لم يمثل فوز إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية في انتخابات الرئاسة الإيرانية مفاجأة على أي صعيد، الرجل المقرب من المرشد كان ينظر له باعتباره المرشح الأوفر حظاً منذ أعلن ترشحه، خاصة وأن المزاج العام في مؤسسة الحكم الإيرانية كان يبشر برئيس محافظ، مقرب من دوائر صناعة القرار الحقيقية، يخوض غمار المفاوضات مع الولايات المتحدة، كما أن رئيسي جاء ثانياً في انتخابات 2017 وكانت تدور التكهنات حول اسمه كمرشح لخلافة خامنئي المرشد الحالي إبان تزايد الأنباء حول اعتلال صحته، رئيسي الذي سبق له أن عمل مدعياً عاماً كان خلال السنوات الأخيرة أحد أعمدة النظام في مواجهة التحديات الداخلية من خلال دوره في إدارة دفة السلطة القضائية المتهمة من خصوم إيران بأنها أداة شرعنة الاعتقالات التعسفية وإعدامات المعارضين، وعضويته في مجلس خبراء القيادة أحد أهم أركان مؤسسة الحكم.
على مستوى برنامجه السياسي فإن رئيسي لا يقدم جديداً سوى تركيزه على فكرة "اقتصاد المقاومة" والتي يطمح من خلالها لتعزيز دعم القطاع الزراعي على حساب التجاري، باعتبار الأول أساسياً في مواجهة الصمود أمام العقوبات والثاني سينتهي به الأمر دعماً لعلامات تجارية أجنبية، وعلى مستوى السياسة الخارجية يقدم رئيسي موقفاً تقليدياً متماهياً مع موقف مؤسسات الدولة الأخرى وعلى رأسها مؤسسة المرشد، استمرار في لغة التصعيد وانفتاح على المفاوضات، هذا علماً بأن رئيسي هو أحد تسعة مسؤولين إيرانيين مدرجين في قائمة عقوبات أمريكية وأوروبية منذ 2019.
الخبر الأهم في الانتخابات الإيرانية لم يكن فوز رئيسي بل نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 49٪ وهو الرقم الذي يمثل انخفاضاً ملحوظاً عن انتخابات 2017 حيث وصلت نسبة المشاركة آنذاك إلى 73٪، هذا التراجع يمثل تحدياً حقيقياً للنظام الذي كان يعتمد على نسب المشاركة الاستثنائية في تأكيد شرعيته الشعبية، فاز رئيسي بأقل من 18 مليون صوت، رقم مقلق للنظام إذا ما أخذنا في الحسبان أن روحاني حصل على 23.6 مليون صوت في 2017 ، في حين أن رئيسي نفسه حين خسر تلك الانتخابات حصل على 16 مليون صوت تقريباً، هذه الأرقام ستجعل مهمة استعادة الشرعية الشعبية للنظام أساسية في عهدة رئيسي الأولى.
خارجياً يواجه رئيسي تحديين أساسيين يتمثل الأول في مواجهة سياسة الضغط لرفع السقف التفاوضي الأمريكية دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات جديدة حقيقية، والثاني هو إعادة التوازن لمشروع إيران الإقليمي الذي ما زال يواجه اضطراباً منذ اغتيال سليماني، حيث تواجه إيران توجهاً عراقياً للخروج من عباءتها ولو جزئياً ومقاربات جديدة في الحالتين اليمنية واللبنانية، ناهيك عن استمرار الاستنزاف في دعم النظام السوري وجرائمه.
يتغير العالم حول إيران ولا يغير فوز رئيسي شيئاً في سياستها، لا شك أن هناك تغييرات سطحية ستنتج عن تغيير شخص الرئيس، ولكن الخط الاستراتيجي لإيران ومشروعه الإقليمي والعلاقة مع الغرب لن تتأثر، النظام يواجه اليوم تحديات شبيهة بتلك التي واجهها بعد انتخابات 2009 على الرغم من غياب مواجهة داخلية حقيقية مع الإصلاحيين الذين تم تفكيكهم خلال السنوات العشر الأخيرة، المرحلة القادمة سيتضح من خلالها ما إذا كان النظام قادراً على تجاوز هذه التحديات كما فعل قبل عقد أم أنها ستكون بداية لتغيير شامل في الحالة الإيرانية.
(الشرق القطرية)