على الرغم من وقوع نحو 60 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر، وفقا لإحصاء البنك الدولي عام 2019، إلا أن مصر جاءت ثاني أكبر دولة أفريقية في حجم الثروات الخاصة بنحو 282 مليار دولار، وفق أحدث تقرير إقليمي.
تقرير الثروة الأفريقية، الصادر عن المجموعة المصرفية "AfrAsia Bank" ومقرها موريشيوس، كشف أن مصر احتلت المركز الثاني بين دول القارة بعد جنوب أفريقيا من حيث حجم الثروات الخاصة، بنهاية 2020.
ووفق التقرير فقد بلغت الثروات الخاصة في مصر، 282 مليار دولار، ويعيش في البلاد 15.5 ألف ثري، و810 مليونيرات، و6 مليارديرات، فيما يبلغ نصيب الفرد في مصر من الثروات الخاصة نحو 2,810 دولارات.
وبالرغم مما تعانيه القاهرة الكبرى من فقر مدقع في أحيائها الشعبية؛ إلا أن العاصمة المصرية احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر المدن الأفريقية احتضانا للثروات الخاصة، بإجمالي 118 مليار دولار، حيث يعيش فيها 7.5 ألف ثري، و400 مليونير، إضافة إلى 4 مليارديرات.
"غنى فاحش"
وفي السياق، في نيسان/ أبريل 2021، أصدرت مجلة فوربس الأمريكية تصنيفها لأغنياء العالم وجاء بالقائمة 5 مصريين ممن يملكون مليار دولار أو أكثر، حيث تصدر ناصف ساويرس أغنياء مصر بـ8.3 مليار دولار احتل بها المركز الـ297 عالميا بعدما كان بالمركز الـ330 في 2020، متخطيا بذلك 33 مليارديرا على مستوى العالم.
شقيقه الأكبر نجيب ساويرس، جاء في المركز الثاني بثروة بلغت 3.2 مليار دولار، احتل بها المركز الـ956 عالميا، فيما حل ثالثا محمد منصور بـ2.5 مليار دولار وضعته بالمركز الـ1,249 عالميا، تلاه يوسف منصور بالمركز الرابع، بثروة تقدر بـ 1.5 مليار دولار ليحل بالمركز الـ2,035 عالميا، ليأتي شقيقهما ياسين منصور بالمركز الخامس بثروة تقدر بـ1.1 مليار دولار احتل بها المركز الـ2,524 عالميا.
ووفق فوربس أيضا فقد تصدرت مصر قائمة مليارديرات العرب بـ6 مليارديرات، فيما تصدر ناصف ساويرس قائمة أغنى الأثرياء العرب عن 2021، بثروة قدرها 8.3 مليار دولار.
"فقر مدقع"
وفي المقابل يعيش أغلب المصريين أوضاعا اقتصادية صعبة، خاصة منذ قرار سلطات الانقلاب العسكري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، تحرير سعر الصرف، ما أدى لمضاعفة أسعار جميع السلع والخدمات، وفاقم الأوضاع الاقتصادية، وتسبب في زيادة نسب البطالة والفقر.
وكانت جائحة كورونا التي ضربت البلاد في ربيع 2020، إحدى أسباب تزايد معاناة المصريين من الفقر والبطالة، خاصة مع توالي فترات الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومة.
وحول نسب الفقر في مصر، قال البنك الدولي في أيار/ مايو 2019، إن "حوالي 60 بالمئة من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا"، ولكن الأرقام الرسمية المصرية لم تسجل نصف هذا المعدل من الفقر.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، سجل معدل الفقر الرسمي في مصر 29.7 بالمئة للعام المالي 2020/2019، مقارنة بـ 32.5 بالمئة في العام المالي 2018/2017، وفق وزارة التخطيط.
ويرجع سبب التضارب لتحديد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) خط الفقر عند مستوى الـ8,827 جنيها سنويا، والـ735 جنيها شهريا، ما يعادل 24.5 جنيه مصري يوميا و(1.5 دولار أمريكي)، فيما حدد البنك الدولي مؤشر الفقر بـ5.5 دولار للفرد يوميا، و1.9 دولار للفرد يوميا للفقر المدقع.
