، شمال شرق اليمن، اشتدادا في وتيرة المعارك من جديد، بين قوات الجيش التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها، وبين مسلحي جماعة الحوثي، الذين يقاتلون باستماتة رغم التحذيرات من تداعيات استمرار الهجوم على هذه المحافظة التي تحوي أكبر تجمع للنازخين في البلاد.

ويسعى الحوثيون للسيطرة على المدينة التي فشلوا في السيطرة عليها حتى الآن، أو على الأقل، في استخدام عملياتهم الهجومية على القوات الحكومية ورقة تفاوضية في ظل حراك دولي تقوده إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للدفع باتجاه إنهاء الحرب الدائرة منذ ما يزيد على الست سنوات، وتسبب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

"الأهمية الاستراتيجية لمأرب"

وينظر الحوثيون إلى مأرب باعتبارها آخر مدينة شمالية تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

ومن شأن السيطرة عليها توجيه ضربة قاصمة إلى الحكومة، وتحقيق مكسب كبير للحوثيين، حيث سيصبح شمال اليمن بكامله في أيدي الجماعة، والسيطرة على ما يعرف تاريخيا باليمن الشمالي، قبل الوحدة اليمنية العام 1990، بما في ذلك محافظة تعز بساحلها.

وتتصل محافظة مأرب، بمحافظة الجوف من الشمال، ومحافظتي شبوة والبيضاء من الجنوب، ومحافظتي حضرموت وشبوة من الشرق، ومحافظة صنعاء من الغرب، وتبلغ مساحة المحافظة حوالي (17405) كم2، تتوزع في (14) مديرية وتعتبر مديرية مأرب أكبر مديرية في المحافظة مساحة.

وتعد مأرب بوابة استراتيجية مهمة على تخوم صنعاء، وأهميتها الاقتصادية كبيرة لليمن، لذلك فقد سعت جماعة الحوثي منذ وقت مبكر من انقلابها عام 2014 إلى وضع يدها عليها، لاحتوائها على أهم منشآت استخراج النفط وتحويله في البلاد.

وتعد مأرب معقلا رئيسيا للحكومة الشرعية، والمقر الرسمي لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، كما يتواجد فيها العديد من الألوية العسكرية.

ويستميت الحوثيون في السيطرة على مأرب، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدوها خلال الأشهر الماضية، حيث قتل العديد من القادة البارزين في معارك المحافظة، بينهم قادة برتبة لواء وعميد.

وكذلك تعد المحافظة معقلا رئيسيا للمعارضين السياسيين والعسكريين المناوئين للحوثيين، إضافة إلى كونها أهم تجمع سكاني للنازحين، حيث تشير تقديرات إلى أنها استقبلت حوالي مليوني نازح.

وفي الأيام القليلة الماضية، انطلقت عملية عسكرية كبيرة في أطراف مديريتي رغوان ومدغل (شمال وغرب مأرب)، تكبد الحوثيون فيها خسائر فادحة، وتتحدث مصادر عن عشرات القتلى والجرحى في صفوف المليشيات.

وأفاد مصدر يمني مطلع بأن جبهة الكسارة في مديرية مدغل، مثلت "ثقبا أسود للمسلحين الحوثيين الذين عجزوا عن إحراز أي تقدم فيها خلال الثمانية الأشهر الماضية".

ونقل المصدر عن قيادي ميداني بالجيش اليمني قوله: "إنه مع عجز الحوثيين عن أي تقدم ميداني، لجأوا إلى استهداف أحد المواقع الهامة في جبهة الكسارة بصاروخ باليستي بهدف نسف الموقع بكل من فيه".

وبحسب المصدر فإن هذا جنون ودليل فشل من قبل المليشيات الحوثية من خلال استهدافها موقعا عسكريا مهما كانت أهميته بهذا الحجم من الصواريخ.

وأكد المصدر أن الترتيبات والتحصينات التي أنشأها الجيش الوطني في جبهات الكسارة والمشجح والبلق، في الأطراف الشمالية والغربية، وكل الجبهات باتت عصية عن أي اختراق أو تهاو.

