من الأمور التي تلفت النظر وتثير الإعجاب بشكل كبير وجود تباينات في الرأي داخل كوادر ونخب حركة حماس، ففي العامين الماضيين بدأ الأمر يظهر جلياً في أكثر من موقف، كالعلاقة مع إيران وحزب الله، والانتخابات البلدية، والتفاهمات مع دحلان، وأخيرا اتفاق المصالحة مع حركة فتح.
هذا الأمر بنظري شيء إيجابي داخل حركة بحجم حماس يعوّل عليها أن تقود المشروع الوطني، وهو ليس كما يظنه البعض من قصيري النظر بأنه نذير انقسام وشرخ في جسم الحركة، بل هو مؤشر صحة ودليل حيوية، فهو يخصّب التجربة ويرسم سيناريوهات ويوفر حلولا متعددة، يمكن للقيادة استثمارها والاستفادة منها في صنع مواقف أكثر نضجاً، كما يسمح بظهور وتأهيل قيادات سياسية يمكن أن تأخذ دورها مستقبلاً.
قبل أكثر من عشرة أعوام كنت تجد المعظم من أبناء الحركة وحتى من مثقفيها يعمل وفق مبدأ "حافظ مش فاهم" ويسير على خطى "اغمض عينيك واتبع القيادة"، فتراه يتبنى رأي الحركة الرسمي ويدافع عنه بقوة، وأحيانا كثيرة بدون فهم لأسبابه وحيثياته، أو بدون وجود قناعة داخلية بهذا الرأي.
أما الآن فأصبحنا نجد من يختلف مع رأي القيادة، بل لديه الجرأة على نقدها علنا في المجالس أو عبر صفحات الفيسبوك، وهذا يحسب لحماس أنه في معظم الحالات اتسع صدرها لذلك النقد والاختلاف ولتلك المعارضة الداخلية. وهي بذلك تتفوق فلسطينيا على نظائرها في الحركات الأخرى التي لا يجرؤ فيها العضو على النقد، وإن فعل فمصيره الفصل أو السجن، وليس قضية محمد الداية مرافق الراحل عرفات عنا ببعيد.
إن من أسوأ الأوضاع داخل أي حركة هي أن يكون الجميع برأي واحد أو بنفس الرؤية والفكر، فهذا لا يدل على الوحدة والانسجام وتماسك الصف التنظيمي كما يعتقد البعض، بل هو دليل جمود في الفكر وسطحية في الفهم، فالرأي الواحد ينتج نسخا مكررة من أبناء التنظيم ويدمر الطاقات ويقتل الابداع.
الوضع المثالي والجيد هو التنوع وتعدد الرؤى ووجود المدارس الفكرية والتوجهات المختلفة والتدافع بين الأجيال، ما قد يصل بالحركة في السنوات القادمة الى تطور في الانتخابية الداخلية يصبح الانتخاب فيها وفق برامج مختلفة، ليس كما هو الحال الآن، فالاختيار مبني على الثقة والورع في العديد من الحالات دون الكفاءة المطلوبة لإدارة الواقع ورسم المستقبل.
هذه الديناميكية الفكرية شي جميل ساعدت في انتشارها داخل حركة حماس تلك العثرات والأخطاء التي مرت بها الحركة في تجربة الحكم والمآخذ التي أخذت عليها، علاوة على انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كمنابر للتعبير الحر عن الآراء، وظهور بعض المراكز البحثية داخل الحركة، وارتفاع مستوى الثقافة والفكر لدى بعض النخب والكوادر، والانفتاح على تجارب الحركات الاسلامية الأخرى.
إن المطلوب من قيادة حماس ألا يضيق صدرها بهذا الاختلاف والنقد الموضوعي داخل صفها، وألا تسارع في تصنيف الممارس له وإدانته والتشكيك في ولائه للحركة دون النظر في مادة النقد وفحواها، بل عليها أن تشجع هذه الظاهرة وتستفيد منها إيجابيا على أكثر من صعيد، وكذلك الانفتاح على تجارب حركات التحرر العالمية ومراكمة الخبرة في هذا المجال.