ولكن وفي إحصاء حكومي آخر، توقع معهد التخطيط القومي، في أيار/ مايو 2020، حدوث انعكاسات سلبية لأزمة كورونا، وارتفاع معدل البطالة 16 بالمئة، وارتفاع معدل الفقر إلى 44.7 بالمئة، وزيادة عدد الفقراء إلى 12.5 مليون بالعام المالي 2020-2021.
وفي 29 تموز/ يوليو 2020، قالت مديرة الوحدة المركزية لمبادرة حياة كريمة بوزارة التنمية المحلية، ولاء جاد الكريم، إن عدد القرى التي تزيد فيها نسبة الفقر في مصر على الـ50 بالمئة بلغ 1000 قرية.
"آفة كبيرة"
البرلماني السابق وأمين عام حزب المحافظين طلعت خليل، في حديثه لـ"عربي21"، انتقد حالة التناقض بين ما لدى قلة من الأغنياء من ثروات وبين ما يعيشه أغلب المصريين، وقال إننا أمام "سوء توزيع للثروات في مصر"، واصفا إياها بأنها "آفة كبيرة".
ولفت أيضا إلى ما اعتبره "سوء توزيع المناصب بين المصريين والتي تصب في فئات بعينها"، مؤكدا "أننا أمام أوضاع غاية في الخطورة على مستقبل مصر".
وأكد أن "الحل الوحيد لكي نخرج من هذا الوضع ولكي نحافظ على السلام المجتمعي لمصر؛ هو الحكم الرشيد"، موضحا أنه "لن نصل لهذه الحالة في ظل تغول السلطات على الحقوق والحريات إلا عندما يكون الشعب صاحب إرادة".
"سياسات الإفقار"
وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي رضا عيسى: "كل القرارات الاقتصادية في مصر تسير نحو إفقار الشعب، بداية من الضرائب التي يتحمل المصري العادي النسبة الأكبر منها، حيث يدفع 28 بالمئة من دخله كحصيلة سنوية للضرائب، بينما تدفع الشركات من 10 إلى 15 بالمئة من قيمة الضرائب".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أنها "مفارقة واضحة"، ضاربا المثل بـ"تطبيق الحكومة ضريبة المبيعات، وضريبة القيمة المضافة، كإحدى قوانين الضرائب العالية التي لا تفرق بين غني وفقير ولا تفرق بين من يعمل ومن هو عاطل".
ووصف "سياسات الحكومة الاجتماعية أيضا بأنها غير واضحة المعالم"، لافتا إلى أن "الحكومة "تعتمد في الأغلب على ما تحصله من المواطن العادي، وتضع قوانين وتصدر قرارات تضر بالفقراء، بل وتواصل الضغط عليهم".
وشدد على أن "السياسات الاقتصادية للنظام الحالي هي أهم أسباب زيادة نسب الفقر، وعلى الجانب الآخر تجعل الثروات حكرا للأغنياء"، مبينا أن "تلك الحالة تفاقمت منذ أن رضخت مصر لسياسات وتوجيهات صندوق النقد الدولي".
وأكد أن "عدد الفقراء في مصر كبير؛ و60 بالمئة منهم وفق البنك الدولي إما وقع تحت خط الفقر أو على حدوده، وعلى الجانب الآخر هناك حالة من البذخ يعيشها الأثرياء تظهر في كم الفلل والقصور والكمبوندات التي يتم بناؤها بلا أية قيمة إنتاجية على الاقتصاد المصري".
وختم حديثه بالقول: "والحل لكي نحقق معادلة التوازن بين الفقراء والأغنياء هو تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
"تفاوت طبقي مريع"
وفي قراءته لحجم التناقض بين الفقراء والأثرياء في مصر، وما يكشفه ذلك التناقض من سوء توزيع للثروات، يعتقد السياسي والبرلماني المصري السابق، طارق مرسي، "أن الأرقام المذكورة لا تمثل الحقيقة أو هي أقل من الحقيقة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "يقيني أن 282 مليار دولار و400 مليونير و4 مليارديرات لا تمثل حالات الثراء الفاحش الذي تعيشه قطط الفساد السمان خاصة بعد عهود طويلة الأمد من الفساد".