 

اقرأ أيضا: الجيش اليمني: دمرنا 75 بالمئة من دفاعات الحوثي حول مأرب

"ضغوط إيرانية"

ويقول الصحفي اليمني أحمد عايض، رئيس تحرير موقع "مأرب برس": "خلف كل جولات الحوار التي قادها المبعوث الأممي إلى اليمن أو جولات المبعوث الأمريكي، تيم ليندر كينغ، خارطة طريق جديدة للمنطقة قام بصناعتها وإعدادها "الهوامير" الكبار من الفاعلين في مسار المتغيرات ككل في المنطقة".

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "قد يكون الملف النووي اليوم هو الملف الأبرز حول التقاسم والتحاور بين أولئك لرسم خارطة المنطقة العربية".

وأشار عايض إلى أن "استماتة الحوثيين حاليا لا ترجع إلى قوتهم العسكرية أو الميدانية، وإنما للضغوط الإيرانية التي تمارس عليهم للمطالبة بحسم معركة مأرب كونها ورقة ستلعب في تغيير مسار الأوراق ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة ككل".

وبحسب عايض فإن النوعية التي يزج بها الحوثيون للقتال في جبهة مأرب "غالبيتهم من خريجي المخيمات الصيفية من عديمي الخبرة العسكرية ومن صغار السن".

وقال: "وهو أمر لا تكترث له الجماعة كثيرا بقدر ما هو حاليا ينفذ الأجندة المطلوبة منه في هذه المرحلة مهما كانت النتائج".

وبحسب الصحفي اليمني فإن كل المؤشرات العسكرية تتحدث عن تكرار سيناريو الهزائم للمليشيات الحوثية باتجاه مأرب، مؤكدا أنه اليوم العاشر للعمليات العسكرية التي يخوضها الحوثيون، لكنهم لم يحققوا من ورائها إلا كلفة بشرية واسعة وخسائر كبيرة في عتادهم العسكري، ولم يتمكنوا من التقدم أي شبر في الجبهات.

وأوضح الصحفي عايض أن الجيش الوطني يرتب صفوفه ويعزز مواقعة، والوقت حاليا يجري في صالحه، فهو ما زال محتفظا بقواته العسكرية "البشرية "ويستنزف الحوثي بطريقة ذكية ومنهكة.

"النفط والغاز"

من جهته، يرى الصحفي والباحث اليمني كمال السلامي أن الجانب الاقتصادي هو السبب الأبرز للهجوم الحوثي على مأرب.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن "الوصول إلى مأرب، يعني تلقائيا أن منابع النفط والغاز في شبوة وحضرموت (جنوب وشرق اليمن)، أصبحت أيضا في متناول الجماعة الانقلابية في حال استحوذت على تلك المحافظة".

وبحسب السلامي فإن الحوثي ينطلق في معركته الأخيرة بمأرب من منطلقات استراتيجية، تهدف إلى تأمين حكمه في صنعاء، وتحصينه اقتصاديا، من خلال تأمين السيطرة على مورد اقتصادي مستدام ومهم كالنفط والغاز، وهذا ما يجعلهم يستميتون في السيطرة على المحافظة.

ويشير السلامي إلى أن الحوثي "لا يعطي وزنا للمواقف الدولية، بل إنه يلعب على وتر التحول في تلك المواقف، بما في ذلك موقف التحالف السعودي، فالرسائل السعودية مؤخرا فهمها الحوثي أنها أقرب إلى الاستسلام منها إلى الرغبة في إنهاء الحرب نزولا عند الرغبة الدولية".

وأردف بأنه "لا شك أن حالة التفتت والتفكك في جبهة الشرعية أغرت الحوثي، خصوصا أن مأرب كما يبدو وضعت في موضع مساومة من قبل بعض أطراف التحالف".

