البداية في الحديث عن الظهور الإعلامي
الأخير لوزيرة الخارجية السابقة،
نجلاء المنقوش، مع الإعلامية بقناة الجزيرة،
خديجة بن قنة، يكون مع دوافع هذا الظهور، وإذا ما كان مرتبا ويأتي في سياق حراك
لإسقاط حكومة الدبيبة، فالمنقوش التزمت الصمت لما يزيد عن العام، ولأن حراكا محليا
نشطا يسعى لإخراج الدبيبة من المشهد، واتجاها دوليا توجه لجعل التغيير الحكومي في
مقدمة التسوية السياسية، فإن كثيرين رأوا أن ظهور المنقوش كان مبرمجا ويصب في هذا
الاتجاه.
أقول إنه من غير اليسير الجزم بأن المنقوش
بكسرها جدار الصمت بخصوص اللقاء مع رئيس دبلوماسية الكيان الصهيوني تحركت ضمن مخطط
لإسقاط الدبيبة، فهذا لن يخفى عن القطريين وقناة الجزيرة الذين ربما لن يقاوموا
توافقا محليا ودوليا للتغير الحكومي لكن لن يكونوا طرفا في تدابير محلية أو
إقليمية لتسهيل هذا المسار.
ما يرجح عندي هو أن المنقوش واجهت خيبة أمل
وأيقنت أن الموضوع لن يحل بأي شكل يخفف عنها الضغوط ويلقي عن عاتقها المسؤولية،
فقررت الحديث، دون أن نستبعد تدخل بعض الشخصيات المقربة منها ممن يناصبون الدبيبة
العداء على الخط في إقناع المعنية بعدم قبول إلصاق تهمة التواصل مع الكيان بها
منفردة.
في مضمون اللقاء لفت نظري كلام نجلاء
المنقوش عن العرض الذي وصلها بخصوص تولي منصب وزير الخارجية، والصدمة التي واجهتها
وأنها غير معنية بالسياسة أو ما شابه، وكيف أن تولي المناصب العليا في الدولة يدار
بطريقة خالية من المسؤولية والحكمة والتقدير الصحيح لمصالح الدولة في هذه الظروف
العصيبة، فمنصب وزير الخارجية سياسي بامتياز، ويتطلب إلى جانب الوعي والتفكير السياسي المعمق وكذا
الممارسة السياسية مهارات عالية في الإدارة والقيادة، فالعنصر الخارجي في الأزمة
الليبية مؤثر تأثيرا كبيرا، ويستلزم وجود شخصية مخضرمة وقوية تتمتع بإمكانيات عالية
للمساهمة في الحد من التدخل الخارجي أو التقليل من آثاره السلبية، هذا بالإضافة
إلى القدرات اللازمة لتولي وزارة سيادية تواجه تحديات جمة في مقدمتها فوضى السفارات
والقنصليات والتضخم الكبير في أعداد العاملين فيها، يضاف إلى ذلك الدور الحيوي ضمن
رئاسة الوزراء والمساهمة في تبني سياسات واتخاذ قرارات فعالة في كافة المجالات
الحياتية.
ما يرجح عندي هو أن المنقوش واجهت خيبة أمل وأيقنت أن الموضوع لن يحل بأي شكل يخفف عنها الضغوط ويلقي عن عاتقها المسؤولية، فقررت الحديث، دون أن نستبعد تدخل بعض الشخصيات المقربة منها ممن يناصبون الدبيبة العداء على الخط في إقناع المعنية بعدم قبول إلصاق تهمة التواصل مع الكيان بها منفردة.
هذا التعجل وعدم التقدير الدقيق لطبيعة
المسؤولية والتحدي الذي يكتنفها ربما هو الذي جر المنقوش إلى الاختبار الصعب الذي
لا تحسد عليه، وأوقعها في المأزق الكبير الذي واجهته، وكان وقعه مريرا عليها وعلى
من هم حولها، وفي كلامها مع بن قنة ما يفيد أنها لم تستفد كثيرا من المحنة الشديدة
التي عاشتها.
وفي حديثها عن علاقتها الجيدة مع الجميع،
ولعبها دورا وساطيا إصلاحيا بين أطراف النزاع في الغرب والشرق، يظهر الارتباك وعدم
التقدير الصحيح لطبيعة مهامها الرئيسية كوزير خارجية، والتسطيح للتدافع بين الطرفين،
والملاحظ أنها قد نسبت هذا التوجه لنفسها، ولو أنها قالت إنها كلفت من قبل رئاسة
الوزراء للقيام بهذه المهمة الكبيرة لاختلف الأمر.
جاء ضمن
تصريحات الوزيرة أن كل المسؤولين
الليبيين تواصلوا مع الكيان الإسرائيلي، وما أدري هل هذا يحسب على غياب الضبط وعدم
التروي في الكلام والتدقيق في الألفاظ، أم أن عبارة "كل" التي تفيد
العموم، أي عموم شاغلي المناصب السياسية العليا وغيرهم، مقصودة وتعبر عن يقين لدى
المنقوش، وبالتالي فإنه ينبغي الوقوف على تصريحاتها تلك والتحقيق فيها من قبل جهات
الاختصاص.
الخطير في أصداء تصريحات المنقوش والجدل
الذي دار حول التواصل مع مسؤولين بالكيان الإسرائيلي هو تشويه مبدأ رفض الكيان
ومقاطعته ومنع التواصل مع مسؤوليه تحت أي ذريعة كانت، وجعل ملف التواصل معهم وسيلة
للمناكفة السياسية والنيل من الخصوم، ومسألة قابلة للأخذ والرد والنقاش بل ضمها
إلى نقاط الخلاف السياسي الذي لا يفسد للود قضية، فهذا لعمري مخيف، ويجعل ما يدور
اليوم من تدافع بمثابة مرحلة للتقدم خطوات باتجاه التعاطي مع الإسرائيليين تحت
ذرائع عديدة، خصوصا وأن خطة كسر الحاجز مع عموم المنتظم العربي ستكون في مقدمة
ترتيبات الإسرائيليين لمرحلة ما بعد حربي غزة وجنوب لبنان.