ويعتقد عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشوري السابق، أيضا "أن تركة عهد مبارك حققت أكثر من هذه الأعداد والأرقام بكثير، وهي في المقابل أفقرت الشعب وجعلت نسبة لا يستهان منه تحت خط الفقر".
وأشار إلى أن "عهد الانقلاب ويرعاه السيسي يبني أركان عيشه على ركنين أساسيين، أولهما: مراكز قوى من الفسدة وأصحاب الكروش، وثانيهما: تمييز طبقي داعم لطبقة حماية السلطة من العسكريين والقضاة، فيما تترك جماهير الشعب يتسولون الفتات أو يموتون من الجوع".
وأكد مرسي، أن "السنوات السبع الأخيرة ألقت بأكثر من 60 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر حسب تقارير البنك الدولي، والحقيقة أن النسبة أكثر من ذلك وأخطر؛ لأن الواقع أسوأ ولا تستطيع التقارير الوصول إليه وحصره".
وجزم بأن "الطبقة الوسطى انهارت تماما، ودخلت بأكملها تحت خط الفقر، وكثير من المستورين بل والأثرياء تدهور بهم الحال بسبب الأسعار، وسيطرة وتغول الجيش، وأذناب السلطة على الاقتصاد".
وقال: "إننا أمام بئر معطلة يعاني حولها أكثر من مئة مليون مصري؛ بينما يعيش فسدة السلطة وأزلام الانقلاب في قصر مشيد، وتخمة لا حساب لها".
ويتصور السياسي المصري أن التقارير والأرقام المذكورة في التقرير الأفريقي لم تستطع الوصول للمليارات المصرية المنهوبة في الخارج أو التي يعيشه بها سُرَّاق المال العام في دبي والامارات".
ويعتقد أن "التقرير لم يستطع أن يحصر أرقام وخزائن جنرالات الجيش، وقطط الانقلاب السمان، سواء من يكنزون أموالهم في البقعة السوداء في اقتصاد مصر، أو الذين يضعون ثرواتهم المهولة وملياراتهم الكثيرة في حسابات وهمية هنا وهناك".
ويرى أن "التقرير حاول أن يصف واقع المصريين المزري، ويكشف حجم خط الفقر الذي يغرق كل يوم ملايين جديدة من شعبنا المكسور المقهور".
وأكد مرسي، أن "الصورة أبعد من ذلك بكثير وأننا أمام تفاوت طبقي مريع، يمثل ويضيف قنبلة موقوتة وخطرا داهما على الوطن وأمنه القومي، هذا غير القنابل الموقوتة والمخاطر الكثيرة والمتعددة التي يتقلب عليها الوطن في واقعنا بسبب الانقلاب وبسبب السيسي وأذنابه".
"الإشكاليات السبعة"
باحث مصري في الاقتصاد السياسي، أكد أن "مصر عندها مشاكل متراكمة"، موضحا أن حالة التناقض تلك بين الأغنياء والفقراء في البلاد هي "موروث اجتماعي قديم لكنه ظهر على السطح بشكل واضح مع هجرة أهل القرى والصعيد إلى المدينة".
الباحث الذي رفض ذكر اسمه بحديثه لـ"عربي21"، خوفا من البطش الأمني، قال إن "مصر بها سبعة إشكاليات تتعلق بالأمن، وحرية المعلومات، والمعرفة، والإنتاجية، والانحيازات الاجتماعية، والسيطرة على الموارد، والعلاقة بين النظام الاقتصادي وطبيعة الأنظمة السياسية".
ولفت إلى أن كل ما سبق عوامل مجتمعة يفسر حجم التناقض بين الفقراء والأثرياء في مصر، ويكشف عن سوء توزيع الثروات في البلاد، مبينا أنه يمكن حل هذه المعادلة وفق رؤية اقتصادية بـ"فرض ضرائب على الثروة وضرائب تصاعدية على الدخل".
التضخم يرتفع في مصر وتوقعات باستمرار صعود الأسعار
لماذا لجأ السيسي إلى قانون الصكوك الذي صدر بعهد مرسي؟
بورصة مصر تقترب من شطب "جهينة".. والإمارات تقرر شراءها