أُعلن عن وفاة الحقوقية والمعارضة الإماراتية آلاء محمد عبد الرزاق الصديق العبيدي، وذلك في حادث سير في مدينة لندن/ في اليوم العالمي للاجئين الموافق لـ٢٠ حزيران/ يونيو.
لم يكن رحيل آلاء حدثا عابرا، فقد لقي الحدث تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر كثيرون عن احتمال وجود شبهة في وفاتها على غرار تصفية المعارض السعودي جمال خاشقجي، وطالبت منظمة حقوقية في لندن الشرطة التحقيق في الحادث، والإفراج عن والدها المعتقل في الإمارات فورا.
يعد والد آلاء، الداعية محمد العبيدي، أحد أهم المعتقلين السياسيين ومن أوسعهم شهرة في الإمارات، حيث اعتقل عام ٢٠١٣، وذلك ضمن ما يعرف بقضية جمعية الإصلاح، وهو محكوم لمدة عشر سنوات. أخفي قسريا في سجون سرية قرابة العام، حتى أن عائلته لم تتعرف عليه سوى من صوته. اتهم بأنه يؤسس لتنظيم سري، وهو أستاذ شريعة عرف عنه تفوقه في جامعة الإمارات.
على إثر ذلك منعت عائلة محمد العبيدي من العمل ومن المنح الدراسية، وتم سحب جنسيته وجنسية أبنائه، ومنعوا من العلاج وتم تجميد ممتلكاتهم، وشُنت حملات إعلامية دعائية من أجل تشويه سمعتهم. نتيجة ذلك غادرت آلاء وطنها إلى قطر ثم إلى العاصمة البريطانية لندن، وذلك طلبا للأمان لها ولعائلتها، خاصة بأنها زوجة الناشط الحقوقي عبد الرحمن باجبير، المطلوب للسلطات الإماراتية.
ظهر وزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني قبل نحو ثلاثة أعوام، وقال إن السلطات في أبو ظبي بذلت قصارى جهدها من أجل تسليم ناشطة إماراتية عام ٢٠١٥، إلا أن الدوحة لم تفعل، وعلل ذلك بعدم اقترافها أي جرم جنائي، وعد ذلك أمرا مخالفا للقانون الدولي، ومخالفا للدستور القطري، فالمادة ٥٨ من الدستور القطري تنص على: "يحظر تسليم اللاجئين السياسيين".
بعد مغادرتها إلى لندن باتت آلاء مطلوبة بشدة لسلطات بلادها بسبب نشاطها الحقوقي، فهي عكفت على النضال من أجل حق والدها في محاكمة عادلة، كذلك من أجل العدالة لمعتقلي الرأي في وطنها، حيث ترأست منظمة القسط للدفاع عن حقوق الإنسان، ولم تتوقف عن انتقاد التضييق على الحريات في الإمارات، وضاعفت نشاطها الحقوقي في لندن حيث تمكنت من زيادة هامش الحرية الذي نشدته كي تخدم قضيتها التي تحارب من أجلها.
عرفت آلاء بوقوفها مع القضايا الإنسانية العادلة، والدفاع من أجلها، وعلى رأسها قضية فلسطين، فقد كان لها موقف رافض بشدة لتوقيع بلادها اتفاقية أبراهام مع إسرائيل، واستنكرت بشدة حالة التطبيع الرياضي والتجاري والثقافي، وهاجمت حالة تطبيع التطبيع التي رافقت توقيع تلك الاتفاقية. وأدانت بشدة سن قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة، كذلك أدانت قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية التي قوضت حرية تعبير الإماراتيين في المجال العام الافتراضي.
عند الاستماع لخبر وفاتها بحادث سير في منفاها الأخير، فإن المرء لا يستطيع إلا أن يتوقف عند جانب كبير من التناقضات التي تحيط تلك المرأة العربية الثائرة؛ التي لم تحلم بأكثر من وطن حر يحاكم فيه والدها ومعتقلو الرأي محاكمة عادلة، ثم يذهب المرء في ذاكرته لزيارة إيفانكا ترامب الشهيرة إلى الإمارات في ١٥ شباط/ فبراير ٢٠٢٠، للمشاركة في منتدى المرأة العالمي، حيث أعطت سلطات الإمارات إيفانكا ترامب منبرا لتخاطب فيه المرأة العربية حول حقوقها وتمكينها، وتبرعت لجمعيتها الخاصة بدعم المرأة الأمريكية بمئة مليون دولار، في الوقت الذي تلاحق فيه نفس السلطات مواطنتها آلاء الصديق من منفى إلى آخر بسبب مواقفها وآرائها.
آلاء مثل كل امرأة عربية هربت من سلطات بلادها المستبدة ومن التضييق والخنق على الحريات، وتميزت بعدم صمتها على ذلك وثوريتها الجامحة. حاولت من منفاها إنقاذ ما يمكنها أن تنقذه في بلادها الغارقة بوحل التطبيع مع كيان الاحتلال وقمع الحريات. عاشت على أمل لقاء والدها الذي لم تره منذ ثمانية أعوام، وقبل أشهر قليلة من خروجه وقضاء محكوميته رحلت آلاء عن عالمنا بهذا الشكل الصادم، دون أن تتمكن من رؤية والدها للمرة الأخيرة.
هنا يلح علينا تساؤل بلا توقف وهو: من هو الإماراتي الجيد في نظر بلاده؟ ومن يستحق أن يقدم للمحاكمة؟ الشيخ وسيم يوسف الذي اشتهر بمواقفه التي هاجمت حقوق الفلسطينيين وتعريضه المستمر بالفلسطينيين؟ أم الداعية محمد العبيدي؟ ومن هي المواطنة الأشد انتماء وغيرة على بلادها؛ نورة الكعبي وزيرة الثقافة التي تستميت في التطبيع الثقافي وتطبيع التطبيع؟ أم الراحلة آلاء الصديق؟ يصل المرء لاستنتاج أن المواطن العربي الجيد هو المواطن الميت بالنسبة للأنظمة الحاكمة، التي لا تتوانى عن تصفية معارضيها معنويا ونفسيا وجسديا.
لا يستطيع المرء إلا أن يقف عند وجع آلاء الصديق مطولا، وهو وجع شائع بين النساء العربيات اللواتي هربن من ويلات الحروب والقمع الذي تمارسه سلطات بلادهن، ليجدن يد الطغيان تطالهن في منافيهن وتحكم إلى صدورهن الضربة الأخيرة التي تتأكد من انتهائهن وإسكاتهن عن المطالبة بالحرية أو بأن يكون للإنسان العربي حق في الحياة بكرامة، بعيدا عن تنازلات الحكام الذين يلعبون دور عبيد المنزل لدولة الاحتلال ومجرمي الحرب فيها.
لقد رحلت آلاء الصديق لكنها خلفت وراءها آلافا من النساء العربيات في منافيهن يعشن وجع الإقصاء والإبعاد عن أوطانهن التي أصبحت محرمة عليهن، ومحللة غربان العالم.
اوليفر ماكتيرنن.. اختار العدالة ولم يختر أمه
سيف القدس ومعركة تثبيت الوعي الفلسطيني