في برنامج ما خفي أعظم الذي عرض على الجزيرة الأسبوع الماضي، ورد اسم الوسيط الإيرلندي الذي كان أول من تدخل في تموز/ يوليو 2008 للبدء بتحريك ملف التفاوض من أجل انجاز صفقة تبادل للجندي الإسرائيلي شاليط، وهو السيد أوليفر ماكتيرنن.
تعرفت أول مرة على السيد اوليفر، رئيس مؤسسة "Forward Thinking" البريطانية، من خلال الأنشطة والندوات التي يعقدها معهد بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات. ولأنني من النوع الذي يهتم بالاستماع للطرف الآخر ويهمه ما يتحدث به الغرب عنا وعن قضيتنا
الفلسطينية، كنت أحرص على حضور أي لقاءات تتضمن كتابا وسياسيين من الغرب.
غير أن السيد أوليفر وجدته مختلفا تماما عن كل من سبق وسمعت منهم من الغربيين، فمن يستمع إلى أوليفر يجد أمامه إنسانا بكل معنى الكلمة ومفكرا من الطراز المتقدم، وسياسيا مخضرما يعي اللعبة الدولية ويفهم تشابكاتها وتعقيداتها. أوليفر الذي يتمتع بمستوى عال من الوعي السياسي والإلمام بالقضية الفلسطينية وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي هو نموذج للإنسان الحر؛ الذي لا يبيعنا شعارات جوفاء فارعة ويقبض ثمنها من جهة هنا وهناك.
وعندما سمعنا من د. أحمد يوسف مقتطفات من حياة السيد أوليفر، وبعضا من مواقفه وجهوده الكبيرة تجاه شعبنا وقضيتنا الفلسطينية، وكل هذا يقوم به بدوافع إنسانية بحتة ونصرة للمظلوم وليس مدفوعا من جهات سياسية، زاد احترامنا لهذا الشخص وارتفعت قيمته في أعيننا.
أوليفر من النوع النادر الذي قلما تجده في زماننا هذا، ذلك الإنسان الذي ينحاز للحق وللمستضعفين في
غزة ويناصر قضيتهم ويسعى من أجل رفع الظلم عنهم، وليس ذاك الشخص الذي ينحاز للظالم (إسرائيل) ولمن يدعمها (الولايات المتحدة( ومن يناصرها (حكومة بلده والغرب عموما). فأن تجد إنسانا من غير لوننا وديننا صادقا في توجهاته فلا تملك إلا أن تقف له إجلالا واحتراما. وأتذكر هنا تلك المقولة للفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: "لو خيرت بين العدالة وأمي فسأختار أمي"، حيث أنه لم يناصر الثورة الجزائرية البلد التي ولد وعاش فيها، بل واختار أمه "فرنسا"، لكن أوليفر أختار العدالة ولم يختر أمه.
السيد أوليفر كان في كل كلماته وتوجيهاته لنا كفلسطينيين تشعر أنه ناصح أمين، فهو ينقل لنا صورة واضحة كيف ينظر لنا الغرب وكيف يتعامل الاعلام الغربي مع الأحداث في منطقتنا، ثم يقدم لنا النصائح والمقترحات في التعامل مع تلك المواقف، وكيف نستفيد ونسخّر تلك المتغيرات والتصريحات والمواقف لصالح قضيتنا.
أوليفر ممن يؤمنون بالشباب وقدراتهم ودورهم الرئيس في التغيير المجتمعي والحضاري، وكان في لقاءاته مع الشباب يستعرض التحديات التي تواجه الشباب الفلسطيني من واقع فهمه للمعادلة الإقليمية والدولية، ويدعوهم دوما لتطوير مهارات الاتصال لديهم وتعلم اللغات الأخرى، ويحثهم باستمرار على قبول الاختلاف فيما بينهم لإنتاج مشاريع جديدة وناجحة. ومع أنه من جيل بعيد عن جيل الشباب، إلا أنه كان يستمع لهم ولأسئلتهم بشغف، ويحرص على أن يقدم إجابة واضحة وشافية وصريحة لاستفساراتهم.
حقوق
السيد أوليفر كان محاميا ومدافعا شرس من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني، لم يبخل من وقته وجهده في سبيل إيمانه بمظلوميتنا ودوره في رفع الحصار عن قطاع غزة. السيد أوليفر كان ولا زال يعقد اللقاءات مع الفصائل والشخصيات المستقلة والحاضنات الشبابية سواء بغزة أو الضفة الغربية، هذا الى جانب دوره في الوساطة الدولية في عدد من الدول، ودوره المشهود في قضية وفاء الأحرار.
ويوم أن استمعت للسيد أوليفر متحدثا في مؤتمر علمي بعنوان "نحو فهم أفضل للعلاقة مع الغرب"، الذي عقد في وزارة الأوقاف بغزة في في حزيران/ يونيو 2019، شعرت بالدهشة من فكره الراقي والمتقدم، فشرح في كلمته كيف استطاع الغرب الصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، على الرغم من أنهم يمارسون إرهابا عابرا للحدود والقارات تجتمع فيه مفاهيم الدين والسياسة والحسابات الأمنية. هذا الإرهاب الذي أصبح ضرورة للغرب يعزز فيها من سيطرته على الدول والعالم والتحكم بمواردها المختلفة.