وأوضح الصحفي والباحث اليمني أنه في ظل المعطيات الحالية، تبدو السيناريوهات قاتمة، لكن يظل سيناريو صمود الجيش والقبائل في مأرب هو الوحيد القادر على كسر المعادلة الحالية التي تتوافر لها الكثير من المعطيات السلبية.

"إرادة أمريكية بريطانية"

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء عادل الشجاع أن مأرب هي حلقة الوصل بين الشمال والجنوب وسقوطها يسمح بإنهاء الشرعية إذ يعزز موقف المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا) جنوبا والحوثي شمالا.

وقال في حديث لـ"عربي21": "الحوثي لا يتحرك وفق إرادته، بل يتحرك وفق إرادة أمريكية بريطانية خفية وغير ظاهرة، لكنها ربما تظهر من خلال سلوك الدولتين الناعم تجاه الحوثي وحمايته من السقوط".

وتابع الأكاديمي اليمني: "بالتأكيد ستصمد مأرب أمام الحشود الحوثية المستمرة لأنها تقاتل بأبنائها الذين يدركون ما سيلقون من قبل الحوثي إذا دخل أرضهم".

بالإضافة إلى أن الذين فروا من بطش الحوثي ويدركون أن الجنوب لا يقبل بهم ولا يستطيعون العودة إلى مناطق الحوثي، سيقاتلون باستماتة للحفاظ على وجودهم.

 

اقرأ أيضا: جدل واسع بعد تصريحات مبعوث أمريكا بشأن شرعنة "الحوثي"

"هدف استراتيجي"

وفي السياق ذاته، أكد الخبير اليمني في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب أنه يمكن النظر إلى استماتة الحوثيين في السيطرة على مأرب في سياقات عدة أنها "أبرز الأهداف الاستراتيجية في الوقت الراهن لما تمثله من قيمة سياسية وعسكرية وقيمة داعمة لاقتصاد الحرب وتوسيع النفوذ وفرض الهيمنة".

وأضاف في حديث لـ"عربي21" أنه في سياق اللحظة، يتحاشى الحوثيون الوقوع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة اليمنية بتوقيعها اتفاق سلام حول مدينة الحديدة، غرب اليمن، مشيرا إلى أن هناك مفاوضات جارية بشأن عملية سلام تشبه إلى حد ما اتفاق ستوكهولم -وقع لوقف إطلاق النار في مدينة الحديدة عام 2018- ولذلك، فإنها لا تريد جماعة الحوثي تكرار خطأ الشرعية تلك في مأرب.

وذكر الذهب أن إيران تضغط عليهم لتصعيد المواجهات في مأرب بما يخدم مواقفها في مفاوضاتها حول ملفها النووي مع الولايات المتحدة.

ولفت إلى أنه "يسعى الحوثيون إلى تحقيق انتصار في مأرب التي تحتوي على أهم منشآت الطاقة، وهذا المتغير، سيرفع كليا الحديث عن ناقلة النفط "صافر" -وهي سفينة عائمة في البحر الأحمر- وسيحقق لهم مكاسب كثيرة.

وبحسب الخبير اليمني في الشؤون العسكرية فإن مشروع "الحوثي" في الأساس "توسعي"، فما زالت حدود ما قبل الوحدة مع الجنوب خارج سيطرتهم، لذلك، فهم يبحثون في أقل مستوى من الطموح، أن يحققوا نفوذا كاملا في هذه المناطق التي كانت تحت سيطرة الجمهورية العربية اليمنية التي كانت قبل تحقيق الوحدة مع الجنوب في عام 1990.

ويهدف الحوثيون إلى السيطرة على مأرب، وفقا للخبير الذهب "باعتبارها آخر معاقل الحكومة شمالا، وفرض واقع انفصالي ولو مؤقتا، وبتواطؤ أمريكي وبريطاني غير معلن، كون سيطرتهم على المحافظات الشمالية، يمكّن للقوى الإقليمية والدولية من فرض نفوذها في المحافظات الجنوبية ذات الأهمية الاستراتيجية، وبالتالي، تحقيق الانفصال بين الشمال والجنوب".